السلطة والمسؤولية
السُّلْطة هي قدرة شخص أو منظمة على فرض أنماط سلوكية لدى شخص آخر، تعتبر السلطة أحد أسس المجتمع البشري، والسلطة كمصطلح يشمل غالبية حالات القيادة، ولحسن الحظ فهي قليلًا ما تعتمد على القوة الجسدية، وإنما على وجود جهاز تنظيمي يقوم على الصلاحيات، فمثلًا صلاحية حاكم الدولة تنبع من أن الشرطة ستعاقب الأفراد الذين لا ينصاعون لسلطته، ويرتبط مفهومي السلطة والمسؤولية معًا، حيث يتحمل من له السلطة المسؤولية عن مرؤوسيه، ولكن يجب أن تكون العلاقة مبنية على تنفيذ المتطلبات وفق القانون وبطريقة لا تمسّ أحدًا بسوء، ولا تتسبب في إلحاق الأذى النفسي أو المادي، حتى يتم الخروج من دائرة الاستبداد، وفي هذا الموضوع سيتم الحديث عن ما هو الاستبداد.[١]
ما هو الاستبداد
يعرف المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة كلمة "استبد": "حكم بأمره وتصرف بصورة مطلقة، غير قابلة الاعتراض". كما يعرف نفس المعجم كلمة "استبداد": "تعسف، تسلط، تحكم". ويورد المعنى الثاني: "ظلم، فرض الإرادة من دون مبرر". أما موسوعة السياسة، فتورد تعريف "استبداد": "حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين"، وتضيف الموسوعة تعريفًا لمحمد عبده للكلمة نفسها: " المستبد عرفًا من يفعل ما يشاء غير مسؤول ويحكم بما يقضي به هواه".[٢] إن الاستبداد صفة للحكومة أو الإدراة المطلقة العنان فعلًا أو حكمًا، والتي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب، وتفسير ذلك هو كون الحكومة تعتقد أنها غير مكلفة بتطبيق تصرفها على شريعة أو قانون، أو على إرادة الأمة.[٣]
الاستبداد والعبودية نفسيًا
بغضّ النظر عن ما هو الاستبداد وأنوعه، فهو قائم على أساس نفسي، والغريب أنه يشكل مع العبودية وجهين لعملة واحدة، حيث إنّ كل طاغية مستبد هو من الناحية النفسية أيضًا عبد وذليل، فهو قابل ليكون عبدًا ذليلًا أمام من هو أقوى منه، وبالعكس، فكل عبد ذليل راضٍ بما هو عليه، هو من الناحية النفسية أيضًا مستبد وقابل ليكون مستبدًا مع من هم أضعف منه، ولو ثار العبيد ضد المستبد، فهذا قد يكون رغبة في الحلول مكانه وليس ثورًة ضد مبدأ الاستبداد نفسه، وإذا سأل سائل لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين؟ فأبلغ جواب هو: إن الله عادل بالمطلق لا يظلم أحدًا، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين. ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسرى الاستبداد مستبدًا في نفسه، ولو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم تابعًا لرأيه وأمره. فالمستبدون يتولاهم المستبدون، والأحرار يتولاهم الأحرار[٣]
العبودية الاختيارية
الطاغية لا يحتاج الأمر إلى محاربته وهزيمته، فهو مهزوم بطبيعة الحال، بل يكفي ألا يستكين الناس لاستعباده، ولا يحتاج إلى انتزاع شيء منه بل يكفي الامتناع عن إعطائه، الشعوب إذًا هي التي تترك القيود تكبلها وتكبل نفسها ما دام خلاصها مرهونًا بالكف عن خدمة المستبد والديكتاتورية، فالشعب هو الذي ملك الخيار بين الرق والعتق فترك الخلاص وأخذ الغل، إن الشرارة مثلًا تستفحل نارها وتعظم، وكلما وجدت حطبًا زادت اشتعالًا ثم تخبو وحدها دون أن نصب ماء عليها، ويكفي ألا نلقي إليها بالحطب كأنها إذا عدمت ما تُحرق فسوف تُحرق نفسها وتُمسي بلا قوة. وكذلك الطغاة كلما نهبوا طمعوا، وكلما خدمهم الشعب زادوا جرأة واستقووا وزادوا إقبالًا على الفناء والدمار. فإن أمسك الشعب عن دعمهم ورجع عن طاعتهم، صاروا بلا حرب ولا ضرب عرايا مكسورين، مثل فرعٍ فقدت جذوره الماء والغذاء فجف وذوى، وهذا السر هو من أدق المعلومات عن ما هو الاستبداد.[٤]