الاستنباط الفقهي
إنّ استنباط الأحكام الشّرعيّة ولا سيّما في النّوازل لم يقتصر فقط على الأدلّة الأصيلة، وهي القرآن والسّنّة، وإنّما تمّ استخدام الأدلّة التّبعيّة للاستنباط الفقهي وإطلاق الحكم الشّرعي على الواقعة، ومن الجدير بالذّكر أنّ الاستنباط الفقهي من الأدلّة التّبعيّة يكون فقط للنّوازل أو الوقائع التي لم يرد في حكمها نصّ صريح من القرآن أو السّنّة أو الإجماع، ممّا يعني أنّ هذه المصادر بحاجة إلى تأمّل عميق ودراسة المسألة دراسة بحتة للتّوصّل إلى الحكم المناسب، وهذه الطّرق وضعها علماء أصول الفقه وفق أسس وضوابط وشروط لا بُدّ للمُستنبِط الالتزام بها، والفقهاء اتّفقوا على اعتبار بعض من هذه المصادر؛ كالقياس، واختلفوا في مصادر أخرى؛ كاالاستصحاب والمصالح المرسلة والعرف وشرع من قبلنا وقول الصّحابي وعمل أهل المدينة والاستحسان الذي هو محور الحديث في هذا المقال، لذلك سيتمّ التّعرُّف في هذا المقال على الاستحسان وآراء الفقهاء في اعتباره وحجّيته، بالإضافة إلى أنواعه وأمثلة على كلّ نوع، لذلك ما هو الاستحسان.[١]
ما هو الاستحسان
الاستحسان في اللّغة: الاعتقاد أنّ الشيء حسن، أمّا في الاصطلاح هو: هو العدول عن قياس خفي إلى قياس جلي أقوى منه، أو هو العدول عن حكم معيّن إلى حكم يُناسب ملحة الأمّة على أن لا يكون مُخالفًا لقرآن والسّنّة، ومنهم من عرّفه على أنّه: العدول عن حكم كلّي إلى حكم جزئي استنادًا إلى دليل راجح،[٢] وتجدر الإشارة هنا أنّ الاستحسان يتفرّع عن القياس، حيث يٌعرّف القياس بأنّه: إلحاق مسألة لم يرد في حكمها نص بمسألة ورد في حكمها نص لاشتراكهما في علّة الحكم، والاستحسان هو عبارة عن قياسين اختار المجتهد واحدًا منهما وفق أسس وقواعد وضعها علماء أصول الفقه، ومن الأمثلة على الاستحسان: إنّ الحقوق الارتفاقيّة؛ كحقّ الشرب والمسيل لا تدخل في عقد البيت إلاّ إذا نُصّ عليها فإنّها تدخل، لذلك لم يتمّ قياس دخولها في وقف الأراضي الزّراعيّة على البيع وإنّما قاسوها على الإجارة بحجّة المنفعة، لذلك تدخل الحقوق الارتفاقيّة في وقف الأراضي الزّراعية استحسانًا بالقياس على الإجارة.[٣]
أنواع الاستحسان
وبعد أن تمّت الإجابة عن سؤال: ما هو الاستحسان، يجدر بالذّكر أن الاستحسان يُنظر فيه من جهة مستنده أيْ دليله، لذلك هو يتفرّع منه عدّة أنواع كون من الأدلّة التّبعيّة التي لا بُدّ أن يكون مستندها الرّئيس من الأدلّة الأصيلة، وفيما يأتي بيان أنواع الالستحسان:[٤]
- الاستحسان بالنّصّ: وهو أن يتمّ العدول عن حكم مُعيّن لورود نصّ في جزئيّة معيّنة ويكون ذلك من القرآن والسّنّة، ومثال ذلك: خيار الشرط فقد جاز استحسانًا لورود النّص بجوازه ثلاثة أيّام.
- الاستحسان بالإجماع: كعقد الاستصناع، فهو جائز استحسانًا، والأصل عدم جوازه لأنّه عقد على معدوم، ولكن جاز ذلك لجريان التّعامل به بين النّاس.
- الاستحسان بالعرف: ومثال ذلك أنّ الأصل في الوقف ثابت؛ كالعقارات والأراضي، أمّا بالنّسبة لوقف المنقول؛ كالأواني والكتب ونحوه، فهو جائز استحسانًا لجريان العرف بذلك.
- الاستحسان بالضّرورة: إنّ الشّريعة الإسلاميّة مبنيّة على رفع الحرج عن الأمّة، لذلك فإنّ الأصل في رشّاش البول والغبن اليسير في المعاملات الحرمة، لكنّه أصبح جائزًا استحسانًا لضرورة ذلك.
المراجع
- ↑ "طرق استنباط وإظهار الأحكام الشرعية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ "الاستحسان في اللغة والاصطلاح"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ "الاستحسان"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ الدكتور عبدالكريم زيدان (2006)، [http:// الوجيز في أصول الفقه] (الطبعة 15)، بيروت:الرسالة، صفحة 233. بتصرّف.