محتويات
ما هو التشبيه البليغ؟
كيف عرّف البلاغيون التشبيه البليغ كلّ على حدة؟
التّشبيه البليغ هو التّشبيه الذي حُذف منه وجه الشّبه وأداة التّشبيه، وقد ذكر الرّماني في وصف التشبيه البليغ أنّه: إخراج الأغمض إلى الأظهر بأدة التشبيه مع حسن التأليف، وورد عن عبد القاهر الجرجاني أنّه قال: زيدٌ أسدٌ تشبيه على حد المبالغة، أمّا ابن الأثير فقد قال: التشبيه لا يُعمد إليه إلّا لضرب من المبالغة، فلا بُد فيه من تقدير لفظة "أفعل" فإن لم تُقدّر فيه لفظة أفعل فليس بتشبيه بليغ.[١]
اتّفق السكّاكي والقزويني في تعريف التشبيه البليغ، إذ قالا: التّشبيه متروك الأداة والوجه من أقوى مراتب التشبيه في المبالغة، ويُضيف السكاكي أنّه ليس من الضروري في التشبيه ذكر كلمة التشبيه، بل يكفي أن يُقال: زيد أسد، وهذا أبلغ من أن يُقال: كأنّ زيدًا أسدٌ، ولعل الغرض من التشبيه البليغ هو تشويق القارئ لنيل المطلوب، فالتشبيه البليغ هو نيل بعد الطلب فيه وقع في النفس لطيف.[١]
ممّا يجدر ذكره أنّ بلاغة التّشبيه البليغ لا يُمكن حصرها في كونه محذوف الوجه والأداة؛ إذ إنّ هذا سيخرج كثيرًا من التشبيهات الواردة في القرآن والأحاديث النبوية من كونها بليغة، وإنّما بلاغته تكمُن في إزالة الفرق بين المُشبّه والمُشبّه به، ومُحاولة توحيد هويتهما والتركيز على نقطة الالتقاء والاتصال بين المشبه والمشبه به، وهذا ما يؤدي إلى الغرابة والبلاغة في التشبيه البليغ.[١]
صور التشبيه البليغ
ما هي أشكال التشبيه البليغ من حيث تركيبه النحوي؟
إنّ فائدة التّشبيه هي تقريب صورة الموصوف من ذهن المُتلقّي، وجعلَ القارئ أكثر قُربًا ممّا يقرأ، وممّا يزيد القارئ مُتعة ويجذبه للتعمُّق في القراءة أكثر هو محاولة التوحيد بين المُشبه والمشبه به باستخدام التشبيه البليغ، وهذا التشبيه البليغ يأتي على صور عدة.[٢]
المبتدأ والخبر
(بلادنا جنةٌ): تشبيه بليغ متروك الأداة والوجه، وقد جاء من ناحية التركيب النحوي على هيئة جملة اسمية، والمُشبّه هو كلمة بلادنا، والمشبه به جنة، فقد شُبهت البلاد بالجنة، وللقارئ أن يتخيّل وجه الشبه بين البلاد والجنة ويستمتع بالوصول إلى النقطة الالتقاء بين المشبه والمشبه به.[٢]
الحال وصاحبها
(ظهرت الطفلة على المسرح شمسًا): في هذه الجملة تشبيه للطفلة بالشّمس، فالطفلة هي المُشبّه، والشمس هي المُشبّه به، وهو تشبيه بليغ لخلوّه من الأداة ووجه الشبه، وقد جاء على هيئة الحال وصاحب الحال، فالمُشبّه به هو الحال (شمسًا) والمُشبّه هو صاحب الحال(الطفلة).[٣]
المفعول المطلق المبين للنوع
عندما يقول أحدهم: (وثبَ الطفل وثبة الغزال)، فإنّه استخدم تشبيهًا بليغًا، أوْصَل من خلاله الهيئة التي قفز فيها الولد، مُستخدمًا لهذا التشبيه المفعول المطلق المبين للنوع، فالمشبه هو وثوب الطفل، والمشبه به هو وثبة الغزال، ويُمكن استنباط الشبه بينهما من أنّ وثبة الغزال فيها خفة ورشاقة وسرعة، وكذلك كانت وثبة الطفل.[٤]
المضاف إلى المشبه
يُقصد به أن يكون المشبه مضافًا إليه، والمشبه به هو المضاف، مثل قولهم: (ابتعدوا عن ظلمات الجهل)، فقد شُبّه الجهل بالظلمات، وجاء التشبيه البليغ على صورة تركيب إضافي.[٤]
أمثلة على التشبيه البليغ
ما هي أبرز الأمثلة التي توضّح مفهوم التشبيه البليغ وغرضه؟
كثيرة هي أنواع التشبيه، ولقد قيل إنّها في بلاغتها على مراتب، وأعلاها وأبلغها هو التشبيه البليغ، وللتشبيه البليغ أمثلة كييرة من القرآن والشعر وفصيح الكلام، ويمكن من خلالها اتضاح بلاغته العالية.[٥]
أمثلة عن التشبيه البليغ من القرآن الكريم
- قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}[٦]، تشبيه بليغ، وجاء على شكل المفعول المطلق المبين للنّوع، فقد شبّه مرور الجبال بمرور السحاب.[٣]
- قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[٧]، تشبيه بليغ، فقد شبّه أزواج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأمهات المؤمنين، وحُذفت الأداة ووجه الشبه، ويُمكن تقدير وجه الشبه بالمكانة الرفيعة والعظيمة.[٨]
أمثلة عن التشبيه البليغ في الشعر
- قول النابغة الذبياني:[٩]
فَإِنَّكَ شَمسٌ وَالمُلوكُ كَواكِبٌ
- إِذا طَلَعَت لَم يَبدُ مِنهُنَّ كَوكَبُ
شبّه النابغة الخليفة النعمان بأنّه شمس، وشبّه الملوك من حوله بالكواكب، وفي كلا التشبيهين استخدم التشبيه البليغ.
- قول أبي طالب المأموني:
فالأرض ياقوتةٌ والجو لؤلؤةٌ
- والنبت فيروزجٌ والماء بلورُ
الشاعر العباسي نظم الشعر بما يتناسب مع العصر الذي عاش فيه، فقد عُرف عن العصر العباسيّ أنّه عصر البديع والصنعة الفنية، فجعل هذا البيت كله تشبيهات بليغة، فشبّه الأرض بالياقوت، والجو باللؤلؤ، والنّبت بالفيروزج، والماء بالبلور.[٥]
أيْنَ أزْمَعْتَ أيّهذا الهُمامُ؟
- نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَى وأنتَ الغَمامُ
أراد المتنبي أن يُبيّن لسيف الدولة فضله على الرعية، فشبّه الرعيّة والشعب بالنبات في الأراضي الخضراء، وشبّه الخليفة بالغمام، ومن خلال هذين التشبيهين البليغين مدح الخليفة خير مديح وبأبلغ كلام فصيح.
جمل عن التشبيه البليغ
- أما أنت يا بسمةَ الغادة الحسناء، فإنك مقدمةٌ لكتاب الحب: تشبيه بليغ شُبّهت فيه بسمة الفتاة الحسناء بمقدمة كتاب الحب، الغرض هو الدلالة على جمال هذه الابتسامة، وما تخفيه وراءها من لطف وود ونقاء.[١١]
- هجم الجندي هجوم الأسد: تشبيه بليغ يُشبّه فيه هجوم الجندي أنّه يشبه هجوم الأسد، والشبه بينهما هو القوة والجرأة والشجاعة، وجاء على هيئة المفعول المطلق المبين للنوع.[٣]
- أنت بحر البلاغة والأدب: تشبيه بليغ؛ إذ شبّه المخاطب ببحر البلاغة، وحُذف وجه الشبه وأداة التشبيه، ويُمكن استنباط وجه الشبه بأنّ المُشبّه واسع المعرفة والاطلاع على علوم البلاغة والأدب، وجاء على صورة التركيب الإضافي.[٣]
يُمكن القول إنّ التشبيه البليغ يُقصد به الإيجاز في الكلام والإبداع في عرض المعاني، وإن الصراع الذي يحصل بين المشبه والمشبه به حتى يصلا إلى نقطة الالتقاء والاتصال هو ما يزيد من بلاغته، ويجعل وقعه في نفوس المتلقين قويًا وعذبًا، فعندما يتوصل المتلقي للرابط بين طرفي التشبيه يشعر بالمتعة الحقيقة.
المراجع
- ^ أ ب ت عبد الرحيم أحمد، التشبيه في الحديث الشريف: دراسة في متن صحيح البخاري، صفحة 69-70-01.
- ^ أ ب "التشبيه البليغ"، جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "التشبيه البليغ والمجمل"، المكتبة الشاملة الحديثة، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "التشبيه"، جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 272. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية:88
- ↑ سورة الأحزاب ، آية:6
- ↑ عمر بن عطیة الله بن عبد الكریم الأنصاري ، تشبیھات القرآن الكریم وأثرھا في التفسیر، صفحة 66.
- ↑ "أتاني أبيت اللعن أنك لمتني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2020.
- ↑ "أين أزمعت أيهذا الهمام"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2020.
- ↑ أحمد حاطوم وآخرون (2000)، الوافي في النحو والبلاغة والعروض (الطبعة 1)، لبنان:دار الفكر اللبناني، صفحة 247. بتصرّف.