محتويات
مفهوم الزواج
هل يدل مفهوم الزواج إلى معنى المقارنة؟
في بادئ الأمرلا بد للجنوح إلى المعنى اللفظي للزواج، فهو لفظًا مأخوذ من "زوج" وهو أصل يدلّ على مقارنة شيء لشيء[١]، يرى الراغب الأصفهاني أنّ الأشياء كلّها مركّبة من جوهر وعرض ومادّة وصورة، وأن لا شيء يتعرّى من تركيب فكلّ ما في العالم زوج من حيث إنّ له ضدًا، أو مثلًا ما، أو تركيبًا ما، إنّه لا ينفكّ من تركيب جوهر وعرض.[٢]
هذا التركيب أو التركب من جوهر وعرض أو مادة وصورة هو الذي جعل حقيقة الزواج متأسّسة على بُعدين: مادّي جسدي يتّصل بالجنس، ومعنويّ روحيّ يتصل بالحب،
الزواج إذًا: ظاهرة نفسية ذات صبغة اجتماعية واضحة يزدوج فيها ما هو مادي وما هو روحي لتحقيق التّسامي الذي يكون فيه تضحية بالأنانية وانفتاح على الآخر، بحيث يسند كل واحد على الآخر ويظلله ويحيطه بالعطف والعناية والمدد.[٣]
الزواج في الفقه العام هو النكاح، ويعني الضم والجمع لغة وإباحة الاستمتاع بالمرأة، بالوطء والمباشرة وغير ذلك، إذا كانت المرأة غير مَحْرم بنسب أو رضاع أو صهر شرعًا.[٤]
مفهوم الإيجاب والقبول في الزواج
هل الإيجاب والقبول من أركان العقد في الزواج؟
الإيجاب والقبول من أركان صيغة عقد الزواج، وهما من التعبيرات اللفظية التي ينطق بها الزوجان فيعربان من خلالها عن إرادتهما العيش المشترك معًا، ومقتضى ذلك أنّ ما في باطن الإنسان من الإرادة والرضا خفي غائب عن الحس فيحتاج إلى بيان وإظهار يسمح باطلاع البشرعليه، الأمرالذي يلزم معه أن يصدرعن كل من الزوجين الفقهي ما يدل على قبوله بالعقد وموافقته عليه، حتى يثبت في ذمة الواحد منهما ما ألزم به نفسه تجاه الآخ، ويمكن أن يكون الإيجاب والقبول بنحو النيابة كأن يوكل أحدهما أو كلاهما غيره في إنجاز إرادته وإشهارها وتفعيل الزواج.[٥]
ألفاظ الإيجاب والقبول ينبغي أن تكون صريحة في الدلالة على النكاح في الإيجاب وفي الدلالة على الرضا والقبول في القبول، ويتم إخراجها بصيغة الماضي وفاقًا لما يدعمه العرف أوالقرائن من قبيل أنكحت، زوجت، وهبت، ملكت..إلخ، والقبول نحو: قبلت، رضيت، وافقت، أجزت، نفذت، أمضيت..إلخ.[٥]
شروط الزواج
هل الإحصان من شروط الزواج؟
إن للزواج شوط عدة منها التراضي، والولي، والشاهدان، والمهر، والإحصان، والكفاءة، والصيغة، ولكل شرط تفصيله فيما يأتي:
- التراضي: هو شرط أساسي من شروط الزواج؛ لأنّ الإكراه مُخالف لمقصد الزواج، وهو اختيار طرفي الزواج الحياة المشتركة بينهما والعيش بمودة ورحمة كما أمر الله عز وجل.[٦]
- الولي: وهو شرط لانعقاد الزواج استنادًا إلى حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي" وإن كان هذا الشرط غير مطرد بين الفقهاء، إذ إنّ أبا حنيفة لا يعده، والإمام مالك يراه شرطًا في زواج الرفيقة "ذات الشرف والمنصب دون الوضيعة التي هي من سقط الناس وضعفهم".[٦]
- الشاهدان: ويعدّ هذا الشرط من الشروط المهمة، والتي يُراد فيها الإشهار والابتعاد عن الشبهات، والشاهدان إنّما طلبًا في باب النكاح لدفع تهمة الزنا[٧]، والزواج من دون شهود، رجلين أو رجل وامرأتين يصبح كأنه زواج سر لا يجوز.[٨]
- المهر "الصداق": وهو نوع من الهدية للمرأة واحتفال بصحبتها وهو شرط في صحة عقد النكاح حقٌّ للمرأة يمكنها إذا أرادت التّنازل عنه، وقد نهى الإسلام عن المغالاة في المهور، وسُمّي صداقًا لأنّه يشعر بصدق رغبة الزوج في الزوجة.[٩]
- الإحصان: وهو صفة يتقرر بها عفة وفضل الشريك، لذلك كانت الحرية والبلوغ والعقل من شروطه، وسُمّيت المرأة محصنة كأنّ بينها وبين الفاحشة حصنًا من الزواج.[١٠]
- الكفاءة: الكفاءة في الزواج وتعني المساواة والمماثلة، وأن يكون الزوج كُفئًا لزوجته ومساويًا لها في المنزلة وفي المركز الاجتماعي، وفي المستوى الخلقي والمالي، فكلما تساوى الزوجان في المرتبة كلما كان ذلك أدعى لنجاحهما وبعدهما عن الفشل والإخفاق.[١١]
- الصيغة: أي صيغة الإيجاب والقبول وما تعبر عنه من طلب وقبول، تتعدّد أنواع شروط الزواج من شروط انعقاد إلى شروط صحة ونفاذ ولزوم، وشروط سماع الدعوى، وشروط تسجيل الزواج في الوثيقة الرسمية وما إلى ذلك، ويمكن الرجوع إلى ذلك كله في أحكام الأحوال المدنية.[١٢]
أشكال الزواج
ما الصور التي يتفرع عنها الزواج؟
لما كان الزواج علاقة بين الرجل والمرأة تأخذ صفة الديمومة والاستمرارالملازمين لتشكيل أسرة معبرة بنحو مختصر عن المجتمع الكبير فإنه سيتأثر بصورة المجتمع، ولا شكّ يصطبغ بصبغة المؤثرات الفاعلة فيه، وأوّل تقسيم يمكن طرحه هو تقسيم الزواج إلى:[١٣]
- الزواج المدني: وهو زواج يجري وفق أحكام الدولة وقوانينها التي لم يرتبها الدين وإنّما رتّبتها دواعي الحياة وضروراتها، وعلامته أن يتم تسجيله في المحكمة المدنية.
- الزواج الديني: وهو زواج يجري وفق أحكام الدين ترسمه التعاليم الدينية وفق إرادة الله وسُنّته في تدبير حياة الإنسان، ويتفرّع عن هذين النوعين من الزواج أنواع أخرى مثل:
- زواج الأقارب: يجرى بمقتضى علاقات الأقرباء ببعضهم تنفيذًا لمصالح تتجاوز الشريكين أحيانًا وترتبط بأهلهما لتحقيق أهداف أوسع أو أبعد ممّا يُحقّقه الزواج الطبيعي من تلقاء نفسه.
- الزواج التقليدي : وهو مُشابه لزواج الأقرباء، يعتمد العلاقات الاجتماعية التي تتدخل في خيارات الشريكين وترتب أمر اجتماعهما معا تحت مُسمّى الزواج.
هناك أقسام للزواج تأخذ طبيعتها من الغاية التي يستهدفها أو السبب الذي أنشأه مثل:[١٣]
- زواج الحب: وهو زواج ينشأ بسبب الإعجاب والعاطفة بين الشريكين، فيأتي استجابة لرغبتهما المشتركة في أن يعيشا معًا ويُحقّقا حلمهما بالسعادة والتعاون.
- زواج المصلحة: وهو زواج يخضع لاعتبارات المصلحة المادية أو الاجتماعية يخضع بموجبه الطرفان نفسيهما إلى منفعة تستتبع الزواج وتجعل منه مجرد وسيلة إليها.
هناك أنواع من الزواج اشتقت من الزواج الديني مثل:[١٣]
- زواج المتعة: وهو زواج يلتزم بصيغة الإيجاب والقبول الشرعية بين طرفين يُريدان تبادل المتعة من دون الاستمرارية على نحو مؤقت، ويكون لهما الحرية في كتابة الشروط التي يريدانها
- الزواج العرفي: وهو زواج يتم إنجازه من خلال ورقة لا تُسجّل في المحكمة فتحفظ بذلك للزوجة حقوقها، أي هو زواج ناقص قانونيًا ممّا يؤدي لضياع حق المرأة وغالبًا لا يكون فيه إشهار.
- زواج المسيار: يتمّ بصورة مُستوفية للشروط التي تجعل الزواج صحيحًا شرعيًا، لكن فيه المرأة تتنازل عن بعض حقوقها المشروعة كزوجة وبعض المكاسب كالسكن والنفقة.
هناك تقسيمات للزواج وفقًا للشروط والأركان واللزوم والنفاذ مثل:[١٣]
- الزواج اللازم: وهو زواج استوفى شروط الزواج الشرعية.
- الزواج غير اللازم: أخل بمقتضى اللزوم.
- الزواج الموقوف: وهو زواج أخل بمقتضى النفاذ.
- الزواج الباطل: وفيه خلاف هل أخل بمقتضى الانعقاد أم بمقتضى الصحة.
- الزواج الفاسد: أخل بمقتضى الصحة.
أهمية الزواج
من أين يستمد الزواج قيمته وكرامته؟
- الشراكة: وهو إكمال الإنسان للوصاية الشرعية، وكذلك هو التعبير الحي عن التعاون والألفة والرحمة وهو التجسيد الحي للحب والعشق والعاطفة المنتجة.[١٣]
- تكوين الأسرة: ويعدّ مبدأ تكوين الأسرة من ضروريّات الزواج، وأيضًا هو منشأ المجتمع المتماسك الذي لولا الزواج لما كان ولما وُضعت القوانين الاجتماعية.[١٣]
- استمرارية النسل: ويعني الحفاظ على الجنس البشري والنوع البشري، وهو فوق ذلك كله سبيل الإنسان إلى أن يبقى، ويستمر ويترك أثرًا حيًا مباركًا من خلال العمل.[١٣]
- درء المحرّمات: يستمد الزواج أهميته وقيمته وكرامته من الإنسان، فهو الباب الشرعي والقانوني لإدخاله إلى حضرة الوجود، كما أنّه يدرء الإنسان عن المعصية وارتكاب الحرام كالزنا، لما يحتاجه الإنسان من حاجات فيزيولوجية.[١٣]
لقراءة المزيد، انظر هنا: فوائد الزواج.
المراجع
- ↑ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، صفحة 35، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، صفحة 385. بتصرّف.
- ↑ زكريا ابراهيم، الزواج والاستقرار النفسي، صفحة 14-15. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 6513، جزء 9. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو مالك كمال بن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 132، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الرحمن بن اليوسف، الزواج في ظل الاسلام، صفحة 74. بتصرّف.
- ↑ علاء الدين الكاسني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، صفحة 271. بتصرّف.
- ↑ فيصل بن عبد العزيزالحريملي النجدي، بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار، صفحة 220. بتصرّف.
- ↑ أبو مالك كمال بن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 160، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 55. بتصرّف.
- ↑ سيد سابق، فقه السنة، صفحة 142. بتصرّف.
- ↑ عبد الوهاب خلاف، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، صفحة 5. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، صفحة 6587، جزء 9. بتصرّف.