محتويات
تعريف الشرك
لكلمة الشرك معنى ً في اللغة، وآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيانه:[١]
- المعنى اللغوي
الشرك من المشاركة، حين يكون أمرٌ بين اثنين فهم فيه شركاء، وهذا يكون في الأرض والتجارة وغيرها، وكل واحد منهما يكون شريك للآخر في كل الأمر أو في جزء منهم.
- المعنى الاصطلاحي
هو أن تعطي ما هو خالص لله -تعالى- للمخلوق، كأن تعطي الألوهية أو الربوبية أو صفات الله -تعالى- وأسمائه الحسنى للمخلوقات، فعندها يكون العبد قد أشرك مع الله مخلوقاً من مخلوقاته جل وعلا.[٢]
وهو في قوله -صلى الله عليه وسلم- حين سأله عبد الله بن مسعود: أي الذنب أعظم؟ فقال -صلى الله عيله وسلم-: (أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ)،[٣] فإذا جعل العبد لله نداً في ألوهيته أو في ربوبيته أو في أسمائه وصفاته فقد أشرك.
أنواع الشرك
يقسّم الشرك إلى قسمين اثنين، ولكل قسم تعريفه وحكمه، فالشرك الأكبر؛ حين يجعل المكلّف إلهاً آخر يتقرب إليه بالعبادات التي لا يستحقها إلا الله -تعالى-، والشرك الأصغر؛ حين يكون العبد موحداً إلا أنه قد يصدر منه بعض التصرفات التي تخدش بإخلاصه لله -تعالى-، ويتضح كلاً من القسمين من خلال بيانهما معاً فيما يأتي:
الشرك الأكبر
الشرك الأكبر هو أن يقوم المكلّف بصرف ما هو حق لله -تعالى- إلى غيره، كحقّه في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، فيعتقد المكلف أن هناك إلهٌ آخر يستحق أن يتقرب إليه بأي نوع من أنواع العبادات؛ القلبية أو القولية أو الفعلية.[٤]
إذاً فصاحب الشرك الأكبر يعتقد وجود إلهٍ ثانٍ يستحقّ أن يُعبد، والحكم الشرعي لمن وقع في الشرك الأكبر هو الخروج من ملّة الإسلام، وفي الآخرة يخلد في النار إذا لم يتب منه في الدنيا.[٤]
ودليل حرمة الشرك الأكبر قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)،[٥] وقال -تعالى-: (وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا)،[٦] ومن الآيات السابقة يتضح أنه لا يعد من أمّة الإسلام من قدم العبادات لغير الله -تعالى-.
أنواع الشرك الأكبر
إنّ للشرك الأكبر عدة أنواع، منها الشرك الظاهر؛ كمن يذبح وينذر ويسجد لغير الله -تعالى-، ومنها الشرك الخفيّ؛ وهذا لا يظهر على المكلّف؛ مثل من يتوكل على العبد فيما لا يقدر عليه إلا الله -تعالى-،[٧] وأنواع الشرك الأكبر كثيرة ومتعددة ومنها:
- دعاء غير الله -تعالى-
وذلك بأن يطلب الإنسان من غير الله حاجته التي لا يقدر عليها إلا الله -تعالى-، أو أن يتوجه ويتذلل بدعائه لغير الله -تعالى- فقد قال -تعالى-: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ).[٨]
- شرك الخوف
أي أن يخاف العبد من المخلوقات كما يخاف من الله، كأن يخاف العبد خوفاً يعظم به إنس أو جن أو صنم،[٩] فمن خاف من المخلوق كما يخاف من الله فقد أشرك شركاً أكبر، قال -تعالى-: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)،[١٠] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ).[١١]
- شرك المحبة
وهي أن يحب الإنسان غير الله محبة فيها الذل والخضوع للمحبوب،[١٢] كمن يحبّ أبناءه لدرجة أن يعمل الحرام ويجمع المال المحرم ليسعدهم، قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ).[١٣]
الشرك الأصغر
صاحب هذا الشرك مؤمن بالله -تعالى- وموحدٌ له، إلا أنه قد جاء بما يخدش إخلاصه، كمن يصلّي لله -تعالى-، إلا أنه طمعاً بثناء المصلّين أخذ يطيل السجود والركوع ويحسن من صلاته طلباً لإعجاب المصلين بعباداته، وهذا يعبد الله إلا أنه يحب ثناء الآخرين ويحرص عليه، فأنقص من أجره بقدر تعلق قلبه بالمدح والثناء منهم.[١٤]
والشرك الأصغر حكمه أنه من أكبر الكبائر، كمن يحلف بغير الله -تعالى-،[١٥] ولكنه لا يعد ناقضاً من نواقض الإسلام ولا هدما لركن من أركانه،[١٤] قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ الرياءُ).[١٦]
أنواع الشرك الأصغر
إنّ للشرك الأصغر أنواعاً عديدة منها:
- الحلف بغير الله
لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقَدْ أشرَكَ).[١٧][١٨]
- قول ما شاء الله وفلان
قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقولوا: ما شاء اللهُ وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء اللهُ، ثم شاء فلانٌ).[١٩][٢٠]
- الرياء اليسير
وهو أن يفعل العبد الطاعة ويتقنها قاصداً أن يراه الناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ الرياءُ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جزى الناسُ بأعمالِهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندَهم جزاءً).[٢١]
ولا بدّ من الإشارة أن في بعض الحالات قد يتحول الشرك الأصغر إلى شرك أكبر، ومثال ذلك: من علّق تميمةً ظاناً أنها تحميه بإذن الله؛ فهذا شرك أصغر لأنه جعل التميمة سبباً شرعياً مع أنّه لم ينص عليه الشرع، وهي لا تنفع أو تضر، وتعليق التميمة قد تصبح شركاً أكبر إذا ظن من علّقها أنها تنفعه وتضره كما ينفعه الله -تعالى- ويقدَر عليه الضر.
مظاهر الشرك بالله
ظهر الشرك الأصغر أو الأكبر بعدّة مظاهر في البلاد الإسلامية، وقد يخفى على البعض أن هذا من الشرك، ومن مظاهر الشرك:[٢٢]
- الطواف بالقبور ودعاء من فيها من الأموات.
- السحر والاستعانة بالسَّحرة والكهنة لظنّهم الفاسد بأنهم يعرفون الغيب.
- تعليق التمائم لظنّهم الفاسد أنها تنفع وتضر من دون الله -تعالى-.
الفرق بين الشرك والكفر
إنّ بين الكلمتين تداخل في بعض صورها، إلا أن الكفر مصطلح أوسع؛ فالإنسان قد يكون كافراً ولكنه لا يشرك بالله أحداً،[٢٣] ومثال ذلك:[٢٣]
- الإنسان الذي يعبد الله -تعالى- ولكنه سبَّ الله ورسوله، فهذا لا يوجد عنده إله آخر مع الله ولا يشرك به، إلا أنه كفر بسبه لله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
- من يمزق المصحف ويرميه في القاذورات مع أنه قد لا يكون يشرك بالله.
- من حلف بغير الله -تعالى- فهذا شرك أصغر إلا أن صاحبه عاصٍ وغير كافر، لأن الشرك الأصغر لا يخرج مَن ارتكبه من الإسلام.
المراجع
- ↑ الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، صفحة 293. بتصرّف.
- ↑ صالح الفوزان، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:6811، صحيح.
- ^ أ ب صالح الفوزان، عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر والتعطيل والبدع وغير ذلك، صفحة 77. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:116
- ↑ سورة الإسراء ، آية:39
- ↑ صالح الفوزان، عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر والتعطيل والبدع وغير ذلك، صفحة 77. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس ، آية:106
- ↑ صالح الفوزان، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صفحة 66. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:102
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس ، الصفحة أو الرقم:2516، صحيح.
- ↑ صالح الفوزان، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صفحة 74. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:165
- ^ أ ب عبد العزيز الراجحي، دروس في العقيدة، صفحة 16. بتصرّف.
- ↑ صالح الفوزان، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صفحة 119. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزيادته، عن محمود بن لبيد الأنصاري، الصفحة أو الرقم:1555، صحيح.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن عبد الله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:6204، صحيح.
- ↑ صالح الفوزان، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صفحة 119. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:4980، صحيح.
- ↑ ابن باز، الدروس المهمة لعامة الأمة، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن محمود بن لبيد الأنصاري، الصفحة أو الرقم:1555، صحيح.
- ↑ تامر محمد محمود متولي، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة، صفحة 520. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الله بن محمد الغنيمان، شرح فتح المجيد، صفحة 82. بتصرّف.