ما هو القرين

ما هو القرين؟

القرن في اللغة هو الجمع بين شيئين، فاقترن الشيء بشي آخر يعني صاحبه، فالقرين إذًا هو الصَّاحب،^[١] والقرين اصطلاحًا هو الشيطان الذي يسلَّطه الله -تعالى- على ابن آدم فيوسوس له بالمنكرات من الأمور، قال تعالى في سورة البقرة: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ}،^[٢][٣] والقرين لا يختصّ بكونه من الشياطين فقط، بل هنالك قرين آخر من الملائكة يكون عونًا للعبد على الطاعات.^[٤]

وقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرين من الشياطين في حديث يرويه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إذ قال: "ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ قالوا: وإيَّاكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ".^[٥][٦]

القرين من الجن

ما هي وظيفة القرين من الجن؟

لمَّا أخرج الله -تعالى- إبليس من الجنة وطرد من رحمته، طلب إبليس من ربه أن يُسلطه على ابن آدم، فسلَّط الله إبليس وذريَّته على الإنسان، فلا يولد ولد من ابن آدم إلا ويكون له قرين من الجن، ووظيفة ذلك الجني هي أن يوسوس له بترك الطاعات واقتراف المنكرات، قال تعالى في سورة الإسراء: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}،^[٧][٦] إلا من كان قلبه صادقًا بالإيمان عامرًا بذكر ربه فإنه ليس له عليه سلطان، قال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.^[٨][٣]

القرين من الملائكة

ما هي وظيفة القرين من الملائكة؟

كما يكون مع الإنسان قرين من الجن يأمره بالفواحش والمعاصي، يكون معه قرين من الملائكة فيشعر الإنسان بتدافع القرينان في كثير من المواقف التي يتعرّض لها ويدعوه الشيطان إلى ارتكاب المعصية فيها، ووظيفة قرين الملائكة هي التذكير بالخير وتقوى الله تعالى وتحريك لواعج الإيمان في نفس المسلم، والنّدم على المعصية والتحسر من فعلها ليس إلا بدافع من القرين الملك الذي سخره الله لابن آدم.^[٤]

إحضار القرين: حقيقة أم خرافة؟

قد يزعم بعض النَّاس من السحرة والمشعوذين أو غيرم أنهم يستطيعون استدعاء القرين من الجن، وهذا غير صحصح وغير وارد في الشريعة الإسلاميَّة أو في الواقع؛ وذلك لأن القرين من الجن لا يُستدعى؛ فهو يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، ولو ادَّعى أحدهم أنَّه استطاع إحضار القرين من الجن بمجموعة من الكلمات التي يقرؤها -وهي ليست من القرآن والسنة- فإنَّه يكون قد استدعى شيطانًا واستغاث بملوك الجن ليبعثوا له بمن يعينه، ولكنَّ ذلك الشيطان ليس هو القرين؛ لأن القرين الجني لا يُستدعى.^[٩]

ومن يقدم على هذه الأفعال ولو كان غير عالم بحقيقتها إلا أنَّه قد وقع في السحر والدَّجل واستغاث بغير الله -تعالى- وقد يكون استغاث بجني ظالم يبطش به ويلحق به الأذى والإعاقات، وكذلك يقع الحكم على فاعل تلك الأمور بالكفر؛ لأنَّ الساحر كافر كما ورد ذلك عنه عليه الصلاة والسلام.^[٩]

سحر القرين: حقيقة أم خرافة؟

زعم بعض النَّاس أنّه من الممكن سحر القرين الجني، ولكنَّ ذلك الأمر هو خرافة ولم يقف عليه أهل العلم والفقهاء، وقد يزعمون أنَّه بسحر القرين الجني فإنه يصبح من الممكن أن تُسلَّط الأمراض على ابن آدم والأسقام، والأحوط للمسلم أن يكون متمسكًا بكتاب الله، ويُعوذ نفسه دائمًا بالأوراد الإسلامية والرقية الشرعية المذكورة في الكتاب والسنة، وقد قال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.^[١٠][١١]

هل القرين يعلم ما في النفس؟

القرين الجني يكون مع ابن آدم فيجيري منه مجرى الدَّم، ولكنَّه مع ذلك لا يستطيع معرفة ما في نفس صاحبه أو ما يجول في خاطره؛ لأنَّ ذلك من الأمور الغيبيَّة التي لا يمكن أن يعرفها إلا الله تعالى،^[١٢] ولكن قد يعلم القرين الجني ما تهواه نفس صاحبه من الشهوات والمنكرات وكذلك فإنه يعلم ما يحدث به نفسه من الأمور السيئة فيعمل على تزيينها له وتقريبها من نفسه.^[١٣]

هل يمكن لقرين الإنسان بأن يطلعه على الغيب؟

الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا يطّلع عليه أحد، ولكن قد يوقع القرين الجني في نفس صاحبه خبرًا من الأخبار المستقبلية، ويكون ذلك القرين قد أخذ الخبر من شيطانٍ ما كما ذكر السدي في ذلك: "للإنسان شيطان وللجن شيطان فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن فيوحي بعضهم إلى بعض".^[١٤]

ولكن مع ذلك فإنه قد يُلقي الله شيئًا في قلب الإنسان سواء عن طريق الإلهام أو التحديث، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّه قدْ كانَ فِيما مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وإنَّه إنْ كانَ في أُمَّتي هذِه منهمْ فإنَّه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ"،^[١٥] فإذا وقع في قلب الإنسان شيء من الإلهام فليعلم أنّ ذلك من الله تعالى، والله أعلم.^[١٤]

وقد يغتر كثير من النَّاس بالأشخاص الذين يذكرون لهم شيئًا من الغيب، إلا أنَّ ذلك لا يدل على صلاح العبد ورفعة شأنه، بل لا بدَّ من عرضه على كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه لتُرى استقامته، وقد ذكر في ذلك الشافعي رحمه الله: "إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة".^[١٤]

هل القرين يرافق الإنسان حتى موته؟

يلازم قرين الجن الإنسان في أكثر أوقاته ولا يفارقه ويطلع على صغائر أموره إلى أن يموت الإنسان ويفارق دنياه،^[١٦] وأمَّا عن مصير القرين والملائكة الكتبة بعد موت الإنسان فلا يعلم ذلك إلا الله وحده؛ لأنَّ ذلك من الأمور المتعلقة بالغيبيات والتي لا يُجزَمُ بها إلا بوحيٍ من الله تبارك وتعالى،^[١٧] وقد يظن بعضهم أنَّ القرين الجني يدخل إلى القبر مع صاحبه، والظاهر أنَّه لا يدخل إلى قبره بل يفارقه؛ لأنَّ مهمته في الوسوسة له قد انتهت،^[٣] وربما قد يُكلف بالوسوسة لشخصٍ آخر ولكن يبقى ذلك كلّه احتمالات لا يوجد نص يثبتها أو ينفيها، فالله أعلم.^[١٨]

المراجع

1. ↑ ابن منظور، لسان العرب، صفحة 336. بتصرّف.
2. ↑ سورة البقرة، آية:268
3. ^ ^{أ ب ت} ابن العثيمين، كتاب فتاوى نور على الدرب للعثيمين، صفحة 2. بتصرّف.
4. ^ ^{أ ب} حسن أبو الأشبال الزهيري، كتاب شرح صحيح مسلم، صفحة 16. بتصرّف.
5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2814، حديث صحيح.
6. ^ ^{أ ب} حسن أبو الأشبال الزهيري، شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة، صفحة 13. بتصرّف.
7. ↑ سورة الإسراء، آية:64
8. ↑ سورة الأعراف، آية:200
9. ^ ^{أ ب} "تتبع طرق إحضار القرين.. والحالة التي أصابتني بعدها"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
10. ↑ سورة الإسراء، آية:82
11. ↑ "هل هناك ما يعرف بسحر القرين"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020.
12. ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4306. بتصرّف.
13. ↑ ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث، صفحة 163. بتصرّف.
14. ^ ^{أ ب ت} "هل القرين يمكن أن يطلع قرينه على الغيب"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
15. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3469، حديث صحيح.
16. ↑ "هل يمكن للجن أن يعرف ما يدور في النفس"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
17. ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4328. بتصرّف.
18. ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4328. بتصرّف.