الطهارة
اتسمَ الدينُ الإسلاميُّ بالنظافةِ والطهارةِ، وعملَ الإسلامُ على تأسيسِ الشخصيةِ الإسلاميةِ، التي تحرصُ على النظافةِ والتطهرِ، والعنايةِ بالمظهرِ الحسنِ من نظافةٍ شخصيةٍ، وغيرها، فأمرَ بالتَطيب، وبأخذِ الزينةِ، وجاءَ بأحكامٍ تفصيليةٍ للطهارةِ، بدءًا بالفرد، ونهايةً بالمجتمع، ليكون المجتمعُ الإسلاميّ قدوةً لغيرهِ في النظافةِ، والحُسن، ولعل أبرز ما يميز الشعائر التي تختصُ بالنظافةِ، هي أنها تقومُ على أساسٍ إسلاميٍّ، يدور بينَ الثوابِ والعقاب، وبينت كُتب الفقهِ أحكامَ الطهارةِ، والوضوء، والغُسل، حتى أنها بينت ما يسبقُ ذلك من الطهارةِ؛ وهو الاستنجاء، ولأهميةِ هذا الأمر في حياةِ المسلم فإن أغلب الكُتب الفقهيةِ بدأت بمبحثِ الطهارةِ، فتحدثت عن الدبغِ والسواك، وعن الغُسل الواجب والمسنون، والمسح على الخُفين، والجبيرة، والتيمم، وبينت أحكام الطهارة للمرأة، وبينت أحكام الماء، بما في ذلك الماء المستعمل.[١]
الماء المستعمل
يُعرفُ الماء المُستعمل بأنهُ الماء الذي اغتسلَ بهِ الإنسان، أو توضأ بهِ، وهو الماء الذي يسقطُ عن الأعضاءِ بعدَ غسلِها، ولا يُقصدُ به الماء الذي يغترِفُ منه الإنسان، ويكونُ في الإناء، ومثالُهُ لو أن أحدهم اغتسلَ من جنابةٍ في ماءٍ بحوض استحمام ممتلئ، وأرادَ أن يغتسل في نفسِ الماءِ مجددًا، أو كمن توضأ وجمعَ ماء الوضوءِ في إناءٍ، وأرادَ الوضوءَ بها مرةً أُخرى، ولهذا سيأتي بيان حُكم الماء المستعمل ما إذا كانت تصح بهِ الطهارةُ أم لا تصح وفي ذلك أقوالٌ للعُلماءِ، وهي ما يأتي:[٢]
- جمهور العلماء: قالوا بأنّ الماء المستعمل في رفعِ الحدثِ هو ماءٌ طاهرٌ بنفسهِ، وليسَ مُطهرًا، فلا يصح رفعُ الحدثِ فيهِ، ولا إزالة النجاسة، ودليلهم على ذلك، قول رسول الله : "لا يَغْتَسِلْ أحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ وهو جُنُبٌ. فَقالَ: كيفَ يَفْعَلُ يا أبا هُرَيْرَةَ؟ قالَ: يَتَناوَلُهُ تَناوُلًا"،[٣] ووجهوا هذا الدليل بأنَّ رسول الله نهى عن الاغتسالِ في الماء الراكد، لكيلا يُفسد هذا الماء، ويصيرُ مستعملًا، ولا يستطيع غيرهُ الاغتسال منه، والصحيح أن يتناول من هذا الماء، من غيرِ استخدامهِ كُلهِ، وكذلك الوضوء منه، فلا يصح الانغماسُ فيه حتى لا يصيرُ مستعملًا، ورأى بعضُ العلماء أن هذا الدليل لا يصحُ الاستدلال فيه على الماء المستعمل، ووجهوا قول رسول الله، بأن ما يقتضيهٌ هو النهي عن الاغتسال في الماء الدائم، بسبب قذارتِهِ، وليسَ لنجاستِهِ، وقال النووي: "وَأَقْرَبُ شَيْءٍ يُحْتَجُّ بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ رضي الله عنهم احْتَاجُوا فِي مَوَاطِنَ مِنْ أَسْفَارِهِمْ الْكَثِيرَةِ إلَى الْمَاءِ، وَلَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ لِاسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنْ قِيلَ: تَرَكُوا الْجَمْعَ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَمَّعُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يُسَلَّم، وَإِنْ سُلِّمَ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يُسَلَّمْ فِي الْغُسْلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَمْعِهِ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ وَالطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالتَّبَرُّدِ وَنَحْوِهَا مَعَ جَوَازِهَا بِهِ بِالِاتِّفَاقِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ تَرْكَ جَمْعِهِ لِلشُّرْبِ وَنَحْوِهِ لِلِاسْتِقْذَارِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا ... وَأَمَّا الطَّهَارَةُ بِهِ ثَانِيَةً فَلَيْسَ فِيهَا اسْتِقْذَارٌ، فَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ".
- المالكية والظاهرية: قالوا بأن الماء المستعمل في رفعِ الحدثِ، الأكبر والأصغر كذلك، يبقى طاهرًا، ويجوزُ استعمالِهِ في الطهارةِ ورفعِ الحدث، وإزالةِ النجاسةِ، مُستدلين بقول رسول الله: "إنَّ الماءَ طهورٌ لا يُنجِّسُهُ شيءٌ"،[٤] وهو يدلُ على أن المياه مهما كانت هي ماءٌ طاهرةٌ، إلا إذا تغيرت بنجاسة، ولأن الأصل هو بقاءُ الشيئ على ما هو عليه، وأصلُ الماءِ طاهرًا، ولا يوجدُ دليلٌ على أنّ الماء المستعمل مستثنى من هذا، فيبقى على أصلِهِ، وهو الطهارة، واختارَ هذا القول كثيرٌ من العلماء.
والماء المستعمل في طهارةٍ مستحبةٍ، كتجديدِ الوضوء مثلًا، هو ماءٌ طهورٌ، وهو مذهبُ الجمهور، مستدلين بعموم الأدلةِ التي تدلُ على طهوريةِ الماء، والإجماع على أن ما تبقى من قطراتٍ ماءٍ على أعضاء المتوضي، والمغتسل، هي طاهرة، ولا دليلَ على المنعِ من استخدامها في الطهارةِ، فتبقى على حلّها، وجوازِ التطهرِ بها، والماء المستعمل في التبرُّدِ والنَّظافةِ؛ هو ماءٌ طهورٌ، وهو ما اختارَهُ الجمهورِ، وكذلك الماءُ المستعمَل بغَمسِ يَدِ القائِمِ مِنَ النَّومِ، فمذهب الجمهور على أنه ماءٌ طهورٌ، وأما الماءُ المستعمَلُ في إزالة النَّجاسة، فإن كانَ قد تغَيَّرت أحد أوصافِهِ، فهو ماءٌ نجس، وأما الماءُ المستعمَلُ في إزالةِ النَّجاسةِ ولم يتغَيَّر أحدُ أوصافه، فقال المالكية وقولٌ للشافعية، بأنه ماءٌ طاهر، مستدلين بالآيات التي تدل على طهوريةِ الماء، وحديث الماء طهور الذي سبقَ ذكره، فلا يُستثنى إلا بدليلٍ على ذلك، أو وجودِ أمرٍ محسوس، كتغيرِ أحدِ صفاتِهِ.[٥]
أقسام المياه
حرصت الشريعةُ على الطهارة، لما ينبني عليها من عباداتٍ، وإن كانت العبادةُ على غيرِ طهارةٍ، لم تصح، فجاءَ بيان كل ما يتعلق بالطهارة، وبحثِهِ بدقةٍ، ومنه ما تم بيانه مثل الطهارة بالماء المستعمل، وبعد بيان حُكم الماء المستعمل وبيان أقسامه، سيأتي بيان أقسام الماء، من حيث طهارتها، فقد قسمها العلماء إلى ثلاثةِ أقسامٍ، وهي ما يأتي:[٦]
- الماء المطلق: هو الماء الذي لم يُقيد، ولم يوصف بوصفٍ، ولم يتغير لونه، أو طعمه أو رائحته، وحُكمه أنه ماءٌ طاهرٌ بنفسهِ، مطهرٌ لغيرهِ، ومثاله ماء البحرِ، وماء المطر، وماء الثلج، وينابيع الأرضِ، وماء زمزم.
- ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه: وهو ما خالَطه شيئٌ كالزيتِ، والعطر، وماء الورد، وماء الزهر، والماء المخلوط بأوراق الشجر، أو أوراق السدر[٧]، فهو طاهرٌ في نفسهِ، واختلف العلماءُ إن كانَ مُطهرًا لغيرِهِ.
- الماء المتنجس: وهو ما خالطَتهُ نجاسة، أدت إلى تغير أحدِ صفاتِهِ، وحكمهُ أنه ماءٌ نجس، لا يجوز استخدامه في الطهارةِ بجميعِ أنواعِها، ولا يصح استعماله في غير التطهر، كالشرب منه مثلًا، أو الطبخِ، أو التنظيف، وغيره.
المراجع
- ↑ "أهمية الطهارة والنظافة في الإسلام"، www.alukah.net، 2020-05-12. بتصرّف.
- ↑ "هل تجوز الطهارة بالماء المستعمل ؟"، islamqa.info، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:283، حديث صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:66، حديث حسن.
- ↑ " الماءُ المستعمَل في رَفعِ الحدَث"، dorar.net، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "أقسام المياه وحكم كل قسم"، www.islamweb.net، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ " الماء الذي تحصل به الطهارة"، www.al-eman.com، 2020-05-13. بتصرّف.