ما هو صحيح ابن حبان

كتابة:
ما هو صحيح ابن حبان

كتب الحديث النبوي

إنّ كتب الحديث النبوي كثيرة ومتنوعة، وذلك باختلاف الغرض من التأليف والطريقة التي تمّ ترتيب الكتاب عليها، فالجوامع هي الكتب التي يجمع فيها المصنف الكثير من الموضوعات من فقهٍ وعقيدة وسيرٍ ومناقب ورقاق، والمسانيد هي الكتب المؤلفة لجمع مرويات الصحابة وتبويبها بأسمائهم، والسنن هي الكتب التي اهتمت بأحاديث الأحكام وجمعتها وبوّبتها على أبواب الفقه كالطهارة والصلاة والصيام، والمعاجم هي الكتب التي يقوم فيها المصنف بجمع الأحاديث التي أخذها عن شيوخه ويرتب أسماء الشيوخ على الحروف الهجائية، ومن أنواع الكتب الحديثية أيضًا العلل والمستدركات والمستخرجات والأطراف،[١] أمّا عن الصحاح فهي الكتب التي اشترط مصنفوها الصحة في الأحاديث التي يوردونها في كتبهم، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وممّن ألّف في الصحاح بالإضافة إلى البخاري ومسلم، ابن خزيمة والحاكم وابن حبّان وسيقوم هذا المقال بالتعريف بصحيح ابن حبّان.[٢]

ما هو صحيح ابن حبان

ابن حبّان هو أحد أئمة العلم، واسمه هو: محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان التميمي، أبو حاتم البُستي، ويُقال له ابن حِبّان اختصارًا، ولد ابن حبّان في مدينة بُست في إقليم سجستان سنة 273 للهجرة وقيل 270 للهجرة، وكان صاحب علم جم وجمع بين فنون عدّة فهو مؤرخ وجغرافي ومحدّث، وصاحب علم وتبحّر في الفقه واللغة العربية والنجوم والطب، كما عُرف ابن حبّان بكثرة تنقله طلبًا للعلم حيث رحل إلى مشارق الأرض ومغاربها طلبًا للعلم ورغبةً في تحصيله، وقد أثنى عليه العلماء وأشادوا بعلمه، وهو من المكثيرين في التصنيف وله مؤلفات كثيرة في علم الحديث والرجال ككتاب المجروحين وكتاب الثقات وكتاب العلل كما ألّف في الأدب كتابًا سمّاه روضة العقلاء وهو من المصنفين في الحديث النبوي.[٣]

وكتابه المؤلف في الحديث النبوي هو المعروف بصحيح ابن حبّان، وقد أطلق عليه اسم: "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، من غير وجود قطعٍ في سندها، ولا ثبوت جرح في ناقليها"، إلّا أنّ كتابه هذا اشتهر بين العلماء باسم: "التقاسيم والأنواع"، كما عُرف بين الناس باسم: "صحيح ابن حبان"،[٤] وقد علّق الشخ أحمد شاكر على صحيح ابن حبان فقال عنه أنّه كتابٌ نفيس وعظيم القدر والفائدة، حيث قام ابن حبّان بتحريره بدقّة وتجويده بفن وحقّق أسانيده ورجاله، وعلّل المتون والأسانيد التي تحتاج إلى تعليل، كما تحدّث الشيخ عن منهج ابن حبّان في التصحيح وقال بأنّه إن وجد أخطاء في كتابه فهو ممّا لا يسلم منه كتاب، وفيما يأتي بيانٌ لسبب تأليف ابن حبّان للصحيح وشروطه فيه وبيان لدعوى التساهل عند ابن حبّان:[٥]

سبب تأليف ابن حبان للصحيح

إنّ سبب تأليف ابن حبّان للصحيح قد ذكره في مقدمة صحيحه حيث قال بأنّه لما رأى اشتغال الناس بالموضوعات والمقلوبات وابتعادهم عن الأحاديث الصحيحة، وأنّ أصحاب السنن قد أكثروا من التكرار في كتبهم لجمع الطرق وبيان درجات الأحاديث واختلاف ألفاظها وقد أكبّ طلاب العلم على دراسة هذه السنن لما فيها من الفائدة ولسهولة حفظها، فهذه الأسباب جميعها قد جعلت ابن حبّان يضع شروطًا خاصّة ليقوم بتصنيف كتاب في الحديث الصحيح، وفي هذا السياق يقول ابن حبّان: "فتدبرت الصحاح لأسهّل حفظها على المتعلمين وأمعنت الفكر فيها لئلّا يصعب وعيها على المقتبسين فرأيتها تنقسم خمسة أقسام متساوية متفقة التقسيم غير متنافية"، فقد قام ابن حبّان بوضع الصحيح معتمدًا على هذه الأقسام الخمسة التي سيتم تفصيلها فيما يأتي من الفقرات.[٦]

شروط ابن حبان في الرواة

أورد ابن حبّان شروطه في رواة الأحاديث التي يضعها في صحيحه في مقدمة الصحيح، حيث وضع شروطًا خمسة يجب أن تجتمع في الراوي ليحتجّ بحديثه ويُخرّج له في صحيحه، أمّا إذا فقد الراوي شرطًا من هذه الشروط الآتي بيانها فإنّ ابن حبّان لم يحتجّ به كما قال:[٧]

  • العدالة في الدين بالستر الجميل، فالعدالة عند ابن حبّان تتحقّق عندما يكون الإنسان أكثر أحواله في الطاعات ولا تعني عدم حصول المعصية من الشخص ليكون عدلًا، لأنّ هذا الشرط لا يتحقّق فجميع الناس لديهم ذنوب ومعاصي.
  • الصدق في الحديث بالشهرة، أي أنّ الراوي يجب أن يكون مشهورًا بالصدق.
  • العقل بما يُحدّث من الحديث، أي أنّ الراوي يجب أن يعقِل ويفهم الحديث الذي يرويه.
  • العلم بما يُحيل من معاني ما يروي، أي يجب أن يكون الراوي عالمًا بمعاني ألفاظ الحديث ومدركًا لها.
  • المتعرى خبره عن التدليس، فابن حبّان يشترط أن لا يكون الراوي مدلّسًا حتى يروي عنه.

تساهل ابن حبان في التصحيح

ابن حبّان -رحمه الله- هو أحد الأئمة المحققين ولكنّ الشروط التي وضعها في اعتبار الراوي ثقة ربّما نزلت بعض الشيء عن الشروط المعتمدة لدى المحققين وهذا ما جعل بعض أهل العلماء يتكلّمون عن تساهله في توثيق الرجال وبالتالي يكون متساهلًا في تصحيح الأحاديث، ففي كتابه الثقات جمع أسماء الرواة الذين ترجّح لديه وثاقتهم، ولكنّ ابن عبد الهادي -رحمه الله- قد انتقد توثيقه هذا وقال معلقًّا على كتابه: "قد عُلم أنّ ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددًا كبيرًا، وخلقًا عظيمًا من المجهولين، الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرّح ابن حبّان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب، وقد ذكر ابن حبّان في هذا الكتاب خلقًا كثيرًا من هذا النمط، وطريقته فيه أنّه يذكر من لم يعرفه بجرح، وإن كان مجهولًا لم يعرف حاله، وينبغي أن يُنتبه لهذا ، ويُعرف أن توثيق ابن حبّان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب: من أدنى درجات التوثيق"، فابن حبّان يوثّق بعض الرواة مجهولي الحال كما ذكر بعض أهل العلم.[٤]

وعن تصحيحه للأحاديث التي أوردها في الصحيح، يقول الألباني رحمه الله: "لا أستطيع الاعتماد على مجرد تصحيح ابن حبّان للحديث، قبل الاطلاع على سنده ورواته، لما علمنا من تساهله في ذلك، حسبما نبّهنا عليه مرارًا في مناسباتٍ شتّى"، كما أنّ الحافظ العراقي قد ذكر في ألفيته المنظومة في علوم الحديث أنّ صحيح ابن حبّان يُداني مستدرك الحاكم، وقد شرح السخاوي عبارته بأنّ ابن حبّان يُقارب الحاكم في التساهل ولذلك فلا بدّ من النظر في أحاديثه لأنّه لا يتقيّد بالرواة المعروفين بالعدالة وإنّما قد يُخرّج للمجهولين ويُصحّح أحاديثهم.[٤]

الكتب التي تضمنها صحيح ابن حبان

لقد رتّب ابن حبّان كتابه ترتيبًا جديدًا حيث جعل السنن النبوية خمسة أنواع وقسّم الكتاب إلى هذه الأقسام الخمسة وتحت كل قسم يورد عددًا من الأبواب ربما يصل إلى 400 باب،[٨] وفي هذا السياق يقول الإمام السيوطي: "صحيح ابن حبان، ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد؛ ولهذا سمّاه: "التقاسيم والأنواع" وسببه أنّه كان عارفا بالكلام والنحو والفلسفة"،[٩] والأقسام الخمسة التي ذكرها ابن حبّان هي: الأوامر التي أمر الله عباده بها، والنواهي التي نهى الله عباده عنه، والأخبار التي يُحتاج إلى معرفتها، والإباحات التي أُبيح ارتكابها، والقسم الأخير هو أفعال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التي انفرد بفعلها،[٦] ولكنّ هذا الترتيب عسيرٌ على طلّاب العلم ممّا جعل بعض أهل العلم يقومون بإعادة ترتيب صحيح ابن حبّان على أبواب الفقه مثل كتب السنن ومنهم الأمير صلاح الدين الفارسي وسمّى كتابه: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان"،[١٠] وقال في مقدمته لهذا الكتاب أنّ هدفه هو تسهيل عملية الوصول لأحاديث الصحيح، وقد احتوى على كتاب الوحي وكتاب الإسراء وكتاب العلم وكتاب الإيمان وغير ذلك من الكتب الجامعة لعدد من الأحاديث النبوية كلٌّ في بابه وموضوعه.[١١]

المراجع

  1. "أنواع كتب الحديث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  2. "عدد الكتب الصحاح"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  3. "الإمام ابن حبان"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "التعريف بصحيح ابن حبان"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  5. "كتاب التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "صحيح ابن حبان - محققا"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  7. "صحيح ابن حبان - محققا"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  8. "كتاب: صحيح ابن حبان المسمى بـ المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  9. "كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  10. "المناهج الخاصّة للمحدّثين - منهج الإمام ابن حبّان"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  11. "صحيح ابن حبان - محققا"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
5219 مشاهدة
للأعلى للسفل
×