ما هو عذاب قوم صالح؟

كتابة:


عذاب قوم النبي صالح عليه السلام

أهلك الله -تعالى- ثمود قوم صالح -عليه السلام- بالصّيحة، فقد قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: "لم يعذب بعذاب واحد إلا قوم شعيب وصالح؛ فأمَّا قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب من فوقهم"،[١] وقد عبّر الله -سبحانه- عن عذاب قوم صالح بعدّة ألفاظٍ يدلّ بعضها على بعض، ومن الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدّث عن عذابهم:

  • الصيحة

قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ)،[٢] وقال: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ).[٣]


  • الرجفة

قال -تعالى-: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ).[٤]


  • صاعقة الهون

قال -تعالى-: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).[٥]


وهذا يدلّ على أنّ قوم صالح أخذتهم صيحةٌ شديدةٌ جداً، وكأنّها أحدثت انفجاراً من شدّة الصوت الذي رافقها، فأصبح قوم النبيّ صالح بعد ذلك كالزّرع الهشيم الذي جفّ مع الأيام، ولا تناقض بين ذكر الصيحة والرّجفة، فالثانية نتيجةٌ للأولى؛ أي إنّ شدّة الصيحة قد ولَّدت هذه الرجفة والهزّة الشديدة،[٦] وفي هذا العذاب إهانةً لهم بلا شك، لذلك وُصِف بصاعقة الهون.[٧]


وقد أنذرهم نبيّ الله صالح -عليه السلام- بعقاب الله -تعالى- لهم بعد ثلاثة أيام جزاءً لِما فعلوه، فقال لهم: (فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)،[٨] وأباد هذا العذاب الكفّار منهم عن آخرهم؛ أي أخذهم جميعاً، وظلّت ديارهم آثاراً باقيةً تُذكِّر الناس بعقاب الله لمن كذّب برسله واستعجل عقابه.[٩]


وقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يُسرع بالمشي في منطقة عذابهم، وهي الحجر، ويعظ أصحابه كلّما مرّوا منها، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (لَمَّا مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحِجْرِ قَالَ: لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ، أنْ يُصِيبَكُمْ ما أصَابَهُمْ، إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وأَسْرَعَ السَّيْرَ حتَّى أجَازَ الوَادِيَ).[١٠]


دعوة النبي صالح لقومه وسبب عذابهم

أرسل الله -تعالى- النبيّ صالح -عليه السلام- لقوم ثمود حتى يدعوهم إلى عبادته، وأيّده بما يدلّ على صدق نبوّته، ولكنّ قومه كفروا وتجبّروا فاستحقّوا العذاب والعقاب، ونوضّح ذلك فيما يأتي:


دعوة صالح عليه السلام لقومه

بعث الله -تعالى- صالح -عليه السلام- حتى يدعو قوم ثمود إلى عبادة الله -تعالى- وحده، وترْك عبادة غيره، قال -تعالى-: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)،[١١] وقد كانوا يسكنون في الحجر، وهي بين الشام والحجاز، وقد أيّده الله -تعالى- بمعجزةً تُظهر صدق دعوته ونبوّته وما أُرسِل به حتى تكون حجَّةً عليهم.[١٢]


وقد كانت هذه المعجزة هي النّاقة العظيمة التي يُقال إنّها خرجت بأمر الله -تعالى- من الهضبة أمامهم، حيث سأله قومه إيّاها وطلبوا منه ذلك، فكان، فطلب صالح -عليه السلام- بعد أن أقام الحجّة عليهم أن يرجعوا إلى خالقهم، وحذّرهم من إيذاء الناقة، قال -تعالى-: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).[١٣][١٢]


سبب عذاب قوم صالح عليه السلام

صحيحٌ أن صالح -عليه السلام- أقام الحجّة على قومه، وأجابهم لما طلبوه بأن أخرج لهم النّاقة بصورةٍ لا تدلّ إلا على أنّها معجزة من الله -تعالى-، ولكن هيهات! فقد استحبّوا الكفر على الهدى، وضلّوا عن سبيل الرّشاد،[١٤] وما آمن معه إلا قليل، فقال لهم الكفّار: (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ).[١٥][١٦]


وليس ذلك فحسب، بل فعلوا ما حذّرهم منه نبيّهم صالح بكلّ جرأة، فقتلوا الناقة، واستعجلوا عقاب الله -تعالى- لهم على سبيل الاستهزاء، قال -تعالى-: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)،[١٧] ثمّ تجبّروا وأفسدوا في الأرض، واستكبروا عن طاعة الله -تعالى-، فأنزل الله -تعالى- عليهم عقابه فأهلكهم ودمّرهم.[١٦]

المراجع

  1. أبو منصور الماتريدي، تفسير الماتريدي، صفحة 177، جزء 6. بتصرّف.
  2. سورة هود، آية:66-67
  3. سورة القمر، آية:31
  4. سورة العنكبوت، آية:37
  5. سورة فصلت، آية:17
  6. "قصة قوم صالح"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 21/5/2023. بتصرّف.
  7. "تفسير البغوي"، مشروع المصحف الإلكتروني، اطّلع عليه بتاريخ 21/5/2023. بتصرّف.
  8. سورة هود، آية:65
  9. سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 358-359، جزء 2. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4419، صحيح.
  11. سورة الأعراف، آية:59
  12. ^ أ ب أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 282، جزء 10. بتصرّف.
  13. سورة الأعراف، آية:73
  14. محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 340، جزء 12. بتصرّف.
  15. سورة الأعراف، آية:76
  16. ^ أ ب البغوي، تفسير البغوي، صفحة 247-248، جزء 3. بتصرّف.
  17. سورة الأعراف، آية:77
3956 مشاهدة
للأعلى للسفل
×