ما هو مؤتمر يالطا؟

كتابة:
ما هو مؤتمر يالطا؟

المبادر بفكرة مؤتمر يالطا

ما السبب الداعي لعقد مؤتمر في يالطا؟

لقد كانت الدولة التي بادرت إلى عقد مؤتمر يالطا ودعوة الحلفاء إلى مدينة يالطا تحديدًا في القرم هي الاتحاد السوفييتي ممثلة برئيس الوزراء آنذاك جوزيف ستالين، فاجتمع مع ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، و"فرانكلين دي روزفلت" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، صار اسمهم فيما بعد "الثلاثة الكبار"، أراد كل منهم أن يُقرر مصيرًا جديدًا لألمانيا في مرحلتها ما بعد النازية، وطريقًا جديدًا لمصير أوروبا الشرقية، إضافة إلى تأطير شكل المنظمة العالمية الجديدة، التي سُمّيت بالأمم المتحدة.[١]


كانت هذه المبادرة إحدى النقاط المهمة التي غيّرت حياة الملايين، طُرِحت فكرة المؤتمر من الاتحاد السوفييتي في جوّ يعلو فيه صوت الحرب العالمية الثانية التي أراد لها أولئك المجتمعون أن تنتهي، ولكن أن تنتهي لصالحهم، فدعا ستالين كلًّا من تشرشل وروزفلت إليه، وفي هذه الدعوة إثبات لمكانة الاتحاد السوفييتي بين دول العالم العظمى آنذاك،[١] فحين أصبحت كل من إمبراطوريّتَي ألمانيا واليابان على حافّة الانهيار، حاول روزفلت وتشرشل أن يُنصّبا حكوماتٍ في مختلف دول القارة الأوروبية ليتمكّنا من تنفيذ ما يطمحان إليه، وأخذا بعين الاعتبار قوة ستالين واتحاده[٢]، وكان ستالين مُصِرًّا على الاحتفاظ بأوروبا الشرقية، وبسط نفوذه على أماكن أخرى.[١]


كان روزفلت يهدف من ذلك الاتفاق إلى نيل دعم الاتحاد السوفييتي وتأييده لغزو اليابان، بينما يطمح تشرشل إلى تأسيس دعامة ديمقراطية في أوروبا الشرقية، أما ستالين فهو المحرّض الأول والوحيد الذي نقض الاتفاق فيما بعد، وجعل "روزفلت" و"تشرشل" يرضخان لمطالبه التي أرادها بخصوص النفوذ في المنطقة، فقد تمكنوا من تأمين القبول السوفييتي لإعلان أوروبا محرَّرةً، إضافة إلى إعلان اتفاقية بشأن بولندا تعتمد على حكومة وحدة وطنية لكي تُجري الانتخابات الحرة، لكن "ستالين" لم يتقيّد بالاتفاقية، وحينها اتهم كثير من السياسيين الرئيس "روزفلت" بالتخلي عن منطقة أوروبا الشرقية.[٣]


الأطراف المجتمعة في مؤتمر يالطا

هل كانت مآرب الحلفاء واحدة في يالطا؟

إن الأطراف الثلاثة التي اجتمعت لعقد مؤتمر يالطا هي الأطراف التي قررت الاجتماع سابقًا في إيران عام 1943م لتسوية الصراع القائم حول المرحلة التي تَلَتْ الحرب ضد دول المحور[٤]، وهي نفسها التي اجتمعت في بوتسدام ولكن دون روزفلت الذي مات بعد يالطا وخلَفَه هاري ترومان[٥]، إذ كانت تلك الحروب قائمة في أوروبا والمحيط الهادئ، وتلك الأطراف الثلاثة التي تمثل الدول التي تحكمها مكوّنة من رئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشرشل"، والرئيس الأمريكي "فرانكلين دي روزفلت"، ورئيس الوزراء السوفييتي "جوزيف ستالين".[٦]


كان ما أرادهُ "ستالين" هو أن تبقى أوروبا الشرقية منطقة عازلة، إضافة إلى العديد من البنود التي تحدد مصير بعض الدول، أما "روزفلت" كان يعتقد بأن الدول ستتمكن من تأمين السلام العام من خلال مشاركة السوفييت في الأمم المتحدة، وقد حاول الثلاثة رسم مسار للنصر بعد الحرب العالمية الثانية، فكان لا بد من التعاون لتحقيق هذا المطلب، وهذا ما تضمّنته الاتفاقية ومكّنتهم من تحقيقهِ، إلا أن نتائجها بالنسبة لأوروبا الشرقية لم تكن على قدر آمال تلك الشعوب.[٦]


يمكن القول إنّ كُلًّا منهم يسعى لتحقيق مطلب مُختلف عن الآخر، فروزفلت يطمح للحصول على دعم الاتحاد السوفييتي في منطقة المحيط الهادئ، إضافة إلى غزو اليايان، و"تشرشل" يريد أن يؤسس مراكز للانتخابات الحرة والديمقراطية في أوروبا الشرقية وفي بولندا على وجه الخصوص، بينما سعى "ستالين" إلى الحصول على النفوذ السوفييتي في أوروبا الشرقية ليتمكن من تحقيق الأمن القومي للاتحاد السوفييتي، أما الهدف الذي جعلهم يجتمعون على طاولة واحدة فهو رسم خطة لحكم ألمانيا بعد الحرب.[٦]


يقول الرئيس الأمريكي مُحدِّدًا الوِجهة التي يسير وفقها مؤتمر يالطا: "يجب أن يحدد مؤتمر يالطا نهاية نظام العمل أحاديّ الجانب والتحالفات الحصرية ومناطق النفوذ وموازين القوى وكُلّ الوسائل التي جُرِّبَتْ لقرون، ولطالما أخفقت"، فهو يعني التعاون بالدرجة الأولى لتحقيق المكاسب السياسية التي يطمح إليها كل طرف من الأطراف، بالإضافة إلى تحقيق الهدف العام، وهو التحكم بمصير البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، ورسم المخطط المناسب للاستفادة من الظروف الراهنة.[٧]


مكان انعقاد مؤتمر يالطا

لمن تتبع مدينة يالطا اليوم؟

عقد الاجتماع في مدينة يالطا في القرم على ساحل البحر الأسود في منتجع تابع لهذه المدينة،[٤] كانت المدينة قديمًا ضمن الاتحاد السوفييتي لكنها اليوم تتبع لأوكرانيا،[٦] فما تزال هذه المدينة تحمل انطباعًا سيّئًا يدور في ذهن أيّ مواطن من مواطني دول أوروبا الشرقية، إذ شهد هذا المكان على تسليمها لجوزيف ستالين والشيوعية العالمية، فترى شعوب أوروبا الشرقية أنّ تشرشل وروزفلت قد باعا أوروبا الشرقية لستالين وتركاه يكتب السيناريو بنفسه،[٧] في مدينة يالطا استطاع "روزفلت" أن ينال تأييد "ستالين" تجاه خطته في الهجوم على اليابان وإعلان الحرب عليها، وكذلك بالانضمام إلى الأمم المتحدة، إلا أنّ المستقبل الذي كانت تسير إليه أوروبا بدا قضيةً شائكةً.[١]


مع أن الهدف الأساسي من الاتفاقية هو الهزيمة الحاسمة والنهائية لألمانيا، فقد كان هدف ستالين من المؤتمر هو الحصول على المنطقة العازلة الغربية إضافة إلى حكم شيوعي في منطقة كبيرة، فاختار عامدًا موقع شبه جزيرة القرم ليكون مكان الانعقاد كي يكسب تأييد المجتمعين من خلال إيصاله مشاهد الدمار الذي خلّفه الألمان في يالطا، وقد نجح في إيصال ذلك المشهد على أفضل وجه، إضافة إلى أنّ قتال ملايين الرجال المدنيين السوفييت وانتصاراتهم العظيمة إلى جانب تضحيات "الجيش الأحمر"، كل ذلك أعطى "ستالين" كل المقومات التي تجعله صاحب الموقف الأقوى بالنسبة لـ "بولندا" أولًا وفي أماكن أخرى من أوروبا الشرقية ثانيًا.[٧]


أهداف مؤتمر يالطا

ما معنى حق الفيتو للدول دائمة العضوية؟

من أهم البنود التي سَعت الدول الثلاث إلى تحقيقها في مؤتمر يالطا هي بنود تتعلق بألمانيا بالدرجة الأولى، إذ وردت فكرة المؤتمر في جو من القلق بشأن مستقبل ألمانيا فيما بعد الهزيمة إثر الحرب العالمية الثانية، وكان من أهم البنود:[٦]


  • ضمان مشاركة الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة، وقد تحقق هذا البند من خلال منح أحقية النقض "الفيتو" لأي عضو دائم في مجلس الأمن.
  • قبول اشتراك الاتحاد السوفييتي في الحرب ضد اليابان؛ إذ لم تكن فاعلية القنبلة الذرية قد أثبتت بعد.
  • استيلاء الاتحاد السوفييتي على شبه جزيرة "سخالين"، وجزر "الكوريل" التابعة لليابان.
  • حصول ستالين على مجال نفوذ كبيرفي أوروبا الشرقية وجعلها منطقة عازلة.
  • وضع خطة لمستقبل ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية.


نتائج مؤتمر يالطا

من الذي كان له نصيب الأسد من القرارات الصادرة عن مؤتمر يالطا؟

كانت النتائج التي أسفرت عن المؤتمر كارثية بالنسبة للعديد من الدول، بينما تعد صفقة رابحة بالنسبة للطرف الآخر، فمن أهم النتائج التي أسفرت عنها اتفاقية مؤتمر يالطا هي ما يأتي:


القرارات المتعلقة بألمانيا

لقد اتفقت الدول الثلاث السابقة على مجموعة من القرارات تُلزم فيها دولة ألمانيا بأمور عدة هي:[١]


  • دفع ألمانيا مبالغ مالية بسبب الخسائر التي تسببت بها لدول الحُلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ لا بد لتلك الدول أن تتلقى تعويضاتٍ لما حملته من عبء كبير في الحرب، وللخسائر الفادحة التي قدمتها من أجل تحقق النصر على العدو النازي.
  • إزالة ألمانيا لمعدات الحرب والآلات والبواخر وعربات السكك الحديدية وكل ما يتعلق بالاستثمارات الألمانية خارجها، بالإضافة إلى أسهم الشركات الصناعية وما إلى ذلك، وذلك في غضون عامين من استسلام ألمانيا.
  • تسلّم ألمانيا البضائع التي تنتجها في الوقت الحالي سنويًّا، وذلك إلى أجل يُحدّد لاحقًا.
  • إنشاء لجنة لوضع خطة تفصيلية للتعويض عن الأضرار التي تسببت بها ألمانيا، وهذه اللجنة تابعة للحلفاء في موسكو، وستكون مؤلفة من ممثلين عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية.
  • امتلاك المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية السلطة الكاملة العُليا بخصوص ألمانيا، ويبدأ العمل على ذلك من خلال تفكيك ألمانيا على النحو الذي تراه كل من الأطراف الحاكمة ضروريًّا للأمن والسلام.
  • إحالة ملف تفكيك ألمانيا إلى لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص من دول الحلفاء وهم: "أنتوني إيدن"، و"جون وينانت"، و"فيدور تي جوسيف"، بالإضافة إلى احتمال إضافة ممثل فرنسي.
  • تخصيص منطقة في ألمانيا لفرنسا، تُشكّل من المناطق البريطانية والأمريكية.
  • دعوة الحكومة الفرنسية المؤقتة برئاسة شارل ديغول لتصبح من الأعضاء في مجلس مراقبة الحلفاء.


القرارات المتعلقة بالاتحاد السوفييتي

لقد كان للاتحاد السوفييتي نصيب الأسد من نتائج مؤتمر يالطا، فيمكن القول إنّ جوزيف ستالين قد جعل المؤتمر يبدو وكأنّه قد عقد من أجله، وفيما يأتي أهم القرارات المتعلقة بالاتحاد السوفييتي:[١]

  • انتزع ستالين مسألة بولندا من أيدي المجتمعين الذين جاؤوا إلى يالطا وهو يحلمون بإعطاء دول أوروبا الشرقية عمومًا وبولندا خصوصًا حكمًا ذاتيًّا حرًّا مستقلًّا، ولكنّ عناد ستالين جعل الأبواب مسدودة أمام أي اتفاق.
  • وافق ستالين على الدخول في مجلس الأمم المتحدة وأن يكون للاتحاد السوفييتي حق النقض "الفيتو".
  • وافق الاتحاد السوفييتي على أن يكون لفرنسا المنطقة الرابعة في ألمانيا والنمسا، على أن تكون جزءًا من مناطق الولايات المتحدة وبريطانيا.
  • وافق الاتحاد السوفييتي على إعادة تنظيم الحكومة البولندية المؤقتة التي شكلها الجيش السوفييتي، وذلك من خلال إشراك أطراف أخرى في القرار مثل الحكومة البولندية المؤقتة للوحدة الوطنية.
  • وافق الاتحاد السوفييتي على إجراء انتخابات ديمقراطية تخوضها الأطراف المذكورة آنفًا، وبذلك يكون الاتحاد السوفييتي قد استبعد الحكومة البولندية الشرعية في المنفى التي قد أُجليت عام 1939م.
  • تُجبر دول الحلفاء ملايين السوفييت المنتشرين في دول أوروبا على السفر إلى الاتحاد السوفييتي والرضوخ لحكم ستالين الشيوعي.


القرارات المتعلقة باليابان

كانت اليابان من الدول الحليفة لألمانيا، ولذلك ارتأى الحلفاء تأديبها واتفقوا على ما يأتي:[١]

  • خوض الاتحاد السوفييتي حربًا مع اليابان في غضون 90 يومًا، وذلك بعد استسلام ألمانيا وإنهاء الحرب في أوروبا.
  • تعاون الاتحاد السوفييتي في هذه الحرب مع الحلفاء وفقًا لعدة شروط وافقت عليها دول الحلفاء بلا شك بعد هزيمة اليابان.
  • استعداد الاتحاد السوفييتي لإبرام الاتفاقية التي تنص على الصداقة بينه وبين الصين، لتقديم المساعدة للصين وإمدادها بالأسلحة من أجل تحريرها من اليابان.


القرارات المتعلقة بالأمم المتحدة

كانت فكرة إنشاء منظمة تجمع دول العالم في مكان واحد هو من الأفكار التي دعا إليها المجتمعون الثلاثة، وبخاصة الرئيس روزفلت، ومما قُرّر بشأن الأمم المتحدة ما يلي:[١]

  • إقامة مؤتمر في الولايات المتحدة من أجل الاتفاق حول المنظمة العالمية المقترحة في 1945م التي صار اسمها فيما بعد "الأمم المتحدة".
  • عقد اقتراح لقبول العضوية الأصلية في المؤتمر المنعقد حول المنظمة العالمية، وذلك لكل من الجمهوريتين الاشتراكيتين السوفييتيّتَين "أوكرانيا" و"روسيا البيضاء".
  • مشاورة حكومة الولايات المتحدة عوضًا عن القوى الثلاث بالإضافة إلى الصين والحكومة الفرنسية المؤقتة فيما بتعلق بالقرارات التي اتخذها المؤتمر بشأن المنظمة العالمية التي اقتُرحت.


حدّد النص الذي يُرسل إلى الدول التي ستشارك في مؤتمر الأمم المتحدة على النحو التالي: "إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، باسمها وباسم حكومات المملكة المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية وجمهورية الصين والحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية، تدعو حكومة "....." لإرسال ممثلين إلى مؤتمر سيعقد في 25 أبريل 1945م، أو بعد ذلك بوقت قصير في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية لإعداد ميثاق لمنظمة دولية عامة للحفاظ على السلام الدولي والأمن".[١]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ مجموعة من الباحثين السوفييت _ تعريب خيري حماد (1967)، الحرب العالمية الثانية وجهة النظر السوفييتية (الطبعة 1)، القاهرة:دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، صفحة 417 - 425. بتصرّف.
  2. "MARCHING TO VICTORY: THE YALTA CONFERENCE", trumanlibraryinstitute, Retrieved 15/6/2021. Edited.
  3. مجموعة من الباحثين، الصراع السوفييتي الأمريكي من 1945 _ 1991، الإسكندرية:مطبوعات كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، صفحة 5. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "Yalta Conference", history, Retrieved 14/6/2021. Edited.
  5. "HOW THE POTSDAM CONFERENCE SHAPED THE FUTURE OF POST-WAR EUROPE", iwm, Retrieved 15/6/2021. Edited.
  6. ^ أ ب ت ث ج "Yalta Conference", newworldencyclopedia, Retrieved 14/6/2021. Edited.
  7. ^ أ ب ت "The Yalta Conference Was More Than a Victors’ Feast", carnegieeurope, Retrieved 14/6/2021. Edited.
3315 مشاهدة
للأعلى للسفل
×