محتويات
ما مفهوم اللغة؟
للغة مفاهيم عديدة؛ فلم يقتصر تعريفها في المعاجم اللغوية فحسب، بل عرفها علم النفس وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم؛ لأنّ اللغة مرتبطة بشكل أو بآخر بالعلوم الأخرى فلا يعبر عالم عن علمه ما لم يمتلك لغة تعبيرية عمّا يجول في ذهنه، ومن خلالها أيضًا يفهم الآخرين ما يقول وما يريد أن يصل إليه في أذهانهم، فاللغة هي حلقة التواصل والتقارب بين الأمم البشرية والبوح عما يدور في أذهانهم، والتعبير عما يجول فيهم من خلجات ومشاعر وأحاسيس وأفكار.[١]
مفهوم اللغة في المعاجم العربية
كيف عرفت المعاجم العربية مفهوم اللغة؟
تعريف اللغة في معجم لسان العرب: وجاءت معنى اللسْنُ وهي أصواتٌ يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم وهي فُعْلةٌ من لغوتُ أي تكلمتُ، وفي التهذيب: لغا فلان عن الصواب وعن الطريق إذا مال عنه؛ قاله ابن الأعرابي، قال: واللغة أخذت من هذا، لأن هؤلاء تكلموا بكلام مالوا فيه عن لغة هؤلاء الآخرين، واللغو: النطق. يقال: هذه لغتهم التي يلغون بها، أي: ينطقون بها.[٢]
ووردت في المعجم الوسيط في نفس المعنى على أنها: أصواتٌ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، جمعها لُغىً، ولغات، ويقال: سمعت لغاتهم: اختلاف كلامهم[٣]، وورد للغة أيضًا تعريفات في معاجم أخرى كمعجم المعاني، إذ ورد معنى اللغة وجمعها لغًى ولغات، واللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، ويقال: سمعت لغاتهم: أي سمعت اختلاف كلامهم.[٤]
مفهوم اللغة في علم اللسانيات
إن اللغة في علم اللسانيات تعني اللسان وكل ما يصدر عنه من لغات، واللغة عند دي سوسير نظام مجرد من العلامات، ويتكون هذا النظام على العلاقات التي تربط بين هذه العلامات لتشكل نظامًا أو بنية وهي علاقات يشترك فيها أعضاء الجماعة اللغوية وتمثل المخزون الذهني لهم، كما يعتبرها ظاهر اجتماعية تستعمل لتحقيق المفاهيم بين الناس فيتحقق التواصل، ويعد سوسير أول من أدرك أن اللغة نظام له قواعد خاصة، ومن تعريفات اللغة التي أوردها سوسير أيضًا أنها ظاهرة عامة يتفرد بها الإنسان عن سائر الكائنات.[٥]
بالعودة إلى التراث العربي القديم نجد أن ابن خلدون عرف اللغة في مقدمته، إذ قال عنها أنّها في المُتعارف: عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام، فلا بد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم، وأراد ابن خلدون في كلمة عبارة أن يشير أن للغة جانبًا وظيفيًّا فهي وسيلة لإيصال ما يقصد المتكلم، وأراد في جملة بحسب اصطلاحاتهم أن لكل قوم لغة خاصة بهم، وكما يرى ابن خلدون أن اللغة ظاهرة اجتماعية.[٦]
كما نجد تعريفًا قديمًا للغة عند العالم النحوي ابن جني فيعرفها بأنّها: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وهنا نجد أن ابن جني أشار إلى أصوات اللغة، وأن للغة وظيفة في الاتصال من أجل تحقيق الحاجات والأغراض، كما أشار في تعريفه أن لكل قوم لغة خاصة بهم.[٧]
مفهوم اللغة في علم الفلسفة
تعريف اللغة فلسفيًا كما وردت في المعجم الفلسفي بأنّها: مجموع الأصوات المفيدة، وهي ما يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وتطلق أيضًا على ما يجري على لسان كل قوم لأن اللسان هو الآلة التي يتم النطق بها، وتطلق على الكلام المصطلح عليه أو على معرفة أفراد الكلمة وأوضاعها، وتختلف اللغة باختلاف الإشارات المستعملة في التعبير عن الفكر ولها عدة أنواع: لغة اللمس وهي لغة العميان، ومنها لغة البصر وهي لغة الصم والبكم، ومنها لغة السمع أي: لغة الكلام.[٨]
تفرق الفلسفة بين اللغة من جهة أنها وظيفة نفسية عامة، ومن جهة أنها لغة الكلام المؤلفة من المفردات والتراكيب والقواعد الخاصة، ويرى مجموعة من الفلاسفة أن هناك لغة عالمية وهي لغة وضعية أي تؤلف بكاملها دفعة واحدة وتكون عناصرها اللفظية مطابقة للعناصر المنطقية للأفكار، ويرى لالاند أن اللغة هي وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليًا وخارجيًا.[٨]
مفهوم اللغة في علم النفس
ينظر علم النفس للغة على أنّها مجموعة من العلامات والرموز المحيطة بالطفل، وينبغي له أن يتمثلها بسرعة حتى يكون قادرًا على الاندماج اندماجًا متناغمًا في المجتمع الذي ينتمي إلى إليه، حيث يبدأ تعلم اللغة التي هي منظومة شكلية من العلامات تتدخل بوصفها أداة تواصل محكية، وتتيح الفهم المتبادل بين الأفراد في حدود منطقة معينة منذ الولادة بفعل التلقي السمعي للأصوات، وهذا الفعل يدوم مدى الحياة، ويرى علم النفس أن اللغة والكلام تشكل صلة بين الطفل ومحيطه ويجعله يبلغ الفكر الذي يشارك أفراد المجتمع بواسطة الأصوات المدركة بوصفها تعاقبًا مجهورًا ذات دلالة، وليس مجموعًا من الضجات الخاصة.[٩]
إذ إنّ تعلم الكلام هو معرفة العلاقات الاصطلاحية التي تقيمها الأصوات مع المفاهيم والأشياء، كما تمثل القواعد التي تحكم التواصل واكتساب مهارة الإصدار الصوتي وربطها بالكلمات والأشياء، ويرى علم النفس أنّ اللغة لا تربطنا بعالم الأشياء فحسب بل تدخلنا في عالم الأشخاص الذي يعبرون عن وجودهم تعبيرًا رمزيًا.[٩]
وظائف اللغة
كم وظيفة تؤدي اللغة؟
هناك وظائف عدّة للغة، منها ما يأتي:
- وظيفية تعبيرية: إذ تعدّ اللغة أداة لنقل الأفكار والأحاسيس من وجهة نظر الفلسفة، فالإنسان عندما يعبر عن أي شيء هو يقوم بعملية نقل للأحاسيس والأفكار من الداخل إلى الخارج، فيبلغ الشخص تجربته للآخرين بواسطة اللغة.[١٠]
- وظيفة تنظيمية: تقوم اللغة بمساعدة المجتمع على تسيير شؤونه وتنظيمها، إذ توجه أفراده لما يترتب عليهم من سلوكات، ومن خلال هذا الوظيفة يستطيع الفرد والمجتمع بمساعدة اللغة التحكم في سلوك الآخر فيحثهم وينسق أفعالهم.[١٠]
- وظيفة نفسية: يرى عالم النفس صاحب نظرية السلوك ثورندايك أنّ اللغة تثير أفكار المتلقين وعواطفهم وتحدث استجابات لديهم، ويحصر يسبرسن هذه الوظيفة بالجانب الترفيهي من اللغة، إذ تقوم بالراحة والترفيه عن النفس وتحررها من القيود.[١٠]
- وظيفة استفهامية: تمثل اللغة بالنسبة للإنسان أداة لمعرفة ما يحيط به ويستكشفه عن طريق طرح الأسئلة ليسد الفراغات الموجودة في ذهنه عن شيء ما، وأول ما يبدأ به الإنسان هو السؤال.[١٠]
- وظيفة تواصلية: إن هذه الوظيفة هي الوظيفة الأساسية للغة؛ لأنّ اللغة وسيلة لتبادل الأفكار، ويعني هذا أن مجموعة من الأفراد والجماعات تتواصل بواسطة اللغة وتتبادل الأفكار والأخبار.[١٠]
العلاقة بين اللغة والهوية
هل الهوية جزء من اللغة أم العكس؟
إن اللغة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية فهي ماهية الإنسان التي تعبر عنه، فعندما يسألك شخص ما: من أنت؟ فهو ينتظر منك الإجابة باسمك، ويرى الباحثون أن الهوية تشكل الجزء الأهم في دراسة تُجرى حول اللغة وهذا شرط فيمن يريد تطوير اللغة في دراسته، ويرى آخرون أنّ الهوية ظاهرة لغوية، إذ تتفاعل هويات الأفراد والجماعة بوظائف اللغة التي يمكن رؤيتها في حياة الناس، ولأن الهوية تتمحور دلالاتها حول الذات والحقيقة، فإن الذي يعبر عن هذا كله هو اللغة التي صاغت أول هوية لجماعة في تاريخ الإنسان.[١١]
إن اللغة الواحدة هي التي جعلت كل فئة من الناس جماعة واحدة ذات هوية مستقلة، فاللغة والهوية وجهان لشيء واحد، فالإنسان في جوهره ليس سوى لغة وهوية، فاللغة فكره ولسانه، وفي الوقت نفسه انتماؤه الذي هو حقيقته وهويته، فلا يثبت هوية الكائن البشري دون إبراز هويته اللغوية التي يتميز بها عن باقي الأمم والشعوب، فاللغة هوية ثابتة والهويات متنوعة في الجماعات البشرية كافة.[١١]
الفرق بين اللغة واللهجة
هل اللهجة فرع من اللغة أم أنها تشوّه لغوي؟
إنّ كلًا من اللغة واللهجة هي وسيلة تواصلية لدى البشر ويعبر من خلالهما عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس، لكن اللغة هي ما يتحدث فيها بلد ما، أما اللهجة فيتحدث بها إقليم ما ضمن بلد، ولكن الفرق بين اللغة واللهجة هو أن اللغة تخضع لقوانين قياسية ومعيارية، أما اللهجة فهي خاصة بفئة معينة ولا تخضع لقوانين وتختلف من مدينة لأخرى حيث يختلف لفظ الحروف فيها وكذلك يؤثر فيها النبر.[١٢]
تعد اللغة أكثر استقرارًا من اللهجة، على الرغم من أن اللغة تتأثر بتطورات معينة في المجتمع وتضيف مصطلحات جديدة على معاجمها، وهذا يعود لكونها تستخدم الضوابط والقواعد التي تفتقر إليها اللهجة، حيث تعود اللهجات في العموم تشوّهات لغوية سببها الترجمات والاختلاطات بالأمم المختلفة، وفي ميدان تعليمية اللغة اعتمد تعليم اللغة الفصيحة أو اللغة الرسمية للبلاد؛ لأنّ تعليم اللهجة لغير الناطق باللغة الهدف سيترتب عليه استعمال اللغة فقط مع الإقليم الذي تعلم فيه اللهجة، ومن المُمكن ألّا يفهم ما يقول في أقاليم أخرى.[١٢]
لقراءة المزيد، انظر هنا: أهمية اللغة في حياتنا.
المراجع
- ↑ منى طعمة و نور الهدى وآخر، علوم اللغة، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، صفحة 4050-4051.
- ↑ مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، صفحة 830.
- ↑ "تعريف وشرح ومعنى اللغة"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 27/3/2021.
- ↑ ترجمة عبد القادر قنيني، محاضرات في علم اللسان، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ ابن خلدون ، المقدمة، صفحة 275. بتصرّف.
- ↑ ابن جني ، الخصائص، صفحة 33. بتصرّف.
- ^ أ ب جميل صليبا، المعجم الفلسفي، صفحة 287-288، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب نوربير سيلامي ترجمة وجيه أسعد، المعجم الموسوعي في علم النفس، صفحة 2210. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج بوشته عمر، توظيف البعد التداولي للتواصل اللغوي في منتديات الشبكة الدلالية، صفحة 50-51-52. بتصرّف.
- ^ أ ب جون جوزيف و ترجمة عبد النور خراقي، اللغة والهوية، صفحة 19-20. بتصرّف.
- ^ أ ب منى طعمة، محاضرات في اللسانيات والأصوات، صفحة 50. بتصرّف.