ما هو نافخ الكير

كتابة:
ما هو نافخ الكير

ما هو نافخ الكير

يُعرَف الكير في اللُّغة بأنَّه كير الحَدَّاد، وهو جِلدٌ غليظٌ له حوافّ يَنفخُ فيه الحَدَّاد، وَالجَمْعُ أَكْيارٌ وكِيَرة،[١] ومنه قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ)،[٢] فقد شبَّه النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- الجليس السيء بنافخ الكير؛ وهي الآلة التي يَنفخُ بها الحَدَّاد على النّار،[٣] فإنَّ رفيق السّوء يبدأ بالغيبة والمعاصي مع جُلسائه؛ فالواجب إنكار ذلك عليه، فإن لم يُنكر عليه هلك رفيقه معه، فهو كالحَدَّاد الذي يَنفخ في الكير الذي قد يَحرق ثيابه أو يُلوِّثها بالنّار.[٤]


التحذير من الجليس السيء

نهى الإسلام وحذَّر من مُجالسة الأشخاص السّيِّئين؛ لِما يحصل منهم من الأذى في الدُّنيا والدّين، فلا بد من حصول الضّرر منهم مهما احتاط الإنسان، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)،[٢] فصديق السّوء يُزيّن للنّاس أفعالهُم السّيئة، ويُؤثِّر على غيره بتصرّفاته.[٥]


وقد حرم الله -تعالى- مُصاحبة قُرناء السّوء؛ لِما لهم من تأثير على الدّين والسُّلوك والآداب، وأوجب الابتعاد عنهم إلى مُجتمعٍ صالح، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)،[٦] لأنَّ من طبيعة البشر التأثّر بغيرهم، بل إنَّ جليس السّوء يبقى يوسوس لصاحبه حتى آخر نفسٍ في حياته، ويؤكّد ذلك قصّة أبو طالب عندما حضرته الوفاة، وطلب منه النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- قول "لا إله إلا الله" لِيشفع له بها يوم القيامة، ولكن المُشركون حرّضوه على عدم قولها، فمات على الكُفر.[٧]


كما أنَّ جليس السّوء يدعو إلى الكسل والفُتور عن العبادة، ويُقلّل من الهمّة، فيندم الإنسان على مُصاحبته يوم القيامة، لِقوله -تعالى-: (يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)،[٨][٧] والصّديق السّيء لا يُعين على الطّاعة، ولا يُذكِّر بها، ويُحرِّض على اللّهو والهوى وترك الخير.[٩]


الترغيب في الجليس الصالح

حثَّ النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- على مُصاحبة الصّديق الصّالح؛ لِما له من تأثيرٍ في دين وأخلاق صاحبه، لِقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (الرَّجلُ على دِينِ خليلِه، فلْينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ)،[١٠][١١] والخِلّة من أعلى مراتب الصّداقة، كما أنَّ الخليل الصّالح يكون سبباً للاستظلال بظلّ عرش الله -تعالى- يوم القيامة يوم لا ظلَّ إلّا ظلَّه،[١٢] وقد حثَّ الإسلام على مُصاحبة المؤمنين والأخيار؛ لِما في ذلك من إرث الخير منهم والبُعد عن الشرّ، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لا تُصاحبْ إلا مؤمنًا ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ)،[١٣] وأمّا الأكل مع المؤمن فهيَ توجب الأُلفة.[١٤]


والإنسان لا يستغني عن الآخرين، وتوجد الكثير من الأدلّة التي تُثبت اهتمام الإسلام والعناية عند اختيار الأصدقاء، كقولهِ -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)،[١٥] وقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً)؛[٢] ففي الحديث دلالةٌ واضحة على النّفع والخير الحاصل من مُصاحبة المؤمنين.[١٦]


ولرّفيق الصّالح يحفظ صاحبه في غَيْبته، ويُظهر له المحبة في حُضوره، ويُقرِّبه من الله -تعالى-، ويُرشده إلى الخير، ولا تَسمع منه إلّا الكلام الطيِّب، ويزيد من هِمّة صاحبه نحو العلم والدّين والأدب،[١٧] ويُقصد بالجليس الصالح: الصّديق الفاضل المُتحلّي بالأخلاق الكريمة، فهو الذي ترتاح إليه النّفس، وصحبته فلاحٌ ونجاح، وتوفيقٌ وصلاح، وجاء عن بعض العُلماء قولهم: "إنَّك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الحلوى مع الفُجّار".[١٨]


المراجع

  1. محمد جمال الدين ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 157، جزء 5. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 5534، صحيح.
  3. حمزة محمد قاسم (1990)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، دمشق: مكتبة دار البيان، صفحة 175، جزء 5. بتصرّف.
  4. أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 2، جزء 20. بتصرّف.
  5. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 212-213، جزء 10. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية: 97.
  7. ^ أ ب عبد المحسن القحطاني (1427 هـ)، خطوات إلى السعادة (الطبعة الرابعة)، صفحة 100-102. بتصرّف.
  8. سورة الفرقان، آية: 27-29.
  9. حسين بن محمد المهدي (2009)، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، اليمن: وزارة الثقافة -دار الكتاب، صفحة 672-673، جزء 1. بتصرّف.
  10. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4833، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
  11. محمد الصنعاني، (2011)، التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة دار السلام، صفحة 295، جزء 6. بتصرّف.
  12. محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1426 هـ)، شرح رياض الصالحين، الرياض: دار الوطن للنشر، صفحة 16، جزء 4. بتصرّف.
  13. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 4832، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
  14. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 211، جزء 10. بتصرّف.
  15. سورة الكهف، آية: 28.
  16. عبد العزيز السلمان، مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار، صفحة 316-317، جزء 2. بتصرّف.
  17. عبد المحسن القحطاني (1427 هـ)، خطوات إلى السعادة (الطبعة الرابعة)، صفحة 103. بتصرّف.
  18. حسين بن محمد المهدي (2009)، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، اليمن: وزارة الثقافة -دار الكتاب، صفحة 665-671، جزء 1. بتصرّف.
3315 مشاهدة
للأعلى للسفل
×