محتويات
معنى أدوات النداء
أدوات النداء هي ما تُستخدم في طلب المتكلّم من المخاطب أن يُقبل عليه، فالنداء هو الصّوت المحمّل بتلك الدعوة، وقد عرّف المخزومي النداء بأنّه: الإشارة إلى المنادى وتنبيهه للالتفات إلى المخاطب ويُعبّر عن ذلك كلّه أدوات خاصّة بالنداء، ويعرّفه الخطيب القزويني بأنّه: طلبُ الدّاعي من المدعو الإقبال عليه باستخدام أدوات خاصّة بالنداء، وقيلَ أيضًا إنّه تنبيهٌ ودعوةٌ لأحدٍ يُراد منه أن يلتفت وينتبه ويستمع، وهو محضُ صوت صادر عن الإنسان.[١]
أدوات النداء هي مجموعةٌ من تلك الأصوات التي تسبق الاسم المنادى لشدّ انتباهه واستمالته ولتنبيهه إلى ما يُراد إخباره به، وجميع هذه الأدوات تأخذ مكان فعلٍ مقدرٍ، ففي قولهم: يا زيدُ، التّقدير هو: "أنادي زيدُ"، فقدْ أعطتْ أحرف النداء معنى الفعل "أنادي"، وتلك الأدوات هي: "الهمزة، أيْ، يا، آ، آيْ، أيا، هَيا، وا"، وقد ذكرها ابن مالك في ألفيّته في قوله:[٢]
وللمنادى الناءِ أو كالناءِ "يا"
- و"أيْ" و"آ" كذا "أيا" ثمّ "هيَا"
والهمزُ للدّاني و"وا" لمن ندب
- أو "يا" وغيرُ "وا" لدَى اللّبسِ اجتنبْ
أقسام أدوات النداء
من أيّ ناحية قسّم العلماء أدوات النداء؟
تنقسم أدوات النداء بحسب استخدامها ودلالاتها إلى قسمين رئيسين، قسمٌ يختصُّ بنداء القريب، وقسمٌ يختصُّ بنداء البعيد، وهي كالآتي:
أدوات النداء للقريب
قد يسأل سائل: ما هي الأدوات المختصّة بالنداء للقريب؟ وهل يمكن أن تُستخدم للنداء للبعيد؟ ومتى يحصل ذلك؟ وأدوات النداء للقريب هي:
- الهمزة: وهي حرفٌ للنداء، ينادى بها للقريب، ومن أمثلة مجيئها قول امرئ القيس:[٣]
أفاطمَ مهلًا بعضَ هذا التّذلّلِ
- وإنْ كُنتِ قدْ أزمعْتِ صرمي فأجملي
أَجُبَيلُ إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَومِهِ
- فَإِذا دُعيتَ إِلى العَظائِمِ فَاِعجَلِ[٤]
- أيْ: وهو حرف نداءٍ للقريب، وذلك لخلوّها من الصّوت الممدود، ومن أمثلة ورودها قول الشّاعر كثير عزّة:[٣]
ألمْ تسمعي أيْ عبدَ في رونقِ الضّحا
- بُكاءَ حماماتٍ لهنّ هديرُ
أيْ صديقي، إنّي قَصَدْتُكَ لمّا
- لمْ أجدْ في الحياةِ غيرَكَ شهما[٥]
ولكن قد يخالف استعمال هذين الحرفين الأصل في وضعهما، فيأتيان لنداء البعيد، وذلك لإنزاله منزلة القريب، والتّعبير عن حصوره المستمر في القلب، ومن ذلك قول الشّاعر:[٥]
أعليُّ، إنْ تكُ بالعراقِ نَسِيتَني
- فأنا بمِصرَ على هواكَ مُقيمُ
ومنه قول شاعرٍ مغتربٍ عن بلاده:[٥]
أيْ شآمي، وأنتِ مَهوَى غَرامي
- كيف أحيا والروحُ عنّي بعيدُ
أدوات النداء للبعيد
قد يقول قائل: ما هي الأدوات المختصّة بالنداء للبعيد؟ وهل يمكن أن تُستخدم للنداء للقريب؟ ومتى يحصل ذلك؟ إنّ أدوات النداء للبعيد هي:
- يا: وهي أكثر أدوات النداء استخدامًا، وتختصُّ دون أدوات النداء الأخر بالحذف، فعند النداء بأداة نداء محذوفة نقدّر "يا" فقط، وبه فقط يُنادى لفظ الجلالة، ولم يرد في القرآن غيرها من الأدوات، ومن ذلك قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}،[٦] فالتّقدير "يا يوسف"، ومنه أيضًا قول صخر شقيق الخنساء:[٣]
إذا ما امرؤ أهدى لمَيتٍ تحيّةً
- فحيّاك ربُّ العرشِ عنّي مُعاويا
التّقدير هنا أيضًا "يا معاويا"، وهذه الأداة لا تُحذف مع النكرة إلّا ما جاء من النصوص مسموعًا منها من شعرٍ أو أمثال، ومن أمثلة ذلك قول الشّاعر الأعشى:[٣]
وحتّى يبيتَ القومُ في الصّفِ ليلةً
- يقولونَ نَوِّرْ صُبحُ والليلُ عاتمُ
والتّقدير: "نوّر يا صبحُ"، ومن الأمثال قولهم: افتدِ مخنوقُ، والتّقدير: "افتدِ يا مخنوق".
- آ: وهو حرفٌ لنداءِ البعيد أيضًا، وذلك لأنّ المد الموجود فيه يساعد على إطالة الصّوت، ومن أمثلة وروده: آبُني احفظْ الله يحفظك.[٣]
- آي: وهي "أي" ممدودة، وتُستخدم لنداء البعيد أيضًا، لما في المد من صوتٍ يساعد على النداء.[٣]
- أيا: وهو حرفُ نداءٍ أيضًا، ومن أمثلة وروده قول أسماء المريّة صاحبة عامر بن الطفيل أحد شعراء العصر الجاهلي وفرسانه:[٣]
أيا جبلَي نعمانَ باللهِ خَلِّيا
- نَسيمَ الصّبا يَخلُص إليَّ نسيمُها
وقد تُبدل همزتها هاء فتصبح "هيا" ومن ذلك قول الشّاعر الراعي النميري من شعراء العصر الأموي:[٣]
فأصاخَ يَرجُو أنْ يكونَ حَيًّا
- ويقُولُ مِنْ فرحٍ هيا رَبَّا
- وا: وهي أداةٌ تختصّ بالندبة، وهو أسلوب نداء يُستخدَم للتفجّع والتّحسّر على مصابٍ ما، ويُنادى به الفقيد، وذلك كقولهم تفجعًا على فقيدٍ اسمه أحمد: وا أحمداه، ويُنادى به من ينزل منزلة الفقيد، ومن ذلك ما جاء عن الخليفة عمر بن الخطاب عندما سمع بأمر الجدب الذي أصاب المسلمين وما جرّه عليهم من معاناة حيث قال: وا عمراه، فكأنّه أراد بذلك الإشارة إلى أنّه ماتَ لسماع ذلك الخبر، ويُنادى به أيضًا للمتوجّع له، ومن ذلك قولهم: وا كبداه، ويُنادى به أيضًا للمتوجّع منه، وذلك نحو قولهم: وا مصيبتاه.[٣]
قد تُستخدم هذه الأدوات في النداء للقريب وذلك لنكتٍ بلاغيّة، ومن ذلك:[٥]
- التّعبير عن منزلته الرفيعة: ومنه قول الشّاعر وهو الإمام السهيلي أحد أعلام الأندلس صاحب الروض الأنف في السيرة النبوية:[٥]
يا مَنْ يُرجّى في الشّدائدِ كلِّها
- يا مَنْ إليهِ المُشتكَى والمَرجِعُ
أولئَكَ آبائي، فجِئني بِمِثلِهم
- إذا جَمَعَتْنا يا جريرُ المَجَامعُ
- الإشارة إلى غفلة المخاطب وشروده: فيُنادى بصيغة البعيد كنايةً عن عدم حضوره في المجلس، ومن ذلك قول الشّاعر أبي العتاهية:[٥]
أيا من عاش في الدّنيا طويلًا
- وأفنى العُمرَ في قيلٍ وقال
- أن يُبعَد المخاطِب رتبته عن رتبة المُخاطَب: ومن ذلك قولهم: يا الله.[٥]
- التّنبيه على عظمة الأمر وعلو شأنه: ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}.[٧][٥]
وقد تُستخدم أدوات النداء للدّلالة على معانٍ أخرى: فتخرج عن معنى طلب المتكلّم إقبال المخاطب عليه، ومن ذلك:[٨]
- الزّجر: ومن ذلك قول الشّاعر:
يا قلبُ ويحكَ ما سمِعْتَ لناصحٍ
- لمّا ارتميتَ ولا اتّقيتَ ملامًا
- التّحسر والتّوجّع: ومن ذلك قول الشّاعر:
أيا قبرَ معنٍ كيف واريتَ جُودُه
- وقدْ كانَ منْهُ البرّ والبحرُ مُتْرعا
- الإغراء: ومن ذلك قولهم لمن يدّعي لنفسه الظّلم: يا مظلوم تكلّم.
إن لكلّ أداة نداء اختصاصًا من حيث المعنى بنداء القريب أو البعيد، ولكن ذلك لا يمنع من مخالفتها للأصل لغاية بلاغية.
إعراب أدوات النداء
هل لأدوات النداء محل من الإعراب؟
إنّ جميعَ أدوات النداء هي مجرّد أحرفٌ تُعطي دلالة النداء فقط، أمّا من حيث الإعراب فهي لا محلّ لها من الإعراب، وذلك على خلاف غيرها من الأساليب النحويّة الأخرى، ففي أسلوب الشّرط -مثلًا- تُعرب أسماء الشّرطِ ضمن قواعد معيّنة، وفي أسلوب الاستفهام أدوات الاستفهام تُعرب إعرابًا خاصًّا بها أيضًا، أمّا في هذا الباب فإنّ أدوات النداء جميعها محضُ أحرفٍ للنداء لا محلّ لها من الإعراب، ففائدتها في الجملة هي فقط التّنبيه وحثّ المخاطب على أن يُقبل على المتكلّم، وعليه يُعرب أيّ حرفٍ من حروف نداء بأنّه حرف نداءٍ لا محلّ له من الإعراب، ومن أمثلة ذلك:[٩]
- أقولُ وقد شدّوا لساني بنسعةٍ ** أمعشرَ تيمٍ أطلقوا عن لسانيا
- أداة النداء: الهمزة في كلمة "أمعشر".
- إعراب أداة النداء: الهمزة حرف نداء لا محلّ لها من الإعراب.
- أيا ظبيّة الوعساءِ بينَ جُلاجلٍ ** وبين النقا آأنتِ، أمْ أمُّ سالمِ
- أداة النداء: "أيا".
- إعراب أداة النداء: أيا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب.
- هَيَا أمَّ عمروٍ هل ليَ اليومَ عندكمْ ** بغيبةِ أبصارِ العُداةِ سبيلُ
- أداة النداء: "هيا".
- إعراب أداة النداء: هيا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب
- قالتْ هريرةُ لمّا جئتُ زائرَها ** ويلي عليكَ وويلي منكَ يا رجُلُ
- أداة النداء: "يا".
- إعراب أداة النداء: يا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب
- فوا عجبًا حتّى كليبَ تسبُّني ** كأنّ أباها نهشَلٌ أو مجاشعُ
- أداة النداء: "وا".
- إعراب أداة النداء: وا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب
- أيْ بني أطع اللهَ تنجُ.
- أداة النداء: "أيْ".
- إعراب أداة النداء: أيْ حرف نداء لا محلّ له من الإعراب.
- أيا أبتي لا زلْتَ فينا فإنّما ** لنا أملٌ في العيشِ ما دُمتَ عائشًا
- أداة النداء: "أيا".
- إعراب أداة النداء: أيا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب.
- أيا راكبًا إمّا عرضْتَ فبلغن ** نداماي من نجرانَ أن لا تلاقيا
- أداة النداء: "أيا".
- إعراب أداة النداء: أيا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب.
- يا صائدَ الجحفلِ المرهوبِ جانبُهُ ** إنّ الليوثَ تصيدُ الناسَ أحدانا
- أداة النداء: "يا".
- إعراب أداة النداء: يا حرف نداء لا محلّ له من الإعراب.
ممّا سبق يظهر أنّ جميع أدوات النداء هي أدوات نداء فقط، ولكنّها لا محلّ لها من الإعراب.
أمثلة على أدوات النداء
- الهمزة: أفؤادي متى المتابُ ألمّا ** تصحُ والشّيبُ فوق رأسي ألمّا
- أيْ: أيْ بنيّتي تحلّي بالعفّة والحياء.
- آ: آبشيرُ احفظ دينكَ في غربتِكَ.
- أيا: أيا منازل سلمى، سلامٌ عليكما ** هلِ الأزمنُ اللاتي مضينَ رَواجعُ
- هيا: فأصاخ يرجو أن يكونَ حيًّا ** ويقولُ من طمعٍ: هيا ربَّا
- وا: فوا كبدي ممّا أُلاقي من الهوى ** إذا حَنَّ إلفٌ أو تألّقَ بارِقُ
- يا: يا أعدلَ الناسِ إلّا في معاملتي ** فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ
المراجع
- ↑ سميّة رحابي، النداء في ديوان أبي الطيّب المتنبي، الجزائر:منشورات جامعة محمد خيضر، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ سمية رحابي، النداء في ديوان أبي الطيب المتنبي، الجزائر:منشورات جامعة محمد خيضر، صفحة 4. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ محمد خير الحلواني، الواضح في النحو، دمشق:دار المأمون للتراث، صفحة 268. بتصرّف.
- ↑ عِيسى علي العاكوب، المُفصّل في عُلُوم البلاغة، حلب:منشورات جامعة حلب، صفحة 309. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ عيسى العاكوب، المفصّل في علوم البلاغة، حلب:منشورات جامعة حلب، صفحة 309. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:29
- ↑ سورة المائدة، آية:67
- ↑ علي الجارم، مصطفى أمين، البلاغة الواضحة، القاهرة:دار المعارف، صفحة 211. بتصرّف.
- ↑ ابن عقيل، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، بيروت:دار الطلائع، صفحة 210، جزء 3. بتصرّف.