ما هي المصالح المرسلة

كتابة:
ما هي المصالح المرسلة

المصلحة في الفقه الإسلامي

إنّ المصلحة في الاصطلاح الفقهي: "ما يُرتب على الفعل ويبعث على الصلاح ومنه سُمّي ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعث على نفعه مصلحة"،[١] وللمصلحة في الفقه الإسلامي الكثير من التقسيمات وكل تقسيم راجع إلى حيثية معينة واعتبارات مختلفة؛ فالمصلحة من حيث موافقتها للشرع تُقسم إلى نوعين وهي مصالح شرعية ومصالح غير شرعية،[٢] أمّا من حيث اعتبار الشرع لها فتُقسم إلى ثلاثة أنواع، وهي: مصلحة شهد لها نصٌّ معيّن بالاعتبار، وتُسمّى مصلحة معتبرة، ومصلحة شهد نصٌّ معيّن بإلغائها وتُسمّى مصلحة مُلغاة، ومصلحة لم يشهد نصٌّ معين لها بالاعتبار أو الإلغاء، وتُسمّى مصلحة مرسلة وسيّبيّن هذا المقال ما هي المصالح المرسلة.[٣]

ما هي المصالح المرسلة

إنّ المصلحة المرسلة هي المصلحة التي لم يرد دليل شرعي معيّن لها بالاعتبار أو الإلغاء، وقد يُعبّر عن المصالح المرسلة بمصطلح المصلحة المسكوت عنها، وهي: المصلحة التي لم يأتِ دليل شرعي يشهد لها بالاعتبار أو الإبطال، والمقصود بالدليل في هذا السياق الدليل الخاص من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو القياس، لكنّ هذا لا يعني عدم وجود دليل عام يشهد لهذه المصلحة بالاعتبار، فالمقصود أنّها لا تستند إلى خاص وإنما تستند إلى مقاصد الشريعة وعموماتها، والسبب في تسمية هذا القسم من أنواع المصلحة بالمصلحة المرسلة لإرسالها، أي إطلاقها عن دليل شرعي خاص يُبيّن كون هذه المصلحة في قسم المصالح المعتبرة أو المصالح الملغاة، وقد يُطلق على المصلحة المرسلة اسم الاستصلاح والمناسب المرسل،[٤] كما أنّ المصالح المرسلة ليس لها أمثلة شبيهة بها لتقاس عليها، بالإضافة إلى أنّ المصالح المرسلة تختّص بالمعاملات، لأنّ الأصل في العبادات التوقيف ولا يجوز استحداث عبادات جديدة بناءً على المصلحة لأنّ هذا من الاستحداث في الدين المنهي عنه، ولا بدّ في العبادات من وجود نص شرعي يبيّن أحكام هذه العبادة وشروطها.[٥]

أقسام المصالح المرسلة

إنّ أقسام المصلحة المرسلة تتنوع بتنوّع جهة اعتبار المصلحة والمجال الذي يتم تفعيل المصلحة فيه، فهي تنقسم باعتبار الأصل الذي تعود عليه بالحفظ إلى خمسة أقسام، وهي: مصلحة تهدف إلى حفظ الدين، مصلحة تهدف إلى حفظ النفس، مصلحة تهدف إلى حفظ العقل، مصلحة تهدف إلى حفظ النسب، مصلحة تهدف إلى حفظ المال، فحفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال يُسمّى بالضروريات الخمس في الدين الإسلامي، وحفظ هذه الأمور الخمسة هو مقصد الشريعة الإسلامية وغايتها، حيث إنّ اعتبار حفظها هو ما التفتت إليها الأحكام الشرعية في مقاصدها وقد جاءت الرُخص والأدلة الشرعية لتبيّن ضرورة الحفاظ عليها وصيانتها من الهدر والضياع، والدليل على ذلك: الاستقراء التام الحاصل نتيجة تتبع نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية بالإضافة إلى قرائن الأحوال وتفاريق الأمارات.[٤]

أمّا الاعتبار الثاني لتقسيم المصالح المرسلة فهو القوة والضعف؛ حيث إنّها تقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام، وهي: المصلحة الضرورية وتُسمّى بدرء المفاسد، وتكون هذه المصلحة في أمرٍ ضروري أي أنّ تفويت اعتبار هذه المصلحة يؤدي إلى ضياع وإهدار شيء من الضروريات الخمس أو جميعها، وهذه أقوى المصالح، القسم الثاني وهو المصلحة الحاجية وهي التي تكون في موضع الحاجة أي أنّ في اعتبارها تسهيل لتحصيل المنفعة ولكنّ تفويتها وإبطالها لا يترتب عليه إهدار شيء من الضروريات، أمّا القسم الأخير فهو المصلحة التحسينية وتُسمّى أيضًا بالتتميمات، وهي المصلحة التي لا تؤدي إلى حفظ ضرورة أو تحقيق حاجة وإنّما تكون في باب مكارم الأخلاق والتقيد بأكمل الأساليب وأحسنها.[٤]

أمثلة على المصالح المرسلة

إنّ أمثلة المصالح المرسلة كثيرة فمنها ما قد حصل وأخذ به الصحابة الكرام، كالمصلحة التي دعت إلى جمع القرآن الكريم وتدوين الدواوين، وترك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر الخلافة لستة من الصحابة وفي هذا تفعيل لمبدأ الشورى ولكن بما يتماشى مع الحاجة الزمنية المستجدّة، وكذلك الأمر بالنسبة لزيادة عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- لأذان يوم الجمعة حيث كان الهدف منه إعلام الناس المنشغلين بأعمالهم في الأسواق وغيرها إلى اقتراب وقت الأذان، ومن أمثلة المصالح المرسلة أيضًا اتخاذ الخلفاء للسجون،[٥] كما أنّ هناك العديد من الأمثلة المعاصرة التي هي من ضمن المصالح المرسلة، كخلع الحذاء عند إرادة الدخول للمسجد لئلا يتم تلويثه، وكذلك الأمر بالنسبة لفرش المساجد بالسجاد واتخاذ الميكروفونات والمكبرات الصوتية لإذاعة الأذان حيث إنّ البقاع قد اتسعت وزاد عدد الناس وصار لزامًا رفع صوت الأذان كي يصل إلى جميع المسلمين.[٦]

بعض شروط الأصوليين للمصلحة

إنّ المصلحة المرسلة هي محل خلاف لدى أهل العلم ولذلك فإنّ البعض لم يأخذ بها ولم يعتبرها، أمّا الآخرون فقد أخذوا بها وعملوا بمقتضاها ولكنّهم قد وضعوا ضوابط وقواعد معيّنة يتبيّن من خلالها حرصهم على التمسك بالنصوص وعدم القول بالأحكام الشرعية وفقًا للهوى، وفيما يأتي بعضٌ من ضوابط المصلحة لدى الأصوليين:[٧]

  • الملائمة لمقاصد الشرع وعدم مخالفة الأصول والأدلة المعتبرة في الدين الإسلامي.
  • أن تكون المصلحة في رتبة الضروريات وأن تكون كليّة وقطعية.
  • أن يؤدي الأخذ بها لحفظ ضرورة ورفع حرج لازم وواقع.

موقف الفقهاء من العمل بالمصالح المرسلة

إنّ جلب المصالح ودرء المفاسد من الأصول والقواعد المتفق عليها في الدين الإسلامي والتي يُقرّرها ولا يبتعد عنها أحدٌ من العلماء، لكنّ اعتبار هذا الأصل في مسألة المصلحة المرسلة قد كان محلّ خلافٍ بين الفقهاء حيث أخذ بها البعض واعتدّ بها ورأى أنّها من باب جلب المصالح ودرء المفاسد في حين رأى آخرون أنّها من باب الأخذ بالرأي وإثبات لأحكام العقل وليست دليلًا شرعيًا يُلتفت إليه، ولكنّ الدارس لأحوال أهل العلم والفقه يجد أنّ الجميع قد أخذ بالمصلحة المرسلة وإن لم يُسمّها كذلك فالبعض أخذ بها من باب القياس والبعض الآخر من باب الأخذ بعمومات الشريعة ومقاصدها ومنهم من عدّها في باب الاجتهاد، فالخلاف الحاصل في حجية المصلحة المرسلة هو خلاف لفظي، وفي هذا السياق يقول الشيخ الشنقيطي: "فالحاصل أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية.وأنّ جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن زعموا التباعد منها ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك، ولكنّ التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال".[٤]

المراجع

  1. "كتاب التعريفات الفقهية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
  2. "كتاب علم المقاصد الشرعية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
  3. "كتاب أبحاث هيئة كبار العلماء"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث "كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "كتاب تيسير علم أصول الفقه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
  6. "كتاب تيسير أصول الفقه للمبتدئين"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
  7. أكرم علي محمد يوسف، ضوابط العمل بالمصلحة المرسلة عند الأصوليين، صفحة 16. بتصرّف.
3190 مشاهدة
للأعلى للسفل
×