ما هي حقوق الجار

كتابة:
ما هي حقوق الجار

الإحسان إلى الجار

إن للجار حقّاً عظيما على جاره، وقد حثَّ الإسلام على الإحسان للجار، وربط بين الإيمان وبين إكرام الجار والإحسان إليه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:(مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ).[١]

والجار هو من جاور الإنسان في السكن، أو العمل، أوالدراسة، مسلما كان أو كافراً. وقد جعل الشرعُ محبّة الخير للجارعلامةً من علامات الإيمان، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره).[٢]

وهناك صورٌ كثيرة للإحسان إلى الجار، منها ما يأتي:

  • إقراضه المال إن طلبه، ومدّ يد العون إليه.
  • عيادته إن مرض، وتفقّد أحواله.
  • مشاركته في أفراحه وأتراحه.
  • عدم الاستطالة عليه بالبنيان.
  • إسداء النصح والمشورة إاليه.
  • اتّباع جنازته.
  • عدم إيذائه برائحة الطعام، وكذلك تقديم شيء من الطعام له وإن كان ذلك يسيراً، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوصي أبا ذرًّ -رضي الله عنه-: (يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ).[٣]
  • الدعاء له، والستر عليه.
  • عدم إلحاق الأذى بالجار بشتمه أو ضربه، أو إلحاق الأذى بأي شي مِن أغراضه التي تخصّه، أو القيام برمي القمامة على باب منزله.
  • رد السلام على الجار، والتكلم معه بأسلوب لطيف ومهذب، وعدم التعامل معه بتكبر أو تعالٍ.
  • عدم إزعاج الجار بالأصوات العالية.[٤]
  • الصبر على أذاه، ومحاولة كتم الغضب، ثم التحدث معه برفق لحل المشكلة، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).[٥]

وممّا يؤكّد ذلك الحديث النبوي الشريف الذي رُوي عن صحابة كانوا يسألون رسول الله: (يا رسولَ اللهِ، ما حقُّ الجارِ؟ قال: إنِ اسْتقرَضَك أقرضتَّه، وإنِ استعانَك أعنْتَه ، وإنِ احتاجَ أعطيتَه ، وإنْ مرِض عدْتَه ، وإن مات تبعتَ جنازتَه ، وإن أصابَه خيرٌ سرَّك وهنَّيْتَه ، وإن إصابتْه مصيبةٌ ساءَتْك وعزَّيْتَه ، ولا تُؤْذِه بِقُتَارِ قِدْرِكَ إلَّا أنْ تغرفَ له منها ، ولا تسْتَطِلَّ عليه بالبناءِ لِتُشرفَ عليه وتسدَّ عليه الريحَ إلا بإذنِه).[٦]

زيارة الجار وتلبية دعوته

إنّ من حقّ الجار على الجار تعهُّدُه بالزيارة، ومشاركته أفراحه وأتراحه، وتلبية دعوته، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ)،[٧] فإذا دعا الجار جاره، يُجِب دعوته؛ لأن ذلك يزيد الألفة ويقوي العلاقة بينهما.

عدم التعرض للجار بالأذى والسوء

حرَّم الإسلام الاعتداء على الجار بالقول أو الفعل، كما وعدَّه من الكبائر، ونفى اكتمال الإيمان عن كل من يتعرض لجيرانه بالأذى، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ)،[٨]أي أنَّ من لا يأمن جارُه شرَّه وظلمَه وأذاه لا يكتملُ إيمانُه، وفي تكرار القسم تأكيدٌ على حرمة الجار، ووجوب رعاية حقوقه.[٩]

وقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن امرأة من أهل النار، مع أنها تحافظ على الصلاة، وتكثر من الصدقة، ولكنها مع ذلك تتعرض لجيرانها بالأذى، فقد قال رجلٌ: (يا رَسول اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ).[١٠]

وهناك عدة أمور تؤذي الجيران، على المسلم أن يجتنبها، ومنها:

  • النظر إليه وهو جالس في منزله وتتبع عوراته.
  • محاولة التنصت على الجار و كشف أسراره.
  • التحدث عن الجار أمام اناس بالسوء، وذِكر عيوبه والإساءة لسمعته.
  • التعرض له بالغيبة والنميمة وإثارة المشاكل بينه وبين الناس.
  • إزعاجه في أوقات راحته ونومه.
  • التضييق على الجار وإلجاؤه لترك منزله.

تفقد أحوال الجار

حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجار على تعاهد الجيران، وتفقّد أحوالهم، وإكرامهم، فالجار هو أقرب الناس وأكثرهم اطّلاعاً على أحوال جيرانه، فمثل المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.[١١]

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)،[١٢] فاعتناء المرء بجاره وإحسانه إليه يزيد الألفةَ والمحبة في المجتمع المسلم، ويحقق السكينة والطمأنينة.

ستر الجار وعدم التجسس على محارمه

إن من أعظم حقوق الجار على جاره ستره وصيانةُ عرضه، والحفاظ على شرفه، سواء في وجوده أو في غيابه. فعلى المسلم أن يخشى الله -تعالى-، ويغض بصره عن محارم جاره فلا يكشف له سترا، ولا يهتك له عرضاً.[١٣]

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)،[١٤] والنهي هنا عن تتبع العورات في حق المسلمين عامّة، فكيف في الجار الذي أوصى الله ورسوله به خيراً! فلا بدّ أن تتبّع عوراته أعظم، والنهي في حقه أوجب.

وبما أن الجار أقرب الناس إلى جاره، فإنّ من أشدّ ما يؤذيه نشر أخباره بين الناس، وإشاعة أسراره بينهم، بل والفرح بما يصبه من المصائب والابتلاءات، وتتبع عواراته وأخطائه، كأنّ من يفعل ذلك لم يسمع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة).[١٥]

تحمل الجار وأذاه

يستطيع كثيرٌ من الناس أن كفّ الأذى عن الآخرين، لكن احتمال أذى الآخرين والصبر عليهم هي من صفات الكرام والمحسنين، فقد قال الله -تعالى-: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)،[١٦] فبعض الناس ينتظر زلَّة من جاره ليردَّ له الصاع صاعين.

ولو أنه علَّم نفسه كيف يصبر على الأذى، ويغض الطرفَ عن الزلّات؛ لكان باستطاعته أن يلتمس لجاره عذراً، ويرد له الإساءة بالإحسان، فقد قال الله -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)،[٥] فمن كان له جارٌ يؤذيه ويعصِ الله فيه، فليصبر على أذاه، وليواصل نصيحته ويطع الله فيه.[١٧]

ملخص المقال: إن للجار على جاره حقوقاً أوجبها الله عليه، والإحسان للجار من أهم أسباب حفظ المجتمع المسلم، ودوام التراحم والتكافل فيه، وقد حرَّم الإسلام الاعتداء على الجار قولاً أو فعلاً، وانتقص من إيمان فاعله، وتوَّعده بالعقاب في الدنيا والآخرة. كما وقد حثّ الإسلام على الإحسان إلى الجار بتفقّد أحواله وإعانته، وتحمل أذاه وستره، وأعدَّ للمحسنين جنات النعيم.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:47، صحيح.
  2. رواه ابن حجر العسقلاني، في الأمالي المطلقة، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:208، صحيح.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2625، صحيح.
  4. محمد صالح المنجد، كتاب سلسلة الآداب المنجد، صفحة 22. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة فصلت، آية:34
  6. رواه القرطبي، في تفسير القرطبي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:6/311، حسن وفي إسناده أبو الفضل عثمان بن مطر الشيباني غير مرضي.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2162 ، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي شريح العدوي خويلد بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6016، صحيح.
  9. ابن حجر الهيتمي]، كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر، صفحة 427. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2560، صحيح.
  11. ابن باز، كتاب مجموع فتاوى ابن باز، صفحة 175. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:2586، صحيح.
  13. عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 39. بتصرّف.
  14. [ناصر الدين الألباني]، كتاب صحيح الجامع الصغير وزيادته، صفحة 323.
  15. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3/239، لا ينزل عن درجة الحسن وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما.
  16. سورة الشورى، آية:43
  17. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 956. بتصرّف.
5222 مشاهدة
للأعلى للسفل
×