مكانة العبادة في الإسلام

كتابة:
مكانة العبادة في الإسلام

العبادة

العبادة لغة

العبادة لغة من الفعل عبد، ومعناها الطاعة مع الخضوع،[١] وقد سمي الطريق المعبد بهذا الاسم لأنّه ذلّل بكثرة الوطء عليه، والعبادة تكون بالحب مع الخضوع، يقول ابن القيم رحمه الله: (والعبادة تجمع أصلين: غايةَ الحبِّ بغاية الذُّلِّ والخضوع).[٢]

العبادة اصطلاحاً

أمّا العبادة اصطلاحاً فهي كما عرفها ابن تيمية رحمه الله: (اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ)،[٣] فالعبادة هي كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال، سواء كانت هذه الأعمال ظاهرة مشاهدة مادية ملموسة، أو كانت باطنة خفية لا يعلمها إلّا الله سبحانه وتعالى كالتفكر والنوايا الحسنة.

مكانة العبادة في الإسلام

للعبادة منزلة عظيمة في الإسلام ومكانة رفيعة ويظهر ذلك من خلال ما يلي:

  • إنّ عبادة الله وحده هي الغاية العظمى والمقصد الأول من خلق الله للإنس والجن، يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). [4] فالله لم يخلق الجن والإنس عبثاً، ولم يخلقهم لغاية غير هذه الغاية، وبناء عليه فإنّ العاقل يتعظ أشدّ الاتعاظ من صراحة هذه الآية، ببيان غاية الله من خلقه للعباد؛ فيتخذها مسلكاً ومنهجاً في حياته لينال الرضا الرباني في الدنيا والآخرة.
  • إنّ عبادة الله تعالى هي السبب الأعظم لإرسال الرسل من الله تعالى إلى الناس، يقول الله تعالى: (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ إِلّا نوحي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدونِ)،[٤] وما من رسول إلا جاء قومه داعياً لهم إلى توحيد الله وعبادته، وصرف الناس عن ترك عبادة غير الله تعالى.
  • إنّ عبادة الله تعالى وحده هي أول نداء نادى الله تعالى به الناس في القرآن الكريم، يقول تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[٥] فقد جعل الله أول نداء للناس في القرآن الكريم هو النداء لعبودية الله سبحانه وتعالى، وذلك إظهاراً لأهمية هذا النداء وعظيم مكانته وأهمية ما نودي من أجله.
  • جعل الله تعالى مقام العبودية لله تعالى أجل وأشرف المقامات، حيث يقول تعالى في وصف نبيه: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ)،[٦]فكلمة "بِعَبدِهِ" فيها تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم بكونه عبدًا لله تعالى، وذلك لأنه من كان عبداً خالصاً لله تعالى تحرر عما سواه من العبوديات الظالمة التي تهضم كرامة الإنسان.
  • وصف الله تعالى للملائكة بوصف العبودية لله، حيث يقول تعالى: (بَل عِبادٌ مُكرَمونَ[٧] فوصف الملائكة بوصف العبادة هو وصف تشريف لهم، وذلك لعظيم مكانة العبادة.
  • جعل الله تعالى العبادة أمراً لازماً غير منفك عمن كان عبداً لله تعالى؛ فقد قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ)،[٨] أي كن عبداً لله تعالى ملازماً لعبادته حتى يأتيك الموت يا محمد؛ فالعبودية وصف باق مع الإنسان ما بقيت فيه حياة.
  • إنّ عبادة الله تعالى هي السبب لدخول الجنة وهي السبيل لرفع الدرجات ونيل الأجر العظيم، يقول تعالى: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي)،[٩]فإن دخول النفس المطمئنة التي عبدت الله حق العبادة تحت مسمى العبودية "عبادي" كان سبباً لدخول الجنة.
  • إنّ عبادة الله تعالى سبب لصلاح الفرد والمجتمع، والعبادة كما هو معلوم ليست مقتصرة على ما يصلح العلاقة بين العبد وربه فحسب، بل إنّ العبادات متنوعة كثيرة منها؛ القولية، والعملية، والقلبية، ومنها ما ينظم علاقة العبد بربه، ومنها ما ينظم علاقة العباد فيما بينهم، ولو أقيمت العبادة بشتى صنوفها لأدى ذلك إلى صلاح العباد في الحال والمآل.
  • إنّ عبادة الله تعالى هي جوهر التوحيد وهي العلاقة الراسخة بين العبد وربه والصلة بينهما، فالصلاة وذكر الله والتأمل والتفكر في خلق الله وعظمته يورث علاقة متينة بين العبد وربه مما يرتقي بالعبد إلى مقامات راقية ترفعه من الحضيض إلى أرقى المنازل، يقول تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)،[١٠]وأي شرف أعظم من هذا الشرف حين يذكر الله عبده ويباهي به ملائكته.
  • إنّ عبادة الله تعالى هي الترجمان العملي للإيمان؛ حيث إنّ الإيمان قول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، وتصديق بالجنان أي القلب.

والعبادات بجميع أنواعها أعمال دالة على الإيمان ولا يكتمل الإيمان من غير عمل يترجمه واقعاً عملياً، يقول تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ*الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ*أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا)،[١١] فقد قرن الله تعالى الإيمان بالعمل القلبي الباطن والعمل الظاهر المشاهد، ثم أكّد على أن من اتصف بهذه الصفات هم المؤمنون حقاً.

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 272. بتصرّف.
  2. ابن القيم، مدارج السالكين، صفحة 115. بتصرّف.
  3. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، صفحة 149. بتصرّف.
  4. سورة الأنبياء، آية:25
  5. سورة البقرة، آية:21
  6. سورة الاسراء، آية:1
  7. سورة الأنبياء، آية:26
  8. سورة الحجر، آية:99
  9. سورة الفجر، آية:27-30
  10. سورة البقرة، آية:152
  11. سورة الأنفال، آية:2-4
6628 مشاهدة
للأعلى للسفل
×