محتويات
ما هي سكرات الموت
المراد بسكرات الموت
كلمة السكرات لغة مأخوذةٌ من الفعل: سَكِرَ يَسْكَرُ سُكْراً، والجمع سُكَارَى وسَكْرَى، والسكران خلاف الصّاحي، وأمّا سكرات الموت: فهي سَكرة الإنسان والعلامات التي تدُلّ على موته، فلفظ سكرات الموت يدُلّ على شدّة الموت وأهواله وكُربه التي تُصيب الإنسان قبل الموت؛ بسبب نزع الملائكة لروحه،[١][٢] حيثُ تخرج روح الإنسان من جميع العُروق والأجزاء والمفاصل، ثُمّ تموت الأعضاء تدريجياً.[٣] قال النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ)،[٤][٥] وقا -تعالى-: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).[٦][٧]
كيف تخرج روح المؤمن والكافر
يكونُ خُروج الروح؛ بارتفاعها إلى أعلى الصّدر؛ وهو التّراقي، ثُمّ تخرُج من الجسد، فإن كانت مؤمنة تصعد إلى السماء وتُفتح لها أبواب السماء، ثُمّ تُعادُ إلى الأرض، وأمّا الكافر فلا تُفتح له أبواب السماء، وتبقى روحه في الأرض مسخوطٌ عليها، ومنه قولهُ -تعالى-: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ* وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ* وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ* وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ* إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)؛[٨] والتفاف السّاقين؛ أي التصاقهما، وقيل معناه ما اجتمع عليه من شدّة النزع في الدُنيا وشدّة ما سيُلاقيه بعد الموت.[٩] تختلف شِدّة خُروج الروح بين المؤمن والكافر، وفيما يأتي بيانُ ذلك:[١٠][١١]
- روح المؤمن: تخرُج روحه بِكُلّ سُهولةٍ ويُسر، حيثُ يطلب منها ملك الموت الخُروج، فتخرج بسهولة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ حتى يَجلِسَ عندَ رأسِه فيَقولُ: أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ، فتخْرُجُ تَسِيلُ كما تسِيلُ القَطْرَةُ من فِي السِّقَاءِ)،[١٢][١٣] وتنزلُ عليه ملائكة بيض الوجوه، ومعهم أكفان من الجنة، ويجلسون أمامه، ويُخرجون روحه بسهولة بعد أن يقولون له: "أيتها النفس المُطمئنة"، وتجعل روحه في الأكفان المُطيّبة، وتخرج منها رائحةٌ طيبة، ويكتبونها في عليّين، ثُمّ تُعادُ إلى الأرض.[١٤]
- ودلّ على ذلك قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ العبدَ المؤمنَ إذا كان في إقبالٍ مِنَ الآخِرةِ وانقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا نزَلَتْ إليه ملائِكةٌ بِيضُ الوُجوهِ كأنَّ وُجوهَهمُ الشَّمسُ، معَهم كفَنٌ مِن أكفانِ الجنَّةِ، وحَنوطٌ مِن حَنوطِ الجنَّةِ)، إلى أن قال: (فيأخُذُها فإذا أخَذَها لم يَدَعُوها في يدِه طَرْفةَ عينٍ حتَّى يأخُذُوها، فيجَعُلونَها في ذلك الكفَنِ وذلك الحَنوطِ، فيخرُجُ منها كأطيَبِ نَفحةِ مِسكٍ وُجِدَتْ على وجهِ الأرضِ، قال: فيصعَدُونَ بها فلا يمرُّونَ بها على ملأٍ مِنَ الملائِكةِ إلَّا قالوا: ما هذه الرُّوحُ الطَّيِّبةُ؟ فيقولونَ: فلانُ بنُ فلانٍ، بأحسَنِ أسمائِه الَّتي كانوا يُسمُّونَه في الدُّنيا، فينتَهُونَ به إلى السَّماءِ الدُّنيا فيستَفتِحُونَ له فيُفتَحُ له)،[١٥][١٤][١٦]
- روح الكافر: تخرُج روح الكافر بعد مُعاناةٍ شديدة، حيثُ تتفرّقُ في جميعِ جسده بعد أن تُبشّرهُ الملائكة بالعذاب والغضب من الله -تعالى-، وتأبى أن تخرُج، ووصف النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ذلك بقوله: (ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللَّهِ وغَضَبٍ، فَتَفْرُقُ في جَسَدِهِ فيَنتَزِعُهَا كَما يُنتَزَعُ السَّفُّودُ من الصُّوفِ المَبْلُولِ)،[١٢] وذكر الله -تعالى- خُروج روح الكافر والفاجر بقوله: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).[١٧][١٨]
الحكمة من شدة سكرات الموت على المؤمن
توجد العديد من الحِكم في الشدّة التي يُلاقيها المؤمن في سكرات الموت، وفيما يأتي بيانها:[١٩]
- شدّة السكرات تكون زيادةً في حسناته، وتكفيراً لسيّئاته[٢٠] ولِما بقي عليه من الذُّنوب، ورفعاً في درجاته ومنزلته، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ)،[٢١][٢٢][٢٣] فيخرج من الدّنيا نقيّاً من الخطايا والذنوب.[٢٢]
- معرفة الخلق مقدار ألم الموت،[٢٤] كما أن في ذلك تسليةً للأُمّة وتخفيفاً عنهم عند مُقارنة شدة الموت وسكراته بما لاقاه الأنبياء وهم أحبُ الخلقِ إلى الله -تعالى-.[٢٥]
المراجع
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي، أحوال المحتضر، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 75. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي السقاف (1433هـ)، الموسوعة العقدية، السعودية: الدرر السنية dorar.net، صفحة 114، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان، مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار، صفحة 76، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6510، صحيح.
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر (الطبعة 124)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 84. بتصرّف.
- ↑ سورة ق، آية: 19.
- ↑ محمد أحمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 11، جزء 138. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية: 26-30.
- ↑ سعيد حوّى (1992)، الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1160، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 80-81. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (1425 هـ)، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، صفحة 221. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 1676، صحيح.
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 84-85. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن جميل زينو (1997)، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة التاسعة)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 247، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 1676، صحيح.
- ↑ عمر الأشقر (1991)، القيامة الصغرى (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 19. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 93.
- ↑ عمر الأشقر (1991)، القيامة الصغرى (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، الحنبلي (2001)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 357، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 85. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5641، صحيح.
- ^ أ ب عبد الله بن عبد الرحمن البسام (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 140، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن سعيد اللّحجي (2005)، منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (الطبعة الثالثة)، جدة: دار المنهاج، صفحة 215، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ حمزة محمد قاسم (1990)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، دمشق: مكتبة دار البيان، صفحة 24، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد الأمين بن عبد الله الأرمي الهرري (2001)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 69، جزء 31. بتصرّف.