صفات الرسل
الصدق
يُعَدُّ الصدق من الصفاتِ اللّازمةِ للرُسلِ جميعهم، ويستحيل الكذب منهم في تبليغهم عن الله -تعالى-؛ لأنَّ الكذب منهم يلزم الكذب على الله -تعالى-، ومما يدلُّ على صدقهم؛ أنَّ الله -تعالى- أيَّدهم بالمعجزات الدالةِ على ذلك، ومن الأدلةِ التي تُثبتُ صدقهم، قوله -تعالى-: (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ).[١]
ولمَّا افترى المُشركون على النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بأنّه أتى بالقُرآن من عنده، أنزل الله -تعالى- قوله: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)،[٢] وهذا يؤكدُ صدقهم في أقوالهم، وفيما يبلِّغونه، واستحالة الكذب عليهم في غير ما يبلِّغونهُ كذلك.[٣]
الأمانة
تُعدُ صفة الأمانة من الصفات اللّازمة للصدق، فلا يُمكنُ للكاذب أن يكون أميناً، فيلزم من ذلك أن يكون الصادقُ أميناً، فيستحيلُ أن يكون النبيّ الذي يأتمنهُ الله -تعالى- على دينه ورسالته خائناً، وتشملُ أمانتُهم الكثير من الفضائل؛ كالمُحافظةِ على حُقوق الناس، وكتمان أسرارهم، وتبليغ الرسالة كما جاءت من عند الله -تعالى-، والالتزام بها، كقولهِ -تعالى- على لسان شُعيب -عليه السلام-: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ).[٤][٥]
كما أنّ تأييد الله -تعالى- لهم دليلاً على أمانتهم وصدقهم، ومن كمال الأمانة عندهم تبيلغهم الرسالة وأدائها على الوجهِ الأكمل،[٦] ويُطلق عليها أيضاً صفة العِصمة؛ وتعني: حفظ الله -تعالى- لهم في ظاهرهم وباطنهم من المعاصي، سواءً الكبائر منها أو الصغائر؛ لأننا أُمِرنا باتِّباعهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم، فقال -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).[٧]
التبليغ
تُعدُّ صفة التبليغ الهدف الأساسيّ من بعثة جميع الرُسل، فلولا ذلك لكان إرسالهُم أمراً عبثيَّاً دون معنىً، وهذا من رحمة الله -تعالى- بالناس؛ فلولا تبليغهم رسالة التوحيد لبقي الناس في حيرتهم وضياعهم وجهلهم، ويتضمّن ذلك تبليغهم وبيانِهم لأركان الإسلام وحقائقه، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المُنكر.
كما يشمل توضيحهم للأسئلة التي تُحَيِّر البشر ولا يستطيعون الإجابة عنها؛ كالسبب من خلقهم، وما سيُلاقونه بعد موتهم، وغير ذلك، بالإضافةِ إلى تبصرةِ الناس وإزاحة الظلام من طريق حياتهم، وتوضيح صراط الله -تعالى- المُستقيم لهم، فالبشر يقومون بالتبليغ كمهمّةٍ ووظيفة، وأمّا الرُسل فيقومون بها كغايةٍ وهدف.[٨]
وترتكز صفة التبليغ على عدةِ أُسسٍ، وسيتم توضيحها فيما يأتي:[٨]
- الأساس الأول: الشُمول
فيكونَ تبليغهم الرسالة بجميعِ أُصولها وطُرقها الصحيحة، عن علمٍ واختصاصٍ في ذلك، مع مراعاة جانب العقل والمنطق والقلب والمشاعر ومن غيرِ إهمالٍ لِأيٍّ منهم.
- الأساسُ الثانيّ: تركُ أُجورهم على الله
وعدم انتظار الأجرِ على تبليغهم إلا من الله -تعالى-، لقوله -سبحانه- على لسان الأنبياء: (إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى اللَّـهِ).[٩]
- الأساسُ الثالث: تركُ نتائج تبليغهم لله -تعالى-
فالرسول موكلٌ بالتبليغ دون تدخُّلهِ في النتائج، فهو لا يُفكّرُ إلّا في دعوته، ويُفني عُمرهُ في سبيل ذلك من غير مللٍ أو اعتراض على نتائجها، لقوله -تعالى-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)،[١٠] وذلك يُعينهم على تحمُّلِ مشاق الدعوة ومصائبها، كالأذى أو الهم أو الغمّ.
فقد أُوذي الرُسل في أنفُسِهِم ولكنّهم تحمّلوا وصبروا، قال الله -تعالى- على لِسانِ هود -عليه السلام-: (قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ* قالَ يا قَومِ لَيسَ بي سَفاهَةٌ وَلـكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ* أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ)،[١١] وهكذا كان هو حالُ جميعِ الأنبياءِ والرُسل -عليهمُ السلام-.
الفطنة
تُعرَّف الفِطنة بأنّها قُدرة الأنبياء على إقامة الحُجَّة على الناس، وقوَّة عُقولهم، وسُرعةِ بديهتهم، وجاءت هذه الصفة في العديد من الآيات، كما في قولهِ -تعالى-: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)،[١٢][١٣] وهي من المَلَكات التي يستطيعُ من خلالها النبيُّ إقامة الحُجّة وإحقاق الحقِّ على خُصومهِ ومُعارضيه؛ لأنَّهم مُختارون من الله -تعالى-.[١٤]
خصائص الرسل
يجوز في حقّ الرُسل الأعراض البشريّة التي لا تُنافي علوَّ مرتبتهم؛ كالمرض، والأعراض الدُنيويّة؛ كالفقر والجوع، والزواج، والنسيان في غير ما أُمروا بتبليغه، وما يُصيبهم منها ليس كإصابةِ غيرهم بها.[١٥]
فجميهم من البشر ولكنَّ الله -تعالى- اختارهم من بين جميعِ خلقه، واصطفاهم بالرسالة والنُّبوة والمُعجزات، وأمرهم بتبليغها للناس، ودعوتهم إلى عبادة الله -تعالى- وحده، والبُعد عن الشرك، لِقولهِ -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).[١٦][١٧]
وجُعِل لِكُلّ رسولٍ منهم شريعةٌ خاصةٌ تُناسبُ حاله وحال قومهِ، ووصَفَهُم بأعلى المقامات وهي العُبوديَّة، وهم لا يملكون النفع أو الضُر، ولا يعلمون شيئاً من الغيب إلا ما أطلعهم الله -تعالى- عليه، فقد قال الله -تعالى- على لِسان نبيه مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).[١٨][١٧]
لكنّ الرسل يمتلكون الذكاء وطهارة القلب، والصدق في الإيمان، وحُسن الخُلق، وكمال الدين، أكثر من غيرهم، كما اختصَّهم الله -تعالى- بالعديدِ من الصفات؛ كالوحيِّ والرسالة، والعِصمة فيما يبلِّغونه من الأحكام والعقيدة، وعدم توريث ما بقي بعدهم، وعدم نوم قلوبهم، وإنّما تنامُ أعيُنهم فقط، ويُخيَّرون عند موتهم بين الدُنيا والآخِرة، ويُقبَرون حيثُ يموتون، ويبقون أحياءً بها يُصلون، ويُحرم الزواج بِنِسائهم بعد موتهم.[١٩]
وجميع الرُسل بشرٌ في شؤونهم البشريَّة والفطريَّة، ولكنّ الله -تعالى- اختصَّهم بالكمال الإنسانيِّ من حيث العُلوم والفضائل والآداب والأخلاق؛ لأنّهم مُعلّمين للبشر، وليكونوا قُدوةً لهم.[١٧]
المراجع
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 22.
- ↑ سورة الحاقة، آية: 44-47.
- ↑ حسن محمد أيوب (1983)، تبسيط العقائد الإسلامية (الطبعة الخامسة)، بيروت - لبنان: دار الندوة الجديدة، صفحة 139-140، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 88.
- ↑ محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، مكة المكرمة: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 60-61، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ، الحاجة إلى الرسل ، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 22-24. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ^ أ ب محمد فتح الله كولن (2005)، من صفات الأنبياء ومكانتها من سيد الأصفياء (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار النيل للطباعة والنشر، صفحة 101-111. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية: 72.
- ↑ سورة القصص، آية: 56.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 66-68.
- ↑ سورة النساء، آية: 165.
- ↑ سعيد حوّى (1992)، الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 811، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، مكة المكرمة: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 61، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد بن يوسف السَنوسي (2006)، شرح صغرى الصغرى في علم التوحيد (الطبعة الأولى)، عمان - الأردن: دار الرازي للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 96. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 36.
- ^ أ ب ت تامر محمد محمود متولي (2004)، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ماجد عسيري، صفحة 704-705. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 188.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 78-81. بتصرّف.