ما هي عيوب الرضا في القانون

كتابة:
ما هي عيوب الرضا في القانون

العقد القانوني

مع تقدّمالمجتمعات الإنسانيّة وتطوّرها عبر الزمن، ومع تعدّد رغبات الإنسان في القِيام بالكثير من النّشاطات إشباعًا لرغباته التي أصبحت من ضروريّات الحياة  في الوقت الراهن, الأمر الذي دفع به إلى الارتباط بغيره من بني البشر بعلاقاتٍ متعدّدة أيًّا كان نوع هذه العلاقات؛ اجتماعية أم اقتصادية أم تجارية, وهذا بدوره قادَه إلى أن تكون هنالك حاجة ماسّة إلى مَن ينظّم هذه العلاقات المختلفة، لا سيّما أن تلك العلاقات غالبًا ما تتخلّلها حقوق والتزامات قانونيّة يجب الوفاء بها من قبل أطراف العلاقة ذاتها أو لأشخاص آخرين قد تمدّ لهم تلك الآثار القانونية, وكانت خير وَسيلة لتنظيمها العقود على اختلاف أنواعها وأشكالها مثل عقود البيع والشراء والإيجار والوكالة ... إلخ.[١]

مفهوم عيوب الرضا

نظرًا لأهميّة العقود في حياة الإنسان فقد تولّت التّشريعات القانونيّة على مختلف أنواعها تنظيمها ووضع الشروط الّلازمة لانعقادها وصحّتها, وعليه كان من الضروريّ التعريف بماهية العقد القانوني والشروط الواجب توفرها فيه قبل الدخول في بيان حالات عيوب الرضا التي قد تعتري العقد أثناء أو بعد إبرامه, والتي من الممكن أن تؤثّر عليه تأثيرًا مباشرًا قد يصل في بعض الأحيان إلى اعتباره عقدًا باطلًا أو تجعل منه عقدًا موقوفًا، ويعدّ العقد وسيلة ذات صفة رضائيّة تهدف إلى تنظيم العلاقات وتعاملات الناس مع بعضها البعض، وهو وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الرّاهن؛ لأنّ الإنسان غالبًا ما يحتاج هذه الوسيلة لإشباع رغباته وسدّ احتياجاته الضرورية, مثل عقود شراء والبيع أو عقود التّأجير أو عقود الرهن العقاري ... إلخ من التصرّفات القانونيّة التي تستلزم إبرام العقود على اختلاف أنواعها.[٢]

ولقد ورد في المادّة 87 من القانون المدني الاردني تعريف بأنّ العقدَ بأنه "ارتباط الإيجاب الصّادر من أحد المتعاقدين بقَبول الآخر، وتوافقهما على وجه يثبت

أثره في المعقود عليه ويترتّب عليه التزام كلٍّ منهما بما وجب عليه للآخر"، وعليه فإنّ العقد ما هو إلّا توافق إرادتَيْن أو أكثر على إحداث أثر قانونيّ يعتدّ به القانون، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه, ولذلك فإنّ العقد القانوني بداية لا بُدّ أن تتوفّر فيه الرضائية التي سوف تنشىء العلاقة القانونية على أساسها، وتكون صالحة لإنتاج الأثر القانونيّ لهذا العقد, وعليه فإنّه إذا لم تتجه إرادة أطراف العقد إلى إحداث آثار قانونية فإنّنا لن نكون بأيّ حال من الأحوال أمام عقد قانونيّ بالمعنى الصحيح الذي أوردته النصوص التشريعية, وعليه ينبغي توفّر الأركان الآتية:[٣]

  • التّراضي.
  • المحلّ.
  • السّبب.
  • قد يُشترط في بعض الأحيان ركنٌ رابع هو الشّكل.

وفي حالة فقدان ركن من هذه الأركان فإنّ العقد يعد باطلًا بطلانًا مطلقًا, إذًا، فإنالعقد ما هو إلا توافق إرادتين لإنشاء التزام ذي طبيعة قانونية وأيضا من بين أهم الشروط الواجب توفّرها لصحّة العقد أن يكون كلٌّ من طرفَيْ العقد متمتّعًا بالأهلية القانونية، وأن تكون إرادة كلٍّ منهما خالية من العيوب.[٤] ولا بد من بيان المقصود بالرضا قبل الدخول في بيان مجموعة العيوب التي قد تعترضه لاحقًا، فالرضا هو تطابق إرادتين هما الإيجاب والقَبول في العقد، أو ما يقوم مقامهما, كذلك  يرى البعض أن الرضا في الأساس يعني تحرُّك إرادة أطراف العقد باتجاه شىء ما وتعلّقها به:[٥]

  • الإيجاب: هو تعبير يصدر من أحد طرفَيْ العقد في مواجهة الطّرف الآخر عارضًا عليه الدخول في علاقة قانونية بموجب هذا العقد الذي سوف يتم الاتفاق عليه لاحقًا وفقًا لشروط معيّنة.
  • القبول: هو التعبير الذي يصدر عن الطرف الثاني والذي بمقتضاه يقبل بالعقد المعروض عليه، فإذا ما اقترن القبول بإلايجاب فإن العقد ينعقد في هذه الحالة وينتج عنه آثارٌ قانونية يعتد بها في القانون، ويشترط في القبول أن يكون مطابقًا للإيجاب تمامًا دون زيادة أو نقصان، وبصفة عامة يجوز التعبير عن كل من الإيجاب والقبول باللفظ والكتابة أو بالإشارات المعروفة، إلّا أنه يوجد استثناءات في هذا الجانب نَصّ عليها القانون، مثل نزع الملكية للمصلحة العامة، إذ لا يُشترط هنا توفر القبول؛ لأن الأمر يتعلّق بمصلحة أعلى من مصلحة الطّرف الثاني في العقد لا سيّما أنّ أغراضَ نزع الملكية الخاصة تكون لمصلحة المجتمع بأكملِه، والرّضا هو أمر داخليّ يتعلّق بالإرادة، وبالتالي كان لِزامًا التعبير عنه صراحة أو ضمنًا، ومن هنا نشأت نظريتان نظرية الإرادة الظاهرة و الإرادة الباطنة، وعليه يرى العديد أن الرضا في العقد القانوني ينبغي أن ينصب على أصل العقد، وكذلك الأمور الفرعية التي تتصل به, ومن هنا نجد أن الرضا هو الأصل في التعاقد، ولكن قد يشوب هذا الرضا في بعض الأحيان عيوب ما تجعل من هذا العقد باطلًا، وليس له أيّ أثر قانوني.

عيوب الرضا في القانون

هي كلّ عيب من الممكن أن يطرأ على المتعاقد نفسه، ويجعل من رضائه مَعيبًا، والذي بدوره يؤدّي إلى انعدام الأثر القانونيّ للعقد المبرم, فالعيب هنا نتج عن اختلال في رضا أحد المتعاقدين أدّى إلى أن يكون رضاؤه معيبًا، وهذا من الممكن أن يؤدّي إلى انعدام أيّ أثر قانوني للعقد, ويشترط في الرضا لكي يكون صحيحًا أن يكون قد صدَر من شخص ذي أهلية قانونية كاملة وإرادة سليمة لا يشوبها أيّ عيب من عيوب الرضا, لذا أقرّت العديد من التشريعات القانونية مجموعة من العيوب وأوردتها على سبيل الحصر لا المثال؛ رغبةً منها في عدم التوسّع فيها؛ كي لا يتضرر أحد المتعاقين, وهذه العيوب هي:

الغلط أو التدليس

يُقصد به توهّم ينشأ في نفس الشخص يحمله على اعتقاد شيء ما مخالف للواقع يدفعه إلى إبرام العقد, وعليه؛ فالغلط بهذا المعنى هو ذلكالوهم الذي تقع فيه الإرادة بتصورها غير الحقيقة، سواء كان الغلط في القانون أم في الواقع, والغلط بهذا المعنى إذا شاب الإرادة يجعل التصرف قابلًا لإبطال مصلحة من وقع فيه، ولقد حاول المشرع القانوني في معالجته لمفهوم الغلط أن يتوافق مع مفهوم الغلط فيالفقه الإسلامي الذي ذهب هو الآخر إلى القول أن الغلط ما هو إلا أمر كاذب يتولد في ذهن الشخص, وعليه يشترط في الغلط أن يكون كالآتي:[٦]

  • غلطًا جوهريًا: أي بمعنى أن الغلط وقع على صفة أساسية في الشيء أو أنه حصل في شخص المتعاقد ذاته أو في أحد صفاته الأصلية, كإبرام عقد شراكة مع شخص يتبين فيما بعد أنه ليس ذات الشخص المقصود بشخصه, والذي تم ابرام العقد من اجله·
  • غلطًا متّصلًا: بعلم المتعاقد الآخر أي أن الغلط في هذه الحالة يكون مشترك بين الطرفين أو كان من السهل عليه معرفته، وهنالك غلط يمنع انعقاد العقد ابتداءً وهو ذلك الغلط, الذي يقع في ماهية العقد ذاته أو في شرط من شروط الانعقاد أو الغلط الذي يعيب رضا أحد الأطراف.

الإكراه

هو إجبار المتعاقد أو التّهديد دون وجه حقّ بخطر يحيط به أو بآخرين غيره ممّا يدفعه بموجب هذا التّهديد إلى إبرام العقد، وهنا يميّز فقهاء القانون بين الإكراه الملجىء الذي يقضي بإيقاع خطر جسيم على الجسم أو المال مثل التهديد بالقتل أو بإتلاف المال, ومثل هذه النوع من الإكراه يجعل العقد باطلًا لأنه يفسد الاختيار والإرادة، وبين الإكراه غير الملجىء الذي هو دون ذلك بمعنى لا يصل إلى حدّ التهديد بالقتل أو إتلاف المال كما اُسلف ومثله التهديد بالحبس أو الاعتداء بالأقوال والألفاظ وهذا لا يؤثّر إلا على التصرفات القوليّة دون الفعلية, أمّا حكم الإكراه كونه ملجئًا أم غير ملجىء فإنّه يجعل العقد الذي تم إبرامه مشوبًا بعيب من عيوب الرضا موقوفًا إلا إذا أجازه المكره نفسه.[٧]   

التغرير

هو النوع الثالث من عيوب الرضا ويُعنى به أن يقوم أحد أطراف العقد بخداع الطرف الآخر بوسيلةاحتيالية قولًا أو فعلًا تدفعه على الموافقة على إبرام العقد, ولولا هذا النوع من الخداع الذي تعرض إليه لما لجأ إلى التعاقد, وعليه يشترط لحدوث مثل هذا الأمر, أن يتم استخدام وسائل احتيال، وهي قد تكون إما بالأفعال أو بالأقوال, ولا بد في هذه الحالة أن يؤدّي التغرير إلى وقوع غبن فاحش على الطّرف الذي تمّ التغرير به، يكون هو الدافع الرّئيس إلى التّعاقد، يتّصل بإرادة أحد المتعاقدين، وعلى هذا الأساس فإنّ حكم التغرير يجعل من العقد قابلًا للفسخ؛ لوقوع الضرر.[٨]

المراجع

  1. عبدالرحمن زعل الشرايعة (2014)، الضوابط القانونية والشرعية للرضا بالعقود (دراسة مقارنة)، صفحة 1. بتصرّف.
  2. عبد الامير كاظم، نظرية العقد في الفقه الااسلامي، صفحة 15. بتصرّف.
  3. د.عبدالرحمن زعل (2014)، الضوابط القانونية والشرعية للرضا بالعقود (دراسة مقارنة )، صفحة 10. بتصرّف.
  4. عصمت عبدالمجيد بكر، نظرية العقد في القوانين المدنية العربية دراسة مقارنة، صفحة 30. بتصرّف.
  5. عبدالرزاق احمد السنهوري، اصول علم القانون، صفحة 245. بتصرّف.
  6. د.بشار عدنان ملكاوي، نظرية العقد في القانون المدني الاردني بين الارادة الظاهرة والارادة الباطنة، صفحة 285. بتصرّف.
  7. "الاكراه تعريفه انواعه شروطه اثره"، www.alukah.net، 2014-06-18، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  8. فواز الصالح، القانون المدني (مصادر الالتزام 1)، صفحة 46. بتصرّف.
11073 مشاهدة
للأعلى للسفل
×