الحديث المعلق
إنّ الأحاديث النبوية هي محط عناية ودراسة العلماء قديمًا وحديثًا، وقد فصلّوا وبيّنوا في أنواع الأحاديث واختلاف أنواع هذه الأحاديث راجع إلى الاختلاف في جهة النظر وحيثية الدراسة فالأحاديث من حيث الاتصال والانقطاع، منها المتصل والمرسل والمعلّق والمنقطع والمعضل، فالمتصل هو ما كان جميع الرواة مذكورين في سند الحديث أمّا المعلّق فهو الحديث الذي حُذف من بداية إسناده راوٍ أو أكثر، وقد بيّن ابن حجر العسقلاني في كتابه نزهة النظر صور الحديث المعلّق، فالصورة الأول يكون الحذف فيها قد طال الإسناد كاملًا، فيقول المحدّث حينها قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دون أن يذكر أي راوٍ في سلسلة الإسناد، وقد يحذف المحدّث جميع الرواة ويبقي على اسم الصحابي أو التابعي راوي الحديث عن رسول الله، أمّا الصورة الثالثة فهي أن يحذف المحدّث شيخه الأول من السند، وسيّتحدّث هذا المقال عن معلقات البخاري.[١]
ما هي معلقات البخاري
إنّ معلقات البخاري هي الأحاديث التي أوردها الإمام البخاري في صحيحه مرفوعةً إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولكنّه حذف أسانيدها كاملة، أو حذف الراوي الأول الذي يقع في بداية السند وروى عن شيخ شيخه مباشرةً دون أن يذكر الواسطة بينهما، والتعليق بهذه الصورة ليس من صنيع البخاري وحده فقد فعله جملة من الأئمة والمحدّثين كمسلم والشافعي ومالك، ولهم أسباب تتبيّن بعد الدراسة والبحث،[٢] أمّا عن حكم معلقات البخاري ففيها تفصيل حيث إنّ البخاري قد أكثر من التعليق في صحيحه، ومن الكتب التي اهتمّت بمعلقات البخاري كتاب تغليق التعليق لابن حجر حيث ذكر في هذا الكتاب الأحاديث المعلّة التي وردت في صحيح البخاري وتتبّع أسانيدها وعزاها إلى من رواها.[٣]
وبالنسبة لحكم المعلقات فهو يعود إلى حالة هذه المعلقات، فالحالة الأولى يكون البخاري قد علّق فيها ولكنّه استخدم صيغة الجزم، ومن أمثلة هذه الصيغ قول البخاري قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أو قال ابن عبّاس قال رسول الله، أو قال ابن عمر أو ذكر نافع أو قال نافع، إلى غير ذلك من الصيغ التي يكون فيها الفعل مبني للمعلوم، أمّا الحالة الأخرى فهي التي يكون التعليق فيها بصيغة التمريض، كأن يقول البخاري يُقال أو يُروى أو يُذكر، فالحالة الأولى التي ذُكرت بصيغة الجزم فيُحكم لها بالصحة، أمّا الأحاديث المعلّقة بصيغة التمريض فمنها الصحيح والحسن والضعيف، ولا بدّ فيها من الدراسة والتتبع والنظر والعودة إلى الكتب التي ذكرت هذه الأحاديث بأسانيدها وبيّنت درجتها من الصحة والضعف.[٣]
أمّا عن أسباب التعليق فهي متعددة حيث من الممكن أن يكون البخاري قد أورد الحديث معلّقًا في باب ووصله في بابً آخر فحذف الإسناد في هذه الحالة يكون من أجل الاختصار وليس بسبب الإهمال أو وجود سبب آخر، وقد يكون البخاري قد أورد الحديث معلقًّا لأنّه قد يكون سمع الحديث من شيخه إلّا أنّه قد شكّ في سماعه لهذا الحديث فأورده معلقًّا منعًا لحصول اللبس والإشكال.[٤]
حكم الحديث المعلق
إنّ حكم الحديث المعلّق ينقسم إلى قسمين، حيث إنّ حكم الحديث المعلّق بالإطلاق هو الرد والسبب في ذلك أنّ الحديث المعلّق قد فقد شرطًا من شروط الصحة وهو الاتصال بسبب حذف راوٍ أو أكثر،[٥] ولكن لا بدّ من التفصيل في حكم المعلّق حيث إنّ الحكم يجب أن يتم بعد تتبع طرق الحديث وجمعها، فإن لم يجد الباحث بعد تتبعه لطرق الحديث المعلّق المراد الحكم عليه حديثًا متصلًا بنفس المتن فيُحكم حينئذٍ على هذا الحديث بالضعف لأنّ الرواة الذين سقطوا من السند هو رواة مجهولون وبالتالي فإن عدالتهم مبهمة، فالرواة منهم الكذّاب ومنهم الضعيف.[٦]
ومن الأمثلة على هذا النوع من الأحاديث ما علقّه الحافظ ابن عبد البر وهو قول رسول الله: "مَا مِن مُسلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبرِ أَخِيهِ كَانَ يَعرِفُهُ فِي الدُّنيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيهِ السَّلامَ"، [٧]وقد بحث العلماء عن هذا الحديث ولم يجدوا له سندًا متصلًا فحكموا عليه بالضعف، إلّا أنّ البعض قد صحّح هذا الحديث تبعًا لابن عبد البر الذي صحّحه في تعليقه عليه، أمّا إذا وجد الحديث المعلّق المراد الحكم عليه متصلًا في كتاب آخر بعد البحث والاستقصاء وجمع الطرق، فتجري عليه قواعد النقد المعتبرة في هذا الفن فإمّا أن يكون الحديث صحيح إذا حقّق شروط الصحة وإمّا أن يكون الحديث حسن أو ضعيف، كما يمكن الاستعانة بفهم علماء الحديث للحكم على حديث معيّن بالصحة أو الضعف.[٦]
صحيح البخاري
إنّ صحيح البخاري هو أحد الكتب الحديثية المهمّة جدًا واسمه الكامل الذي أطلقه عليه عليه مؤلفه الإمام البخاري هو: "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلّى الله وسلم وسننه وأيامه"، وقد أظهر البخاري عناية فائقة بالصحيح وقال عن تأليفه له: "صنفّت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة، وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله"، أي أنّه قد بحث في 600 ألف حديث حتى أخرج الأحاديث التي وضعها في صحيحه وعددها هو قرابة 2500 حديث بدون المكرّر أماّ مع المكرّر فقد بلغ عدد أحاديثه ما يقرب من 7563 حديث، أمّا عدد كتبه التي عقدها البخاري في صحيحه فقد بلغ 97 كتاب وأولّ كتاب هو كتاب الوحي ثمّ الإيمان ثمّ العلم ثمّ بدأ بالأحاديث التي تخصّ العبادات كالصلاة والصوم وغير ذلك من الكتب، وقد تلقّت الأمة كتاب البخاري هذا بالقبول حيث قال ابن كثير عنه: "أجمع العلماء على قبول صحيح البخاري وصحّة ما فيه، وكذلك سائر أهل الإسلام".[٨]
المراجع
- ↑ "أرشيف ملتقى أهل الحديث "، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "ما هي أسباب وجود المعلقات في صحيح البخاري "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ^ أ ب "شرح كتاب التدليس في الحديث للدميني - محمد حسن عبد الغفار"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "المعلقات في صحيح البخاري"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "أرشيف ملتقى أهل الحديث - 2"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ^ أ ب "كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن تيمية، في حقوق آل البيت، عن غير معروف، الصفحة أو الرقم:60، حديث ثابت.
- ↑ "نبذة تعريفية مختصرة بكتاب صحيح البخاري"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.