نتائج الهجرة النبويّة من مكة إلى المدينة
يمكن تعريف الهجرة النبوية أنّها الرحلة الخالدة التي قام بها النبيّ -صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وكان تاريخ الهجرة النبوية بعد البعثة بثلاث عشرة سنة، وتمثلت أسباب الهجرة بأسباب تتعلق بالمسلمين وأذى قريش لهم، وأسباب أخرى تتعلق بنشر الإسلام، وقد نتج عن هذه الرحلة مجموعة من النتائج، تفصيلها فيما يأتي.[١]
توحيد كلمة العرب
اجمتعت كلمة العرب وارتقى شأنهم، فبعد أن كانوا أُمماً متفرّقين جاء الإسلام ووحّد كلمتهم وألّف بين قلوبهم، وأعزّهم وأكرمهم، وأخرجهم من ظُلُمات الجهل والضلالة، إلى أنوار العلم والهداية، وكانت مشكاة هَدي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تُطِلّ برونقها الربّانيّ، بما فيها من فيض الحكمة والرشاد.[٢]
بناء مسجد قباء
بناء أوّل مسجدٍ في الإسلام وهو مسجد قباء الذي كان النقطة الفاصلة في حياة المسلمين لإقامة العبادات، ومركز تجمّعٍ للجيوش، ومكان استقبال للوفود الدّاخلة في الإسلام، وكان مَقرّاً للقضاء بين المسلمين بالعدل والحقّ؛ بقضاء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكذلك كان المسجد مكاناً للأخذ بالشورى بين المسلمين في أمور دينهم ودنياهم.[١]
العيش بمعزلٍ عن أذى قريش
العيش في معزل عن أذى المشركين وإقامة مجتمعٍ مسلمٍ؛ فقد ساد الإسلام البلاد واتّخذ مكانًا فيها، فصار للمسلمين بلداً مستقلاً؛ ممّا يزيد شعورهم بالاطمئنان والنصر، وانتشر الحكم الإسلاميّ فيها بأحكامه وآدابه وعقائده.[٢]
تعزيز التكافل الاجتماعي
التكافل الاجتماعي الذي جسّدتْه المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ والتي سطّرت أسمى معاني الإيثار والمحبّة في سبيل الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد ضحّى الأنصار في سبيل تقديم العون لإخوانهم المهاجرين وقاسموهم في أموالهم وديارهم، وغيرها، وجاء القرآن يصِف هذا التآخي، فقد قال الله -تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣]
إقرار نظام سياسي إسلامي
تأسيس نظامٍ سياسيٍّ إسلاميٍٍّ من أجل تنظيم شؤون المدينة المنورة؛ فقد وحّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بين سكان المدينة، وكتب كتاباً يقرّر لكُلّ سُكّانها حقوقهم ويُبيّن واجباتهم.[١]
إقرار نظام اقتصادي إسلامي
إقامة وبناء السوق الذي يقوم على العدل والمساواة في إطار الدين الإسلاميّ، ممّا جعل النّاس يطمئنوا لهذا السوق فهجروا سوق بني قينقاع إلى سوق المسلمين في المدينة لانتشار الصّدق والأمانة فيه، والبعد عن أسباب الغِش والاحتكار.[١]
بناء قوة عسكرية إسلامية
بدأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بإعداد جيشٍ إسلاميٍّ مقاتلٍ في سبيل الله -تعالى-، يكون نصراً وحمايةً للإسلام، وهذا الجيش المؤمن بالله حقًّا هزم في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أقوى جيوش الدنيا؛ الروم والفرس.[١]
توسيع دائرة الدعوة الإسلامية
زيادة أعداد الداخلين في الإسلام، ممّا زاد قوّته؛ فقد كانت الهجرة من أعظم أسباب سطوع الحقّ على الباطل، ونصرته ورفعتهِ، وقد علت كلمة الله -عز وجل- على كلمة الكفر.[٢]
دروسٌ مستفادة من الهجرة النبويّة
إنّ من أهمّ ما يُستفاد من هذه الهجرة العظيمة؛ ما يأتي:[٤]
- الهجرة كانت وحيّاً من الله -عز وجل- لرسوله الكريم -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد جاء الإذن من السّماء للنبيّ بالهجرة، فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (رَأَيْتُ في المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِن مَكَّةَ إلى أرْضٍ بها نَخْلٌ، فَذَهَبَ وهَلِي إلى أنَّها اليَمامَةُ أوْ هَجَرُ، فإذا هي المَدِينَةُ).[٥]
- حفظُ الله تعالى لنبيّه وخليله -صلّى الله عليه وسلّم- ظاهراً وجليّاً من أوّل بعثتِه إلى أن وصل المدينة مع أصحابه، فقال الله -سبحانه وتعالى-: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).[٦]
- دور الصحابي الصديق أبي بكر -رضي الله عنه-، وصُحبته للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتعدّ هذه منقبةٌ عظمى من مناقبه الشريفة، وما هذا إلّا تكريماً له وامتناناً عليه من الله -تعالى-.
- تجلّي عناية الله -تعالى- للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما اجتمع عليه المشركون، فأخذ حفنة من التراب وألقاها على رؤوسهم وهو يتلو فاتحة سورة ياسين: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)،[٧] فخرج النبيّ ترافقه عناية الله -سبحانه وتعالى-، ولم يلحظْ المشركون خروجه.[٨]
- الأخذ بالأسباب؛ ومن ذلك ما قام به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الأسباب؛ فقد أمر أبا بكر -رضي الله عنه- أن يبتاع راحلتين قبل مجيء الهجرة، وأنّه قد استأجر ابن أُريقط؛ وذلك من أجل أن يدلّهم على الطريق بدقّةٍ، وأخيراً دخولهما في غار ثور فقد مكثا فيه ثلاثة أيّامٍ.[٨]
- إنزال الطمأنينة على قلبِ النبيّ في أحلك الظروف وأقساها، لمّا دخل النبي وأبو بكر الغار والقوم يلاحقونه من خلفه وقد تمركزوا على بوابة الغار، إذ بأبي بكر يخاف قلبه خشية على النبيّ،قال -تعالى-: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[٩][٨]
تعددت نتائج الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، والتي كان من أهمّها إقامة دولة للمسلمين في المدينة المنورة، وانتشار الدين الإسلامي في شتى بقاع الأرض.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج جامعة المدينة العالمية ، أصول الدعوة وطرقها، صفحة 171-175. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد بن إبراهيم الحمد ، الهجرة دروس وفوائد، صفحة 21-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:9
- ↑ أمين الشقاوي، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة، صفحة 476-478. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:3622، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية:67
- ↑ سورة يس، آية:9
- ^ أ ب ت عبد الحي يوسف، دروس الشيخ عبد الحي يوسف، صفحة 4-6. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:40