ما يحرم على الجنب

كتابة:
ما يحرم على الجنب

الجنابة

إنّ الجنابة في اللغة ضد القرب والقرابة، واجتناب الشيء ومجانبته تعني الابتعاد عنه وتركه جانبًا، فهي تدلّ على البعد، ويُقال جنب الرجل وأجنب أي أصابته جنابة فهو جنب، وقد قال الأزهري في السبب الذي سميّت به الجنابة بهذا الاسم: "إنّّما قيل له جنب؛ لأنّه نُهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، فتجنّبها وأجنب عنها، أي تنحّى عنها"، كما قيل أيضًا أن السبب هو: مجانبة الإنسان للناس وهو في الجنابة حتّى يتطهر ويغتسل، ولفظ الجنب يُطلق على الذكر والأنثى ويستوي فيه الإفراد والتثنية والجمع قيُقال للجميع جنب مهما كان العدد، وقد عرّف الإمام النووي الجنابة اصطلاحًا فقال: "تُطلق الجنابة في الشرع على من أنزل المني، وعلى من جامع، وسُمّي جنبا؛ لأنّه يجتنب الصلاة والمسجد والقراءة ويتباعد عنها"، كما تمّ تعريف الجنابة بأنّها: أمر ٌمعنوي يقوم بالبدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخِّص، وسيّبين هذا المقال ما يحرم على الجنب من الأعمال والعبادات.[١]

ما يحرم على الجنب

إنّ ما يحرم على الجنب موجودٌ ومفصّل في الكتب الفقهية ولكن بعض الكتب قد تذكر هذا الموضوع باختصار كأن يُقال يُحرم على الجنب ما يحرم على المحدث بالإضافة إلى قراءة القرآن والمكوث في المسجد،[٢] ولكنّ التفصيل في هذه الأمور ممّا يحتاجه المسلم في حياته اليومية ويسعى لمعرفته كي يتحرّى لأمر دينه ويتثبّت من صحّة العبادات والفرائض التي يؤديّها، كما أنّ ما يحرم على الجنب هو ذاته ما يحرم على الحائض والنفساء والمحدث حدثًا أصغر، أي تُحرم الصلاة ويُحرم الطواف حال الجنابة بالإضافة إلى حرمة مس المصحف أو جزء منها إلى غير ذلك من الأمور التي ذُكرت آنفًا، فالصلاة تُحرم على الجنب سواءٌ كانت نفلًا أو فرضًا ويُلحق بها سجود التلاوة وهذا بإجماع أهل العلم والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}،[٣] كما يحرم على الجنب الطواف بالكعبة، فالطواف بالبيت له حكم الصلاة وهو مما يحرم على الجنب فرضًا كان أو نفلًا.[٤]

كما يحرم على الجنب مس القرآن الكريم وذلك لقوله تعالى في سورة الواقعة: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}،[٥] وجميع ما تمّ ذكره من حرمة الصلاة والطواف ومس القرآن هو من الأمور المحرّمة على الجنب والمحدث حدثًا أصغر، ويُضاف فيما يحرم على الجنب دون المحدث حدثًا أصغر تحريم تلاوة القرآن الكريم وقد فصّل الفقهاء في هذه القضية حيث قالوا بحرمة تلاوة الجنب للقرآن بلسانه ولو قرأ حرفًا واحدًا أو آيةً فقط، وهذا هو المختار عند الحنفية والشافعية، فالتحريم عندهم متعلّق بقصد التلاوة أمّا إذا قصد من ترديده لآيات القرآن الكريم الدعاء أو الثناء أو افتتاح أمر أو الاستعاذة أو الأذكار أو التعليم فيجوز له ذلك.[٤]

ومن الأمثلة على ذلك الدعاء عند الركوب وترديد الآية القرآنية: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}،[٦] فهذا الترديد على سبيل الدعاء والذكر وليس التلاوة، ومثله القول عن النزول بمكان جديد: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}،[٧] إلى غير ذلك من أمثلة الآيات القرآنية التي تشتمل على صيغ الذكر والدعاء، كما أنّ قراءة الفاتحة وسورة الإخلاص وآية الكرسي جائز إذا كانت بقصد الذكر أمّا إذا كانت بقصد التلاوة فهي مما يحرم على الجنب ترديده، ودليل التحريم ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُقرئُنا القرآنَ على كلِّ حالٍ ما لم يكن جُنبًا"،[٨] فتعظيم القرآن يقتضي امتناع الجنب عن قراءته حال جنابته أمّا إذا جرى على لسانه بدون قصد فلا يُحرم ذلك.[٤]

أمّا الحنابلة فقد أجازوا قراءة جزء من الآية مالم يكن المقطع طويلًا حتى ولو كرّرت، كما أجازوا هم والحنفية تهجية القرآن الكريم لأنّه ليس قراءة، وأجاز المالكية القراءة اليسيرة إذا كانت بقصد التعوّذ والاستشفاء، أمّا النظر للمصحف فهو جائز باتفاق الفقهاء، كما أنّ الاعتكاف في المسجد هو مما يحرم على الجنب أيضًا، وكذلم الأمر بالنسبة لدخول المسجد فهو مما يحرم على الجنب والدليل قول السيدة عائشة: "جاء رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"،[٩] وقد قال الحنفية والمالكية أن الدخول والمكوث والعبور من المسجد محرّم على الجنب، أمّا الحنابلة والشافعية فقالوا بأنّ المحرّم هو المكوث والتردّد عليه لغير حاجة أمّا مجرد العبور فجائز والدليل قوله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}،[١٠] وعابر السبيل هو المسافر.[٤]

ما يباح للجنب

إنّ دائرة المباحات بالنسبة للجنب هي أكبر من دائرة المباحات بالنسبة للحائض والنفساء حيث أنّ الجنب يُباح له أن يعود ويجامع زوجته قبل أن يغتسل وقد استحّب بعض الفقهاء غسل الفرج والوضوء قبل ذلك في حين اعتبر آخرون الوضوء واجب في تلك الحالة، أمّا عن صوم الجنب فيجوز أن يشرع بالصوم قبل الاغتسال ثمّ يغتسل ويصوم يومه والدليل قول السيدة عائشة: "أَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُصبحُ جُنُبًا ثم يغتسلُ ثم يغدو إلى المسجدِ ورأسُه يقطُرُ ثم يصومُ ذلك اليومَ"،[١١] كما يُباح له الذكر من تسبيحٍ وتحميدٍ وتهليل واستغفار، أمّا عن الأكل والشرب فقد استحبّ الحنفية أن يتمضمض الجنب ويغسل يديه قبل أن يشرع في تناول طعامه وشرابه كما نُقل هذا الاستحباب عن سعيد بن المسيّب والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وقد قال مجاهد يغسل كفيّه.[١٢]

حكم الاغتسال من الجنابة

لقد ثبتت مشروعية الاغتسال في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومعنى ذلك تعميم الجسد كله بالماء، كما تجري عليه الأحكام الشرعية فقد يكون الغسل مستحبًا وقد يكون واجبًا،[١٣] وبالنسبة للاغتسال من الجنابة فهو واجب وفرض بإجماع المسلمين، لقوله تعالى في سورة المائدة: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}، [٣] وفي ترك الاغتسال من الجنابة أثمٌ عظيم ومهلكة كبرى للإنسان، فقد جاء الوعيد بالعذاب لمن قصّر في الاغتسال فكيف بتركه بالكليّة والتارك للاغتسال من الجنابة إمّا أن يكون تاركًا للصلاة وفي هذا تعريض النفس لسخط الله وعقوبته العاجلة والآجلة وترك الصلاة أشد خطر من الزنا وشرب الخمر، وقد يترك الإنسان الاغتسال من الجنابة ويستمر بصلاته رغم وجود الحدث وهذا أيضًا من أكبر الكبائر، وقد عدّ الحنفية الصلاة مع العلم بعدم الطهارة ووجود الحدث من الأمور التي تخرج من الملّة وأيًّا كان السبب فيجب على المسلم أن يغتسل من الجنابة وأن يحافظ على صلاته وطهارته فالمؤمن نظيف وطاهر ولا ينبغي له التفريط في هذه المسألة لعظيم خطرها وجلالة شأنها.[١٤]

كيفية الاغتسال من الجنابة

إنّ للاغتسال من الجنابة صفتان أمّا الصفة الأولى فتكون بالإتيان بالنية وهي نية رفع الحدث بالاغتسال وتعميم الجسد بالماء وإفاضته عليه، وهذا الغسل يُجزأ ومن فعله يكون قد ارتفع الحدث عنه ويطهر به ويجوز له الصلاة وإن لم يأت بأفعال الوضوء، أمّا الصفة الثانية فهو الغسل الكامل ويكون بالجمع ما بين الغسل الواجب والمستحب، وهذا هو الغسل الذي كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يفعله والدليل ما روته السيدة ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- حيث قالت: "أَدْنَيْتُ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ، أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أدْخَلَ يَدَهُ في الإنَاءِ، ثُمَّ أفْرَغَ به علَى فَرْجِهِ، وغَسَلَهُ بشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بشِمَالِهِ الأرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أفْرَغَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عن مَقَامِهِ ذلكَ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أتَيْتُهُ بالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ."،[١٥] وهذا الغسل يشمل المرأة والرجل كما أنّ المرأة لا يجب عليها أن تحلّ شعرها وتنقض جدائلها إذا تيقنت من وصول الماء إلى أصول شعرها ومنابته، وفيما يأتي بيان لخطوات هذا الاغتسال:[١٦]

  • غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء ثمّ الإفراغ باليمين على الشمال وغسل الفرج.
  • الإتيان بوضوء الصلاة كاملًا ويمكن تأخير غسل الرجلين حتى الانتهاء من غسل البدن.
  • تفريق الشعر وسكب الماء على الرأس ثلاث مرات حتى يُروى جميع الشعر.
  • إفاضة الماء على الجانب الأيمن ثمّ الأيسر.

المراجع

  1. "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  2. "كتاب التذكرة في الفقه الشافعي لابن الملقن"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة المائدة، آية:6
  4. ^ أ ب ت ث "كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  5. سورة الواقعة، آية:79
  6. سورة الزخرف، آية:13
  7. سورة المؤمنون، آية:29
  8. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:146، حديث حسن صحيح.
  9. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:232، حديث صالح.
  10. سورة النساء، آية:43
  11. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:541، حديث إسناده صحيح على شرط البخاري.
  12. "كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  13. "ملخص أحكام الغسل من تمام المنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  14. "حكم ترك الاغتسال من الجنابة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:317، حديث صحيح.
  16. "كيفية الغسل من الجنابة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
3439 مشاهدة
للأعلى للسفل
×