مدرسة المهجر في الأدب العربي

كتابة:
مدرسة المهجر في الأدب العربي

نشأة مدرسة المهجر 

كيف رأت مدرسة المهجر نور الشعر؟

مع بداية النّصف الثاني من القرن التَّاسع عشر كثُرت الهجرة من بلاد الشام والتي تشمل لبنان وفلسطين وسوريا إلى بلاد المهجر وهي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية في تلك الفترة، ويعود سبب تلك الهجرة إلى ضعف الدّولة العثمانية في تلك الآونة ولمّا تكون الدّولة في نهايتها فإنّه لن يكون لها القدرة على إدارة البلاد وأمور النّاس بشكل صحيح، فشاع الظلم وأدّى ذلك إلى رغبة النَّاس بالهجرة من الوطن والاستقرار في بلدٍ أكثر أمانًا يستطيعون الهروب به من شظف العيش.[١]


لمّا وصل النَّاس إلى تلك البلاد لم يجدوا المستقبل الوردي الذي كانوا يحلمون به، وانقسم النّاس إلى قسمين الأوّل في أمريكا الشمالية والثاني في الجنوبية، فالتمّ الأدباء على بعضهم ونشأت لديهم فكرة ظهور مدرسة جديدة خاصة بالمهاجرين المُغتربين فكلّ أدبٍ خرج من عندهم كان هو أدب المهجر؛ لأنَّه كان نتاج المُغتربين عن أرض الوطن، وهذا هو الجواب عن سؤال لماذا سميت مدرسة المهجر بهذا الاسم؟ فكان رائد مدرسة المهجر في أمريكا الشمالية هو جبران خليل جبران وأطلقوا على أنفسهم اسم الرابطة القلمية، أمَّا التي ظهرت في أمريكا الجنوبية فقد أُطلق عليها اسم العصبة الأندلسية وقد أسّسها شكر الله الجر.[١]


أسباب ظهور مدرسة المهجر

ما الأمور التي دعت المهاجرين لإنشاء مدرسة للأدب؟

لقد كان وراء تأسيس مدرسة المهجر العديد من الأسباب، ولعلّ من أهمها وأبرزها:[١]


  • الحرية: التماس الأدباء في الأمريكيتين الحريّة الكافية التي تُمكنهم من التعبير عمّا في نفوسهم والإبداع دون أن يقدم أحد على محاسبتهم.
  • الانحلال في اللغة العربية: كان الخوف على اللغة العربية من الضياع سببًا من أسباب ظهور مدرسة المهجر؛ وذلك بسبب انحلال المهاجرين مع المجتمع الأوروبي.
  • المحافظة على الهوية العربية والإبداع الأدبي: وهذا كان سببًا أساسيًّا مكنّهم من الالتفاف حول بعضهم البعض في بلاد الغربة.


  • التجديد: الرغبة في التجديد في موضوعات الشعر العربي الحديث، وبث روح التجديد في ثنايا القصيدة العربية.
  • محاكاة الواقع: جعل الشعر العربي محاكيًا للواقع، بحيث تكون التجربة الواقعية هي الدّافع الأوّل للتجربة الكتابية.
  • الابتعاد عن التقليد: كان يجب محاربة الكلاسيكيّة التي ورثها الأدباء كابرًا عن كابر وباتت لا تخدم متطلبات العصر الحديث.


خصائص مدرسة المهجر

بماذا تمتاز مدرسة المهجر عن غيرها؟

انقسمت خصائص مدرسة المهجر إلى قسمين، خصائص موضوعيّة وخصائص فنيَّة، وتفصيلها فيما يأتي:


الخصائص الموضوعية

ومن الخصائص الموضوعيّة:[٢]

  • الحنين: بما أنّ الأدب المهجري هو نتاج أرض الغربة فمن الطبيعي أن يُبثّ في حناياه مشاعر الشوق والحنين إلى الوطن، والتغني بأرضه وأزهاره ووصف لوعة الحزن على فراقه، والكشف عن بشاعة الغربة والمرارة التي يتعرض النَّاس لها في تلك الأماكن.


  • الامتزاج مع الطبيعة: النّفس لمّا تكون حزينة فإنَّها تلجأ إلى الطبيعة فتُسقط عليها أحزانها، وهذا بالضبط ما حصل مع شعراء وأدباء المهجر، حيث كانوا والطبيعة شيئًا واحدًا، فتحاوروا معها وكانت ملاذًا آمنًا لهم في كلّ حين.


  • تأمل النفس البشرية: فكان الشعر المهجري ينظر إلى النفس الإنسانيّة نظرة تحليل وتفحّص بحيث يكشف عمّا يدور في خلجاتها، وامتازت الرابطة القلمية بهذه الخاصية أكثر من الأندلسية.
  • نشر المبادئ الأخلاقية: أكْثَرَ شعراء المهجر من الحديث عن الظلم والظالمين في قصائدهم، ودعوا إلى تطبيق العدالة حيث إنّ الظلم هو العامل الأول الذي شرّدهم من بلادهم.
  • الابتعاد عن المباشرة: ابتعد شعراء المهجر عن الأسلوب الخطابي الذي يعلوه الأمر والنهي، بل كانوا يُشيرون إلى الأمر ببضعٍ من التعبيرات الخفيفة التي يفهمها القارئ.


الخصائص الفنيّة

ومن أهم الخصائص الفنية:[٢]

  • بساطة اللفظ: ومن أهم ما يُميّز أدب المهجر البساطة في اللفظة والابتعاد عن الكلمات الغريبة التي لا تُناسب العصر، واستخدامهم السلاسة في العبارة والبساطة في طرح المطلوب.
  • الوحدة الموضوعية: وقد استقى أدباء المهجر هذه الميزة من شعراء الغرب، فكانت القصيدة كلّها تُحاكي غرضًا واحدًا فلا يُمكن اقتطاع مقطع من القصيدة؛ لأنَّ ذلك يُخلّ بالمعنى.


  • الاهتمام بالصورة: إنَّ الصورة الفنيَّة تُعبّر عن مقصود الشاعر بدقة وتُكسب القصيدة حيوية عالية، وهذا ما دفع شعراء المهجر إلى الاهتمام بها وتضمينها لقصائدهم ونصوصهم الأدبية.
  • التمرد على شكل القصيدة: القصيدة العربية كانت تُنسج على أوزان الخليل الفراهيدي والتزمت بقافية واحدة، فكان من أهم ما ما فعله أدباء المهجر هو التّمرد على الأوزان العروضية ونوّعوا في القوافي كما في الموشحات الأندلسية.
  • استخدام القصة: استخدام شعراء المهجر القصة كوسيلة من وسائل التعبير، فالقصيدة تحوي في طيَّاتها على الكثير من الشخصيات التي تتصارع فيما بينها وتُعبّر عن مكنوناتها الداخلية.


شعراء مدرسة المهجر

مَن أبرز القائمين على مدرسة المهجر؟

برز العديد من شعراء المهجر الذين كان لهم باعٌ طويلٌ في تطوير الشعر، ومن بينهم:[٣]


  • جبران خليل جبران: وقد عاش ما بين عامي (1883م - 1931م)، وقد هاجر جبران إلى أمريكا الشمالية وذلك في عام 1895م، وأوّل كتاب في الإنتاج الأدبي هو "الموسيقى" وقد أصدره عام 1905م، وهو المؤسس الأوّل للرابطة القلمية وذلك عام 1920م.


  • ميخائيل نعيمة: وقد وُلد ميخائيل نعيمة في عام 1902م، وكانت بداية انطلاقته من روسيا ثمّ انطلق بعدها إلى أمريكا عام 1911م، وقد انضم ميخائيل إلى الرّابطة القلمية، ومن أشهر كتبه: دروب، وزاد المعاد.
  • إلياس فرحات: ولد إلياس في لبنان عام 1893م، وقد هاجر إلى البرازيل وذلك في عام 1910م، وقد ظهر ديوانه في عام 1932م في البرازيل في مدينة سان باولو في البرازيل، وقد طبع شعره في العديد من الدواوين.


لقراءة المزيد، انظر هنا: من هم شعراء المهجر.


كيف أسهمت مدرسة المهجر في تطوير الشعر العربي الحديث؟

لقد استطاع الأدب المهجري أن يكون مصباحًا للشعر العربي الحديث، وكان لمدرسة المهجر في العصر الحديث أثر واضح في تطوير مسار الشعر العربي، ومن أهم ما استطاعت فعله هو التجديد في الأغراض الشعرية وإدخال ما لم يكن معروفًا من قبل مثل مفهوم الحرية الذي نسجوا عليه القصائد الطوال، وجعل الشعر نوعًا من أنواع التعبير عن الذات والواقعية والمشاعر الدّاخلية مهما كانت، وكسر قيود الجمود والأوزان والتحرر من القافية والتمرد على نظام الشطرين.[٤]


كتب عن مدرسة المهجر 

ما هي أبرز الكتب التي ناقشت مدرسة المهجر؟

لقد أُلّفت العديد من الكتب التي جعلت من مدرسة المهجر قضية ناقشت أسبابها وأبعادها وخصائها وإنتاجاتها، ومن أشهر تلك الكتب:


  • أدب المهجر دراسة تأصيلية تحليلية لأبعاد التجربة التأملية في الأدب المهجري: وقد ألّف هذا الكتاب صابر عبد الدّايم حيث يقع الكتاب في 516 صفحة، وهو يُناقش في ذلك الكتاب مدرسة المهجر وما الأسباب التي خلقتها والتأمل في مواضيع الأدب المهجري.[٥]


  • قصة الأدب المهجري: وهو لمؤلفه محمد عبد المنعم خفاجي، ويقع الكتاب في 754 صفحة حيث يتناول هذا الكتاب بداية نشأة الأدب المهجري، وما هي الأغراض التي تناولها الشاعر المهجري في كتاباته، وكيف أسهم الأدب المهجري في حركة الشعر الحديث.[٦]
  • العرب في المهجر الشمالي "مقدمة لدراسة الأدب المهجري": للمؤلف محمد عبد السلام كفافي، ويعرض هذا الكتاب الأسباب الأوّلية التي أدّت بالأدباء للهروب من بلادهم وتجمعهم في أمريكا الشمالية، وكيف استطاعوا وضع أول حجر في مدرسة المهجر.[٧]


قصائد من مدرسة المهجر

كيف جسد أدباء المهجر أفكارهم عبر الكلمات؟

برزت العديد من القصائد في مدرسة الأدب المهجري، ولعلّ من أهمها في الساحة الأدبية:

  • قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي بعنوان "جئت لا أدري من أين" والتي يصب فيها مشاعره الدّاخلية ويحكي عن ذاته قائلًا:[٨]
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقًا فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِيًا إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري
أَجَديدٌ أَم قَديمٌ أَنا في هَذا الوُجود
هَل أَنا حُرٌّ طَليقٌ أَمأَسيرٌ في قُيود
هَل أَنا قائِدُ نَفسي في حَياتي أَم مَقود
أَتَمَنّى أَنَّني أَدري وَلَكِن لَستُ أَدري
وَطَريقي ما طَريقي أَطَويلٌ أَم قَصير
هَل أَن أَصعَدُ أَم أَهبِطُ فيه وَأَغور
أَأَنا السائِرُ في الدَربِ أَمِ الدَربُ يَسير
أَم كِلانا واقِف وَالدَهرِ يَجري لَستُ أَدري
لَيتَ شِعري وَأَنا في عالَمِ الغَيبِ الأَمين
أَتَراني كُنتُ أَدري أَنَّني فيهِ دَفين
وَبِأَنّي سَوفَ أَبدو وَبِأَنّي سَأَكون
أَمتَراني كُنتُ لا أُدرِكُ شَيئًا لَستُ أَدري
أَتُراني قَبلَما أَصبَحتُ إِنسانًا سَوِيّاً
  • ما حكاه الشاعر المهجري نسيب عريضة حالمًا بالانتصارات:[٩]

الطُبولَ الطُبولَ إِنا انتصرنا

فأريحوا قنًا براها الطعانُ

صحَّ حُلمِي وعاد لي أمرُ قَومي

وليَ الصَولجانُ والسُلطانُ

قد ظَفِرنا دُقُّوا الطُبولَ وسيروا

مَوكِبًا ناظرًا اليه الزَمانُ

مَوكِبَ المُقسِمينَ أن يأخذوا الحَقَّ

بحدِّ السيوفِ أو يَتَفانوا

مَوكِبَ الظافرينَ ذا مَوكِبُ الحُبِّ

تُلاقيكُمُ عليه الحِسانُ

يا غَواني كلِّلنَ بالزَهرِ والعَطفِ

رجالًا في الحربِ لم يَتَوانوا

وأُوارُ الهوى يَزيدُ اضطرامًا

في ضُلوعي ويُسرِعُ الخَفَقانُ

المراجع

  1. ^ أ ب ت بوجملين، مدارس الشعر العربي الحديث، صفحة 4. بتصرّف.
  2. ^ أ ب محاضرات في الأدب الحديث، خصائص مدرسة المهجر، صفحة 4. بتصرّف.
  3. بوعكة نادية، بن جراد سعاد، مظاهر التجديد عند أدباء المهجر، صفحة 33. بتصرّف.
  4. بوعكة نادية، بن جراد سعاد، مظاهرُ التجديد عند أدباء المهجر، صفحة 26. بتصرّف.
  5. صابر عبد الدايم، أدب المهجر دراسة تأصيلية تحليلية لأبعاد التجربة التأملية في الأدب المهجري، صفحة 5. بتصرّف.
  6. محمد عبد المنعم الخفاجي، قصة الأدب المهجري، صفحة 5. بتصرّف.
  7. محمد عبد السلام كفافي، العرب في المهجر الشمالي مقدمة لدراسة الأدب المهجري، صفحة 5. بتصرّف.
  8. "جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/04/2021م. بتصرّف.
  9. "الطبول الطبول إِنا انتصرنا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/04/2021م. بتصرّف.
25204 مشاهدة
للأعلى للسفل
×