محتويات
مدينة بلخ
بلخ أو Bactra أو Balchia أو Balagh مدينة أفغستانية تعدّ من المدن العالميّة العريقة، التي حملت على أرضها آثاراً نادرةً، وتألق في ماضيها تاريخٌ حافل بالحضارات منذ ثلاثة آلاف عام، كما أنها تمتلك طابعاً متجدداً عبر العصور.
لقد نالت بلخ قديماً اهتماماً كبيراً، لأنها كانت مركزاً تجاريّاً وملتقى حضارياً في أقصى الشرق، وزيادة على ذلك فهيَ تتمتع بطبيعة خلابة، أبدع في وصفَ جمالها (المقدسي) حين قال: (حُسن موقعها، وسِعة طرقها، وبَهجة شوارعها، وكثرة أنهارها، والتفاف شجرها، وصفاء مائها، وإشراق قصورها، وسور مدينتها، ومسجد جامعها وإحكام صنعته وجلالة موضعه، ليس بأقاليم العجم مثلها حسناً ويساراً).
موقع بلخ الجغرافي
تقع مدينة بلخ في ولاية تحمل الاسم ذاته -ولاية بلخ في شمال أفغانستان-، تحدّها من الشمال الغربي العاصمة مزار شريف، ومن الشمال الشرقي قندوز، ومن الشرق جوزجان وفارياب، ومن الجنوب سامنغان وساري بول.
يمتد بها رافد من روافد نهر آمودريا؛ متشعب في أرضها، فرواها حتى أينعت بحُلتها الخضراء، وكان ذلك سبباً في إقامة المنشآت الصناعيّة منذ القدم فاشتهرت بإنتاج: النسيج، وصناعة السجاد، وفن المعمار والنقش على الجدران.
معنى اسم بلخ
- بلخ: متكبر، مأخوذة من القامة الطويلة، نسبة إلى شجر البلوط الضخم فيها.
- بَلِخَ: مصدرها بَلخاً وتعني الزيادة في الشيء إلى حد الفجور.
- بلخ: تعني دِنْ الخمر، أي مكان تعتيق وبيع الخمور.
- بلخ: قيل إنها سُميت بلخ نسبة لمؤسسها بلخ بن بلاخ بن سامان بن سام بن نوح عليه السلام.
أسماء أخرى لمدينة بلخ
حملت بلخ عدداً من الألقاب أو الأسماء مستوحاة من طبيعتها وأحداثها:
جنَّة الأرض
أكسبها مرور رافد نهر آمودريا وتفرعاته تربة خصبة وخيرات وفيرة، فتنوعت فيها الأشجار والبساتين والكروم، والثمار بمختلف صنوف الفواكه والخضار، واشتهرت بجمال طبيعتها، وطيب غلالها التي كانت تصل إلى جميع أنحاء خراسان وإلى خوارزم.
خير التراب
تراب بلخ من أجود أنواع الطين، فبالإضافة لخصوبته زراعياً، فقد كان مناسباً للبناء، فلا تزال فيها جدران وأجزاء كبيرة من الأسوار التي ضربت حولها كحصون ماثلة منذ 14 قرناً حتى اليوم، إلا أنها مائلة ومتآكلة بمرور الزمن.
أم البلاد
تعتبر مدينة بلخ من أقدم المدن في أفغانستان، وأكثرها استقطاباً للحركة التجاريّة، حيث كانت بمثابة القلب الذي يستقبل البضائع التجاريّة، ويضخها عبر القوافل ذهاباً وإياباً، فهيّ محور تجمع وسوق تجاري كبير يربط ما حولها من البلاد.
قبَّة الإسلام
لقد أرسل إليها الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضيَّ الله عنه وأرضاه جيشاً بقيادة الأحنف بن قيس؛ لمتابعة الفتوحات الإسلاميّة، فأسلم أهلها دون مقاومة واعتنقوا الإسلام بسلام.
الإسكندريّة
بسبب محاولة الإسكندر الأول أن يجعل المدن التي ميزها وغير منشأها بعد خضوعها لسيطرته باسم موَّحد مستوحى من اسمه، وكان قد خططها لتشبه مدينة الإسكندريّة في مصر.
تاريخ بلخ عبر العصور
- في بلخ آثار قديمة جداً، تكمن قيمتها في تفردها، وهذا دليل على أنها كانت بؤرة مهمة في أقصى الشرق، فقد ذكرت كتب التاريخ أن مدينة بلخ هُدمت 22 مرة، جراء تعاقب المسيطرين والطامعين، وآخر من دمرها في القرن الثالث عشر الميلادي كان جنكيز خان.
- شهدت أفغانسان (بما فيها من مدن) عدداً من حضارات العالم فبدأت بحضارة (آريّة) وتعني الأرض، فكانت تربة خصبة لاستقطاب العديد من ثقافات أخرى آنذاك.
- وشهدت أيضاً مدينة بلخ ديانتين قبل الإسلام الزردتشيّة والبوذيّة، ولا تزال الكثير من الآثار شاهدة على أطراف المدينة الجديدة، وبخاصة تلك التي بناها أهل بلخ إلى جانب بلخ القديمة.
- كان العصر الذهي هو عصر الإسلام في أفغانستان، وانعكاس ذلك على بلخ حيث كانت أفغانستان مسقط رأس العديد من علماء الإسلام: ابن سيناء، والخوارزمي، وعمر الخيام، والفارابي، والإمام البخاري، والترمذي، وأبو حنيفة النعمان، وجمال الدين الأفغاني.
- انتشرت الملاريا في أنحاء بلخ في العام 1870م فاستقطبت العاصمة مزار شريف العدد الأكبر من المهاجرين بسبب المرض.
- استمرت مدينة بلخ في حالة ركود بعد ذلك، حتى بلغ عدد الأفغان فيها بحدود 500 نسمة في العام 1911م، حسب إحصائيّة بريتانيكا.
آثار بلخ
تزخر في مدينة بلخ المواقع الأثرية ومنها:
- بقايا صفحات من كتاب ديانة الزرادشت (أوستا) الذي كانت كتابته بماء الذهب، وقد استنفذ ذلك جلود عشرة آلاف بقرة آنذاك، تبقى منها ثلاثة آلاف فقط، توجد في بلخ نسخ منها تقع النسخة الواحدة في خمسة مجلدات.
- معبد لأصحاب الديانة الزردتشيّة أيضاً، بلغَ ارتفاعه ثلاثمئة متر يرده الحجاج الزرادشت، تحديداً من تزمير في أوزبكستان.
- أما بوذا ملك الهند فقد بنى معبداً على غرار معبد زرادشت، وسماه معبد (نوبهار) في وسط مدينة بلخ.
- من الشخصيات التي حددت ملامح العالم القديم؛ الإسكندر المقدوني الأول وهو ابن الملك اميتاس الأكبر مسقط رأسه مقدونيا باليونان، بعد أن تولى الإسكندر حكم مملكة مقدونيا من العام 498 حتى العام 454 قبل الميلاد، أولى اهتماماً كبيراً في العديد من مدن العالم القديم، فكان يقيم مدناً معينة أو مراكز في المواقع التي يرى بها تميزاً، وحظيت بلخ باهتمامه على غرار مدينة الإسكندريّة في مصر، فخطط معالمها كما أحب لتكون جزءاً من مملكته، وأحاطها بالأسوار والأبواب الضخمة، وجعل في وسطها الأسواق، وانتشرت في ضواحيها القصور.
- يتوسط بلخ جامع كبير مزيّن بالفسيفساء الزرقاء، حيث يعتبر تحفة من تحف العمارة الإسلامية، إلى جانب معبد الزاردتشيين، ومعبد نوبهار للبوذيين، وتحاط بهذا الجامع الأسواق كما كان في عهد الرومان، وقد تمَّ العثور بين الحطام على بقايا السوق القديم كما كان في عهد الإسكندر الأول.