مراحل جمع القرآن الكريم

كتابة:
مراحل جمع القرآن الكريم

معنى جمع القرآن

معنى الجمع لغةً: الجمع مصدر الفعل جمع، يقال: جمع الشّيء يجمعه جمعًا، وأجمعت الشّيء: جعلته جميعًا، واستجمع السّيل: اجتمع من كلّ موضع. والمجموع: الذي جُمع من هاهنا وهاهنا، وإن لم يجعل كالشّيء الواحد، والجمع تأليف المتفرّق. ويلاحظ من المعاني السّابقة أنّ كلمة "جمع" تدلّ على جمع المتفرّق والتّأليف. وجمع القرآن اصطلاحًا: يطلق في علوم القرآن على معنيين: الأوّل، جمعه، بمعنى حفظه في الصّدور عن ظهر قلب، ودليل ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ }.[١] أي جمعهُ في الصّدور وإثبات قراءته في الألسن. والثّاني: جمعه بمعنى كتابته، ودليل ذلك حديث قصّة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- قول عمر بن الخطّاب لأبي بكر -رضي الله عنهما-: "وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن".[٢]

مراحل جمع القرآن الكريم

القرآن الكريم نعمة الله تعالى على عباده، نزل به الروح الأمين، على قلب النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ليكون للعالمين هاديًا ونذيرًا، وكان حلقة الوصل بين العباد ومعبودهم، وقد نزل القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى على قلب رسوله مفرّقًا وعلى فترات متقطّعة، ولم ينزل عليه جملة واحدة، وذلك لحِكَم متعدّدة أرادها الله سبحانه تعالى لعباده، ولذلك لم يستطع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يجمع القرآن في مصحف واحد، وإنّما كانت مراحل جمع القرآن الكريم ثلاثة مراحل، وهي:

كتابة القرآن الكريم في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم

لم يكتف الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بحفظ القرآن الكريم، وتعليم أصحابه على تلاوته، وحثّهم على مدارسته وتدريسه، بل جمع إلى ذلك الأمر بكتابته في السّطور، فكان كلّما نزل الرّوح الأمين، دعا كتّاب الوحي، ليملي عليهم ما سمعه منه، فيكتبونه، فالقرآن الكريم إذًا كان يكتب بأمره -صلّى الله عليه وسلّم-، والدّليل على ذلك، قول الله تعالى: {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}، الصّحف جمع صحيفة، وهي ظرف للمكتوب، كما قال الفخر الرّازي في تفسيره للآية[٣].[٤]

ودليل آخر على أنّ القرآن الكريم كان مكتوبًا في عهد النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قوله: " لا تكتبوا عنّي شيئًا إلّا القرآنَ ، فمن كتب عنّي غيرَ القرآنِ فلْيمحه".[٥] فهذا الحديث يدلّ على أنّه كان مسموحًا للصّحابة بكتابة القرآن الكريم، بينما غيره فلا، ولم يتمّ جمع القرآن الكريم في عهده -صلى الله عليه وسلّم- بسبب ترقّبه لتتابع نزول الوحي، لأنّه كان يتنزّل عليه على فترات متقطّعة، وبآيات من سور متنوّعة، ولم يكن ترتيب السّور على حسب النّزول، وكذلك المدّة التي توقّف فيها الوحي ووفاته -صلى الله عليه وسلّم- كانت قصيرة جدًّا، فلم يوجد من دواعٍ للجمع في عهده، كما أصبحت ملحّة في عهد أبي بكر الصّدّيق.[٤]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه:

بعد تولّي أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- الخلافة ومحاربته للمرتدّين عن الإسلام في اليمامة، ولمن امتنعوا عن دفع الزكاة، قتل من الصّحابة عدد غفير، ومن بينهم حفّاظ لكتاب الله تعالى، فأجمع الصّحابة أمرهم على جمع القرآن الكريم في مكان واحد، وهذا ما سمّي بالجمع الأوّل، فكلّف أبو بكرالصّديق زيد بن ثابت -رضي الله عنهما- بمهمة الجمع، لأنّه شاب عاقل، ولا يتّهم في شيء من خلقه أو دينه، وكان كاتبًا للوحي في عهد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيقول زيد: "وَاللَّهِ لو كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ ما كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمَرَنِي به مِن جَمْعِ القُرْآنِ".[٦]وبدأ زيد -رضي الله عنه- تتبّع القرآن،يجمعه من العسب واللّخاف وصدور الرجال، فأودعت الصّحف التي جمعها زيد في مصحف واحد عند أبي بكر -رضي الله عنه- حتّى توفاه الله، ثمّ نقل إلى بيت عمر بن الخطّاب، وبعد وفاته نقل إلى بيت حفصة -رضي الله عنهم أجمعين- فكانت هذه المرحلة الثّانية من مراحل جمع القرآن الكريم-.[٧]

جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه

عندما جمع أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- القرآن الكريم، كانت غايته كتابة الآيات والسّور مرتّبة في مصحف واحد، ولم تكن غايته إتلاف المصاحف الموجودة مع عدد من الصّحابة، والتي فيها تفاسير وأدعية ومأثورات، وهم يعلمون أنّها ليست من القرآن، ولكن يخشى أن تختلط بكلام الله مع مرور الزّمن، ولكن في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- وفي الفتوحات والغزوات على وجه الخصوص وقعت هناك خلافات بين المسلمين بسبب اختلافهم في وجوه القراءات بينهم، حتّى وصل الأمر ببعضهم الكفر بقراءة الآخر. وعندما وصل الأمر إلى الخليفة عثمان -رضي الله عنه- جمع أعلام الصّحابة، واستشارهم في الأمر، فأجمعوا على أن يطلب من حفصة بأن ترسل إليه بالمصحف، لينسخه نسخًا عديدة وعلى حرف واحد، ويوزعها على الأمصار والأقطار، لتكون المرجع الرئيسي لهم، وإتلاف ما سواها درءًا للفتنة والخلاف. وكان له ذلك ثم أعاد المصحف إلى حفصة -رضي الله عنها- فسمي هذا المصحف بمصحف عثمان! نسبة إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه. فكانت هذه المرحلة الثّانية من مراحل جمع القرآن الكريم.[٨]

من اختير لجمع القرآن الكريم في عهوده الثلاثة؟

اختار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كتّابًا للوحي كان يدعوهم كلّما نزل الوحي، وهم: الخلفاء الرّاشدين الأربعة، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وخالد بن الوليد، وأبيّ بن كعب -رضي الله عنهم-، ويأمرهم بكتابة ما يتلوه عليهم من القرآن الكريم، وكان الكثير قد حفظ كلّ ما نزل من القرآن الكريم عن ظهر قلب، فسمّوا بالحفظة، فأصبح القرآن الكريم في عهد النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- في الصّدور وعلى السطور.[٩]

وفي عهد خليفة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه وبعد أن أقنعه عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- بجمع القرآن الكريم، فأقنع أبو بكر زيد بن ثابت بتتبّع القرآن وجمعه، قال زيد: قلت لعمر:" كيفَ تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ عُمَرُ: هذا واللَّهِ خَيْرٌ"،[١٠] وقام بالمهمّة على أكمل وجه.[٩]

وفي عهد الخليفة عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- قام بإحضار المصحف الذي أودع لدى حفصة -رضي الله عنها- وشكّل لجنة من الصّحابة: زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزّبير وعبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، وأمرهم بنسخه في مصحف واحد وعلى حرف واحد ونسخه عشرات النسخ، وتوزيعها على الأمصار، لتكون مرجعًا لهم ، دفعًا للخلاف الذي ظهر بسبب وجوه القراءات.[٩]

الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان للقرآن الكريم

كما تقدّم، لقد مرّ القرآن الكريم بثلاثة مراحل من مراحل جمع القرآن الكريم، من كتابته وحفظه في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-إلى جمعه وإيداعه في بيت أبي بكر الصّدّيق-رضي الله عنه- في خلافته ثمّ نقل إلى بيت عمر بن الخطّاب –رضي الله عنه- وبعد موته نقل إلى بيت حفصة –رضي الله عنها- وفي خلافة عثمان بن عفّان –رضي الله عنه- نسخ المصحف الذي كان في بيت حفصة على حرف واحد، ووزع على الأمصار. وكان هنالك فرق بين الباعث لجمع القرآن الكريم، وفرق في كيفيّة جمعه:[١١]

  • فالباعث على جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصّدّيق –رضي الله عنه- كان خشية ضياع شيء من القرآن الكريم بموت حفظته، وتلف أو ضياع شيء ممّا كتب عليه القرآن الكريم، أمّا الباعث على الجمع في عهد عثمان بن عفّان –رضي الله عنه- فهو ما وقع من خلافات بين المسلمين في وجوه قراءة القرآن الكريم وخوف الفتنة وشقّ الصّفّ بين المسلمين.
  • كان عمل أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في جمعه للقرآن الكريم متوقفًا على جمع ما تفرّق من صحف القرآن الكريم، والتي هي عبارة عن العسب والأكتاف والرّقاع وغير ذلك في مصحف واحد مرتّبًا فيه الآيات والسّور، بينما في عهد عثمان -رضي الله عنه- جلب المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر، وكان قد أودع في بيت حفصة بعد وفاة أبيها -رضي الله عنهما- ونسخه على حرف واحد، ليدرأ الخلاف بين المسلمين في وجوه القراءات، ثمّ نسخه نسخًا عديدة، وأرسل بها إلى الأمصار والأقطار، لتكون مرجعًا لهم، وأحرق ما سواها من صحف، بالاتّفاق مع الصّحابة الكرام.
  • مصير المصاحف بعد ذلك: المصحف الذي تمّ تجميعه ونسخه في عهد أبي بكر، أعاده عثمان إلى حفصة -رضي الله عنهما- بعدما نسخه مئات النّسخ، وبعدما توفيت حفصة، قام أخوها بإتلاف المصحف، لأنه طلبه منه مروان من الحكم، فخوفًا من إثارة أمور خلافية حول الأحرف السّبعة والقراءات، فقام بإتلافه. وفي عهد عثمان نسخ المصحف المعتمد ملايين النّسخ، ولم يعرف بعد ذلك ماذا حلّ بتلك النّسخ.

ولابدّ من التأكيد على أنّ الأصل في الحفاظ على القرآن الكريم، هو حفظه في الصّدور، ونقله شفويًّا بالتّواتر، ولكن استخدمت الكتابة لزيادة التّوثيق، وما ذلك إلّا تحقيقًا لوعد الله -عزّ وجلّ- في حفظ القرآن الكريم من أيّ زيادة أونقصان، أوتحريف: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.[١٢]

أهميّة القرآن الكريم في حياة المسلم

القرآن الكريم هو الكتاب الخالد والدّستور الشّامل لهذه الأمّة، ففيه نجد القيم السامية، والمثل العالية، والموازين العادلة، والقواعد الرّاسخة، والتّصوّرات الرّاشدة، وغير ذلك ممّا جعله كتابًا شاملًا محكمًا، يخاطب الإنسان والزّمان والمكان، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن قيم القرآن الكريم في حياة الفرد المسلم:[١٣]

  • تعريف الإنسان بغاية وجوده.
  • تعريف الإنسان بذاته.
  • بيان الحلال والحرام.
  • معرفة سنن الإصلاح والتّغيير.
  • بيان طريق المؤمن الصّحيح.
  • أخذ العبرة والعظة من قصص الأمم السّابقة.
  • تربية العقل على التدبّر.
  • تنمية القلب باتّأثير.
  • تنمية السّلوك بالتّغيير.
  • إنذار الإنسان وإقامة الحجّة عليه.

المراجع

  1. سورة القيامة، آية: 17.
  2. رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج مسند أبي بكر، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 46، إسناده صحيح.
  3. سورة البينة، آية: 2-3.
  4. ^ أ ب ".جمع القرآن بمعنى كتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2019. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم: 7434، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 4986، صحيح.
  7. "جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه:"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2019. بتصرّف.
  8. "حفظ القرآن في عهد الصحابة رضوان الله عليهم"، www.dorar.net/aqadia، اطّلع عليه بتاريخ بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت "مراحل جمع القرآن الكريم "، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2019. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 4986، صحيح.
  11. "جمع القرآن"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2019. بتصرّف.
  12. سورة الحجر، آية: 9.
  13. "أهمية القرآن الكريم في حياة الأفراد والأمة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2019. بتصرّف.
3564 مشاهدة
للأعلى للسفل
×