محتويات
القرآن الكريم
هو كتاب الله -عزَّ وجلَّ- الذي أنزله على عبده ونبيه محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- هدى للناس أجمعين؛ وهو كلام الله الذي لا تشوبه شائبة ولا يعيبه نقص أنزله الله للعرب أهل الفصاحة والبيان، فعجزوا أن يأتوا بآية من مثله بلاغةً وفصاحةً وبيانًا، قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[١]، وقد مرَّ القرآن الكريم عبر العصور بمراحل جمع وترتيب ثلاث، أولها في زمن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- ثمَّ في زمن أبي بكر الصديق ثمَ عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مراحل جمع القرآن الكريم وترتيبه كاملة.
مراحل جمع القرآن الكريم وترتيبه
شهد القرآن الكريم في سنوات الإسلام الأولى ثلاثة مراحل تمَّ فيها جمع القرآن الكريم وترتيبه حفاظًا عليه من الضياع ومن اختلاط اللهجات والقراءات التي قد تؤدي إلى التحريف أو التبديل في آيات الله تعالى، ولا شكَ أن الله تعالى هو الذي يحفظ القرآن الكريم من التحريف والاندثار، قال تعالى في سورة الحجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[٢]، ولكنَّ حكمة الله تقتضي أن يهيِّئَ بعض الناس كي يتولوا مسؤولية الحفاظ على كتاب الله من خلال جمع القرآن الكريم وترتيبه تحقيقًا لأمر الله تعالى، وفيما يأتي مراحل جمع القرآن الكريم وترتيبه بالتفصيل:
جمع القرآن الكريم وترتيبه في عهد رسول الله
كان القرآن الكريم في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ينزل بواسطة الوحي جبريل -عليه السلام- ويحفظه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أمَّا جمع القرآن الكريم وترتيبه في هذه المرحلة فقد كان على طريقتين، وهما:
- الطريقة الأولى: وهي أن يجمع القرآن الكريم في صدور الصحابة فيحفظه عدد منهم وهذا ما كان فقد حفظ عدد كبير من الصحابة كتاب الله كاملًا.
- الطريقة الثانية: وهي كتابة القرآن الكريم على الأشياء التي كانوا يكتبون عليها، كالصحف أو العسب وهو جريد النخل وعلى الحجارة الرقيقة أيضًا وعلى الأوراق والأديم والجلد، فكان القرآن الكريم في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- منثورًا وليس مجموعًا، حفظ الصحابة قسمًا منه وكُتب قسم آخر.[٣]
جمع القرآن الكريم وترتيبه في عهد أبي بكر
بعد أن استشهد عدد كبير من الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حروب الردة، تنبه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمسألة كتابة القرآن وجمعه وترتيبه، فأشار على أبي بكر -رضي الله عنه- أن يجمع القرآن الكريم خوفًا من ضياعه بوفاة الصحابة الحفظة، فأمر أبو بكر الصديق زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- أني يجمع القرآن الكريم، فقام زيد بتتبع سور القرآن والبحث عنها في العسب والصحف التي كتبت فيها في زمن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- كما سأل من بقي من الصحابة الحفظة وجمع القرآن الكريم في مصحف واحد ضمَّ السور القرآنية كاملة، بعد أن توفِّي أبو بكر -رضي الله عنه- أخذ المصحف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبعد وفاة عمر بقي المصحف عند حفصة بنت عمر -رضي الله عنها-، والله أعلم.[٣]
جمع القرآن الكريم وترتيبه في عهد عثمان بن عفان
بعد أن استلم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وازدادت رقعة البلاد العربية بسبب الفتوحات الإسلامية، دخلت بعض العناصر الأجنبية التي لا تجيد اللغة العربية الإسلامَ، فبدأ اللحن ينتشر في قراءات القرآن الكريم، فتنبه حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- لهذا الأمر وأخبر الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فاستشار عثمان الصحابة الكرام في جمع القرآن الكريم بمصحف واحد، وتم جمعه في عهد عثمان -رضي الله عنه- ونسخ منه أكثر من نسخة بعث إلى كلِّ ولاية تابعة للمسلمين نسخة حتَّى تتفق الناس على قراءة واحدة لكتاب الله تعالى، وكانت هذه المرحلة الثالثة والأخيرة التي تم فيها جمع القرآن الكريم وترتيبه في التاريخ، والله تعالى أعلم.[٣]
أسباب عدم جمع القرآن في عهد رسول الله
لم يجمع القرآن الكريم في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مصحف واحد أبدًا، بل حُفظ في صدور الصحابة وكُتب قسم منه على جريد النخل والأحجار الرقيقة والجلود، وهي الوسائل التي كان يستخدمها الناس للكتابة، أمَّا الأسباب التي حالت دون جمع القرآن الكريم وترتيبه في عهد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- فهي:[٤]
- وجود النسخ في عهد رسول الله، والنسخ هو نزول الآيات بالحكم ثمَّ نسخ هذا الحكم، ولو دونت آيات القرآن التي نسخت لاختلطت كثير من الأحكام ولذلك كانت الحكمة الإلهية تقضي بحفظ القرآن في صدور الصحابة حتَّى ينتهي زمن النسخ.
- إن حفظ القرآن في صدور الصحابة وسيلة من وسائل الحفاظ على القرآن من التحريف والتبديل.
- قلة أدوات الكتابة اللازمة لجمع القرآن في مصحف واحد في عهد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-.
حُفاظ القرآن الكريم في عهد رسول الله
بناءً على مرَّ سابقًا من أن القرآن الكريم لم يجمع في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إنَّما حفظه بعض الصحابة، فإنَّه لجدير بالذكر أن يتم ذكر أسماء الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم في عهد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وقد ثبت أن الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم هم: "أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عبد الرحمن بن عوف، الزبير بن العوام، معاذ بن جبل، أبي بن كعب، زيد بن ثابت، عبد الله بن عمرو، طلحة بن عبيد الله، عبد الله بن مسعود، حذيفة بن اليمان، أبو هريرة، عبد الله بن عمر، عمرو بن العاص، عبد الله بن عباس، معاوية بن أبي سفيان، عائشة أم المؤمنين، حفصة بنت عمر، أم سلمة -رضوان الله عليهم أجمعين-، وغيرهم أيضًا من الصحابة المهاجرين والأنصار والله أعلم.[٥]
ثواب حفظ القرآن الكريم في الإسلام
لا شكَّ أن حفظ القرآن الكريم كاملًا أمرٌ عظيمٌ يُوجب الثواب والأجر الجزيل، فالقرآن الكريم يرفع درجات العبد يوم القائمة، جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ، كما كنتَ تُرَتِّلُ في دارِ الدنيا، فإِنَّ منزِلَتَكَ عندَ آخِرِ آيةٍ كنتَ تقرؤُها"[٦]، وذهب المفسرون إلى أن صاحب القرآن المقصود في الحديث الشريف هو حافظ القرآن، وقد جاء في الحديث إنَّ حافظ القرآن يجمع مع السفرة الكرام البررة يوم القيامة، روتِ السيدة عائشة -رضي الله عنها- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وهو حافِظٌ له مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ، وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ فَلَهُ أجْرانِ"[٧]، والله تعالى أعلم.[٨]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 23.
- ↑ سورة الحجر، آية: 9.
- ^ أ ب ت "جمع القرآن وترتيبه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "لماذا لم يُجمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "حفاظ القرآن في حياة الرسول"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 8122، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4937، صحيح.
- ↑ "ثواب حفظ القرآن"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 23-05-2019. بتصرّف.