مسألة الفساد والبطلان في الفقة الإسلامي

كتابة:
مسألة الفساد والبطلان في الفقة الإسلامي

الصحة والفساد والبطلان في الفقه الإسلامي

إنّ الصحة والفساد والبطلان في الفقه الإسلامي كلمات لها تعريفات خاصة عند المذاهب الإسلاميّة الأربعة، فالصحة تعني في اللغة كل ما هو ضد السقم، وأمّا اصطلاحًا ففيها خلاف بين الجمهور والحنفية، فالجمهور يرون أنّها ما وافق الشرع سواء وجَبَ القضاءُ أم لم يجبْ، وهي في العبادات والعقود سواء، وأمّا الحنفية فهي عندهم في العبادات اندفاع وجوب القضاء، وفي المعاملات ترتُّب أثر تلك المعاملات،[١] وأمّا الفساد فهو نقيض الصلاح لغة، واصطلاحًا عند الجمهور هو "مخَالَفَةُ الْفِعْل الشَّرْعَ بِحَيْثُ لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلاَ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ"، وأمّا عند الحنفية فهو ما شُرِعَ بأصله دون وصفه،[٢] وأمّا البطلان في اللغة هو الضياع والخسران، واصطلاحًا عند الجمهور هو نفسه الفساد، وأمّا الحنفية فالبطلان عندهم في العبادات هو عدم اعتبار العبادة كأنّها لم تكن، وأمّا في المعاملات فهو أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله ولا بوصفه، وستقف الفقرة القادمة مع مسألة الفساد والبطلان في الفقه الإسلامي.[٣]

مسألة الفساد والبطلان في الفقة الإسلامي

إنّ مسألة الفساد والبطلان في الفقه الإسلامي تختلف بين الجمهور والحنفية بين من يرى الفساد والبطلان شيئًا واحدًا وبين من يفرّق في المسألة في أمر ويجعلهما شيئًا واحدًا في أمر آخر، فقد اتفق الجمهور والأحناف أنّ الفساد هو نفسه البطلان في العبادة، واتفقوا على أنّ العبد الذي يرتكب عمدًا تصرّفًا مشوبًا بالفساد في العبادات أو المعاملات فإنّه يأثم ويكون مستحقًّا لعقاب الله سبحانه، كالذي يصلي دون وضوء عمدًا، أو يتزوج امرأة ما تزال في العدّة وغير ذلك، والعبادة تفسد بأمور منها:[٤]

  • ترك شرط من شروط صحة العبادة كاستقبال القبلة في الصلاة أو الطهارة أو ستر العورة.
  • ترك ركن من أركان العبادة، كأن يترك ركنًا من أركان الصلاة كالقيام والركوع والسجود من غير عذر.
  • ارتكاب فعل ممّا تفسد به العبادة كالأكل أو الشرب -مثلًا- في الصلاة.
  • رفض نيّة العبادة أثناء أدائها، كقطع النية أو العزم على قطعها على الخلاف في ذلك بين المذاهب الإسلامية.
  • مخالفة النهي الوارد عن الفعل، كالنهي عن الصيام يوم العيد.

وإنّ لفساد العبادة آثارًا تترتّب على هذا الفساد، منها أنّ الذمّة تبقى منشغلة بالعبادة حتى تؤدّى إن كان ليس لها وقت محدد كالزكاة مثلًا، أو تُقضى إن كان وقتها لا يتسع لمثلها كالصيام في رمضان مثلًا، أو تعاد إن كان وقتها يتسع لغيرها معها كالصلاة إن كانت في وقتها، وكذلك يترتب على فساد العبادة العقوبة الدنيوية كالكفارة في بعض العبادات، وكذلك ممّا يترتب على فساد العبادة عدم المضي في الفاسد بمعنى عدم إكمال العبادة الفاسدة إلّا أن تكون صيامًا أو حجًّا فإنّه يتمّهما ثمّ يقضيهما، وكذلك ممّا يترتب على فساد العبادة حق استرداد الزكاة في حال أُعطيت لغير مستحقيها، وأمّا الفرق بين الفساد والبطلان فهو عند الحنفيّة، ويرونه يقع في المعاملات فقط على خلاف الجمهور الذين يرون الفساد والبطلان شيئًا واحدًا، فالأحناف يرون الفساد كالبطلان في العبادات كالجمهور، ولكن في المعاملات يفرّقون بين المسألتين؛ فالعقد الباطل عندهم هو أن يكون محل العقد غير مباح أساسًا كالخمر والخنزير، أو أن يكون محل العقد معدومًا أو غير مقدور التسليم كبيع الجنين وهو في بطن أمّه؛ لأنّه في حكم المعدوم، وأمّا العقد الفاسد ففيه اختلاف عن العقد الباطل، ومن ذلك البيع بثمن غير معلوم، وكذلك عدم تحديد الأجل في العقود المؤقتة، وعندهم -أي الحنفيّة- إذا رُفع سبب الفساد في المجلس بأن عُيّن الثمن وحُدّدت مدة الأجل في العقود المؤقتة فإنّه تترتّب على العقد كل آثاره، بمعنى أنّه يصبح عقدًا صحيحًا.[٤]

ومن مندوحة القول إنّ الجمهور لم تكن نظرتهم إلى الفساد والبطلان واحدة في المعاملات؛ فقد فرّقوا كذلك بين الفساد والبطلان في بعض الأمور في المعاملات، فهم وإن اتّفقوا على أنّ الفساد والبطلان شيءٌ واحدٌ في العبادات والمعاملات إلّا أنّ كلامهم ليس على إطلاقه في مسألة المعاملات؛ فكلّ مذهب من مذاهب الجمهور الثلاثة عنده استثناءات في المعاملات فرّق فيها بين الفساد والبطلان، فالمالكيّة مثلًا يفرّقون بين الفساد والبطلان في عقد القراض والمساقاة، والشافعيّة نقل عنهم الإمام النووي أنّهم يفرّقون بين الفساد والبطلان في الحج والخلع والكتابة والعارية، وأمّا الحنابلة فالفرق بين الفساد والبطلان عندهم يقع في الإجارة والوكالة والشِّركة والمضاربة والحج، والله أعلم.[٥]

منشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في التفرقة بين الفاسد والباطل

بعد الوقوف على مسألة الفساد والبطلان في الفقه الإسلامي والحديث عن المسائل التي وقع فيها اختلاف بين الجمهور والحنفية في التفريق بين الفساد والبطلان، فإنّ هذا المقال يقف ختامًا مع مسألة منشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في التفرقة بين الفاسد والباطل، وإنّ السبب في مخالفة الأحناف -أو الحنفية- للجمهور يعود لسببين رئيسَين يمكن تلخيصهما فيما يأتي:[٦]

  • أمّا السبب الأوّل فهو مقتضى النّهي: فقال الجمهور إنّ النهي يقتضي الفساد والبطلان معًا، سواء في ذلك إذا ورد النهي على ذات الأمر وحقيقته أو ورد على وصف فيه، أمّا الحنفيّة فقالوا إذا ورد النهي على ذات الشيء وحقيقته فهو باطل، وأمّا إذا ورد على وصف في الشيء مع مشروعية الأصل فإنّ النهي عندها يُفيد الفساد؛ ولذلك فقد عرّفوا الفاسد أنّه مشروعٌ بأصله لا بوصفه، فالربا -مثلًا- هو بيعٌ مع زيادةٍ ومنفعةٍ لأحد العاقدَين، والبيع مشروع، ولكن النهي ورد على الوصف الزائد، فكان البيع مع الربا عندهم فاسدًا لا باطلًا.
  • وأمّا السبب الثاني فهو الفررق بين الركن والشرط: فالركن والشرط هما الأمران اللّذان يتوقّف عليهما الشيء؛ فالركن داخلٌ في الماهيّة والشّرط خارجٌ عن الماهيّة، فإذا اختلّ الركن فالعقد باطل باتّفاق العلماء، ولكن إذا اختلّ الشرط ففيها خلاف؛ فالجمهور قالوا: العقد باطل وفاسد بمعنى واحد، وأمّا الحنفيّة فقد قالوا: إنّ العقد فاسد؛ كون الخلل في وصفٍ خارجٍ عن الشيء، والله أعلم.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 317، جزء 26. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 117، جزء 32. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 318، جزء 26. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الصحة والفساد والبطلان"، www.dar-alifta.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-04-2020. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 120، جزء 32. بتصرّف.
  6. محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الخير للطباعة والنشر، صفحة 426، جزء 1. بتصرّف.
2929 مشاهدة
للأعلى للسفل
×