مسألة الفصل بين الأذان والإقامة والموالاة بين الإقامة والصلاة

كتابة:
مسألة الفصل بين الأذان والإقامة والموالاة بين الإقامة والصلاة

مسألة الفصل بين الأذان والإقامة والموالاة بين الإقامة والصلاة

أجمع الفقهاء على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة،[١] وأهم الأمور التي تتعلق في هذه المسألة ما يأتي:

  • اتفاق المذاهب الأربعة: مقصود الأذان الإعلام بدخول الوقت، ولهذا صرَّح الفقهاء بمشروعية الفصل بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات إلَّا صلاة المغرب فكان لهم أقوالٌ فيها، وبالوصل بينهما يفوت على الناس مقصود الأذان، وهذا بإجماع المذاهب الأربعة؛ الحنفي،[٢] والمالكي،[٣] والشافعي،[٤] والحنبلي.[٥]
  • تعدد الآراء في صلاة المغرب: سبقت الإشارة إلى تعدد آرائهم في الفصل بين الأذان والإقامة، ولصلاة المغرب استثناءً خاصاً وذلك على النحو التالي:
    • المذهب الحنفي، أنّ المغرب مبني على التعجيل، والفصل بينهما تأخير للصلاة.[٦]
    • المذهب المالكي، يرون أنَّه لا بأس بالفصل بين الأذان والإقامة فيها، والوصل أحب لأنّ وقتها واحد.[٧]
    • المذهب الشافعي، رأيهم أنّ الناس عادة ما يجتمعون لها قبل وقتها لهذا لا تُؤخر الإقامة لضيق وقتها، لكنهم استحبوا الفصل بزمن يسير أو سكوت أو نحوه.[٤]
    • المذهب الحنبلي، رأيهم أنَّه يُفصل بين الأذان والإقامة في المغرب بجلسة خفيفة مقدار ركعتين.[٥]
  • مقدار الفصل بين الأذان والإقامة: تعددت أقوالهم في مقدار الفصل بين الأذان والإقامة، وعادةً ما يُقدرونها بقراءة عدد معين من الآيات، والأمر في ذلك واسع يرجع إلى فقه الإمام وتقديره، مُراعياً اجتماع الناس للصلاة، مع عدم الإطالة في التأخير.

مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة

استدلَّ الفقهاء على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة بأدلة منها ما يأتي:

  • من القرآن الكريم

قوله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)،[٨] ووجه الدلالة في هذه الآية ما جاء في أحد أقوال تفسير الطبري بأنَّ المقصود بقوله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ)، هو المؤذن، وفي قوله -تعالى-: (وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، هي الصلاة بين الأذان والإقامة.[٩]

  • من السنة النبوية

قال -صلى الله عليه وسلم-: (بيْنَ كُلِّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، بيْنَ كُلِّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، ثُمَّ قالَ في الثَّالِثَةِ: لِمَن شاءَ)،[١٠] وجه دلالة الحديث أنَّه يُستحبُّ الفصل بين الأذان والإقامة بوقتٍ يسير مقدار ركعتين ليتمكن الناس من حضور صلاة الجماعة.[١١]

الموالاة بين الإقامة والصلاة

أكثر العلماء على جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، وأنّ الموالاة بين الإقامة والصلاة ليس شرطاً، وفيما يلي بعض أقوالهم:

  • المذهب الحنفي

السنة الوصل بين الإقامة والصلاة؛ لأنَّ الفصل مكروه، ولكنَّها لا تُعاد الإقامة؛ لعدم مشروعيّة ذلك.[٦]

  • المذهب المالكي

من شرط الإقامة أن تعقبها الصلاة، أما إن طال الفصل أعاد الإقامة، وذكروا أنّ الأمر فيه توسعة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-،[٧] وهذا يدلُّ على أنّ الفصل لعذر جائز.

  • مذهب أكثر العلماء

قال ابن رجب: أنّ الأولى المسارعة بالدخول في الصلاة عقب الإقامة دون فصل، وبيّن أنَّ أصحاب الشافعي يرون أنَّه لا يُعيد الإقامة، ويكون كمن صلّى بغير إقامة، لكنَّه ذكر طائفة من العلماء يرون أنّ الإقامة وإن تقدمت على الصلاة بوقت فإنّ الإقامة كافية.[١٢]

مشروعية الفصل بين الإقامة والصلاة

جاء في كتب السنة ما يُثبت ظاهرة الفصل بين الإقامة والصلاة لعذر، وإلَّا فالأولى الموالاة بين الإقامة والصلاة، ولكنَّها ليست شرطاً، والأدلة على ذلك ما يأتي:

  • الدليل الأول

عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ بَعْدَ ما أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)،[١٣] استدلَّ به ابن رجب على جواز الكلام بعد الإقامة، لأنَّ مدة الكلام قد طالت كما بيّن أنس -رضي الله عنه- ولم يُنقل أنّه تمت إعادة الإقامة،[١٢]وهذا يدلُّ على عدم اشتراط الموالاة بين الإقامة والصلاة.

  • الدليل الثاني

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَقُمْنَا، فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فأتَى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى إذَا قَامَ في مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حتَّى خَرَجَ إلَيْنَا، وَقَدِ اغْتَسَلَ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بنَا).[١٤]

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه للحديث: "فيه دليل على جواز مناجاة الإمام بعد الإقامة، وأنّ طول المناجاة أيضاً لا يضر، وأنَّه لا تشترط المولاة بين الإقامة والصلاة؛ لأنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- ناموا، ثم قام فصلّى".[١٥]

يُكمل: "فدلَّ ذلك على أنّ طول الفصل بين الإقامة والصلاة لا بأس به، لكن بشرط أن يكون قد أقام عند إرادة الصلاة، يعني: أنَّه لا يقيم ويعلم أنَّه لن يصلي إلا بعد مدة، ولكن يقيم ثم إذا حصل ما يمنع أو ما يفصل بين الإقامة والصلاة فهذا لا بأس به ولو طال الفصل".[١٥]

المراجع

  1. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، صفحة 15، جزء 6. بتصرّف.
  2. علاء الدين الكاساني (1986)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 150، جزء 1. بتصرّف.
  3. محمد الطرابلسي، المعروف بالحطاب (1992)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (الطبعة 3)، صفحة 453، جزء 1. بتصرّف.
  4. ^ أ ب يحيى بن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 120، جزء 3. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد الله بن قدامة (1997)، المغني (الطبعة 3)، الرياض:دار عالم الكتب، صفحة 66، جزء 2. بتصرّف.
  6. ^ أ ب علاء الدين الكاساني (1986)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 151، جزء 1. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمد الطرابلسي، المعروف بالحطاب، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، صفحة 465. بتصرّف.
  8. سورة فصلت، آية:33
  9. محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مكة المكرمة: دار التربية والتراث، صفحة 469، جزء 21. بتصرّف.
  10. رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مغفل، الصفحة أو الرقم:627، صحيح.
  11. حمزة قاسم (1990)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، دمشق -الطائف:مكتبة دار البيان -مكتبة المؤيد، صفحة 115، جزء 2. بتصرّف.
  12. ^ أ ب عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (1996)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (الطبعة 1)، المدينة النبوية:مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 443، جزء 5. بتصرّف.
  13. رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:643، صحيح.
  14. رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:605، صحيح.
  15. ^ أ ب محمد العثيمين (2008)، شرح صحيح البخاري (الطبعة 1)، القاهرة:المكتبة الإسلامية، صفحة 116، جزء 8.
3700 مشاهدة
للأعلى للسفل
×