مستويات التحليل الأسلوبي

كتابة:
مستويات التحليل الأسلوبي

مستويات التحليل الأسلوبي

تنقسم مستويات التحليل الأسلوبي إلى:

  • المستوى الصوتي.
  • المستوى الصرفي.
  • المستوى النحوي.
  • المستوى الدلالي.
  • المستوى البلاغي.


المستوى الصوتي

كيف تتم المقاربة النقدية الأسلوبية للمستوى الصوتي في النص الأدبي؟

يُعد المستوى الصوتي في الدراسة الأسلوبية للأعمال الأدبية من المستويات التي أولاها النقاد اهتمامًا بالغًا، لا سيما في الأعمال الأدبية العربية، وذلك لما في اللغة العربية من دلالة لأصوات الحروف تساعد الكاتب في التعبير عن مكنوناته، وقد لا يعير البعض هذه الظاهرة اهتمامًا بالغًا في فهم النص، إلا أنه بدراستها سيتبين العكس، ويتضح أهميتها في فهم مقصد كاتب العمل الأدبي، وذلك لأن التفطن للحرف والكلمة والنسيج اللغوي هو الذي يؤدي إلى الدلالة.[١]


كما قد يساعد في الوصول إلى خفايا النص والكامن وراء سطوره، ومهما كان النص واضحًا من القراءة الأولى، فإنّ كلّ تحليل صوتيّ ولغويّ سيزيد من تعمُّق القارئ في دلالات النص، فعندما يعمد الشاعر إلى تكرار صوت حرف معين في قصيدته فلا بد من دلالة كامنة وراء هذا التكرار، مثل قول الشاعر عبيد بن الأبرص:[٢]

أَرِقتُ لِضَوءِ بَرقٍ في نَشاصِ

تَلَألَأَ في مُمَلَّأَةٍ غِصاصِ

يصف في هذا البيت لمعان البرق في سحابة قريبة مثقلة بالمطر، وقد أكثر من تكرار حروف الصفير، وهذا الصوت في تكراره دلالة على معايشة الجو العام والصور المتحركة التي تنتج عن البرق، إضافة إلى أن حروف الصفير تتميز بطول النطق بها، وهذا يدل على طول فترة البرق التي يصفها الشاعر.[١]


إنّ التكرار الصوتي لا يقتصر على الكلمات إنما قد يكون بتكرار حركة معينة في البيت، ولا بد للقارئ من فهم الجو العام للعمل الأدبي حتى يستطيع اكتشاف المكنونات وراء هذه الظاهرة الصوتية.[١]


تكون المقاربة الأسلوبية على المستوى الصوتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسرعة البديهة والانتباه لظاهرة التكرار للأصوات اللغوية في النص ومعرفة صفات الحروف وخصائصها.


المستوى الصرفي

ما هو دور علم الصرف في الدراسة الأسلوبية للأعمال الأدبية؟

المقاربة النقدية الأسلوبية لأي عمل أدبي تتصف بالشمولية، ومهما يكن من خلاف في وجهات النظر بين علماء النقد الأدبي حول منهج الأسلوبية، لا يمكن إنكار شموليتها في دراسة النص، فإنّ المستوى الثاني الذي تُدرس النص من خلاله هو المستوى الصرفي، والمقصود به الانتباه للاشتقاقات، والعلاقات القائمة بينها، فإن القاعدة اللغوية التي تقول: إنّ كل زيادة في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى صحيحة، إلا أنه لا بد من الانتباه إلى أن هذه الزيادة في المعنى لا تؤدي إلى قطع الصلة بين الأصل والاشتقاق.[٣]


هنا يأتي دور دارس النص على المستوى الصرفي، بأن يحاول أن يجد صلات وترابطات بين الاشتقاقات التي تُستعمل في النص الأدبي، ويصل من خلالها إلى دلالة النص وقصد الكاتب الكامن وراء سطور النص، ومن هنا لا بد من الانتباه للصلات بين لفظة مشتقة وأخرى قد توحيان في البداية أنّه لا صلة بينهما، ولكن بقليل من التبصر والقراءة العميقة تتضح الصلات والدلالات.[٣]


من الأمثلة على الاشتقاق لفظة "الطيب" والتي تعني العطر والرئاحة الزكية، ولفظة الطيبة والتي تدل على الخلق اللين، وبقليل من التمعن يمكن اكتشاف الصلة بينهما وهي أن الطيبة كأنها مؤنث الطِّيب، وكأن الطيبة التي يمتاز بها الإنسان تجعله زكي الرائحة يستنمتع الناس بأريجه الفواح.[٣]


إنّ النظر في العلاقات بين الاشتقاقات في اللغة العربية، والوصول إلى الروابط والمعاني الكامنة يجعل القارئ يشعر بلذة الاستنتاج ويفهم النص بوعي أكبر.


المستوى النحوي

كيف يمكن لعلم النحو أن يخدم علم الأسلوب في قراءة النصوص الأدبية؟

لم تغفل الأسلوبية في دراستها للأعمال الأدبية الناحية النحوية، فإنّ الأسلوبية الإحصائية على كل ما وُجّه لها من نقد وتجريح حول إماتة اللغة، إلا أنّها مهمة جدًا في معرفة المكنونات في كل نص، فهي لا تتوقف عند إحصاء الظواهر النحوية في نص ما، إنما تكون هذه خطوة أولى لفهم أعمق للعمل الأدبي، وإنّ التحليل الأسلوبي للنص على المستوى النحوي له دلالات مهمة في رأي النقاد.[٤]


فهو يدل على أن الظاهرة النحوية التي يستعملها الكاتب ليست مجرد أداة أو صورة محسنة، وليست زينة للنص الأدبي إنما هي تسهم مساهمة فاعلةً في خلق المعاني، وتتفاعل مع المستويات الأخرى ضمن سياق النص لإنتاج المعنى الذي يريده الكاتب، ولذلك من المهم أن يعير القارئ اهتمامه للظواهر النحوية عندما يريد مقاربة العمل الأدبي أسلوبيًا، فينتبه لتكرار الأفعال أو الأسماء أو غيرها من الأمور المتعلقة بعلم النحو مثل: التقديم والتأخير، والوصل والفصل وبناء الجمل.[٤]


من الأمثلة على المستوى النحوي قول جبران خليل جبران في نص أمام عرش الجمال: "هربْتُ من الاجتماعِ، وهمت في ذاك الوادي الفسيحِ، متبعًا مجاريَ الجدول تارةً، ومصغيًا إلى محاوراتِ العصافيرِ طورًا، حتى بلغْتُ مكانًا حمَتْهُ الأغصانُ منْ نظراتِ الشمسِ، فجلسْتُ أسامرُ وحدتِي، وأناجي نفسي"[٥] بقراءة نحوية يتضح بناء الجمل الفعلية في هذه السطور، وذلك ليدل على ضياعه وشتاته وبحثه عن مجهول، إضافة إلى أنّ الجمل الفعلية قصيرة وهذا يؤكد الضياع الذي يريد الكاتب إيصاله للقارئ.[٤]


إنّ الدراسة الأسوبية على المستوى النحوي توصل القارئ إلى مكنونات لا تُعدّ ولا تُحصى، وذلك لغنى علم النحو بالدلالات الكامنة وراء كل بحث من مباحثه.


المستوى الدلالي

كيف يمكن للمقاربة الأسلوبية للعمل الأدبي أن تصل إلى دلالة النصوص؟

إنّ الدراسة الأسلوبية لم تغفل في ناحية من نواحيها جوهر العمل الأدبي والدلالات الكامنة وراءه، إنما اتخذت من اللغة والنحو والصرف وسائل لتصل إلى هذه الدلالات، فإنّ ما وضعه دوسوسير من نظام لغوي علامات مهمة وذا أثر لم يخلُ من انتقادات تتعلق بموضوعيته وتجريده للغة من معانيها ودلالاتها الكامنة وراءها، ولم يُعر اللغة الأدبية اهتمامًا في فهم مقصد المتكلم من كلامه أو الأديب من نصه أو الشاعر من قصيدته.[٦]


قد مرّت الدراسة الأسلوبية على المستوى الدلالي بمراحل متعددة ومختلفة إلى أن وصلت في العصر الحديث للنظر إلى أن العمل الأدبي يُدرس أسلوبيًا بناء على الانزياحات الدلالية فيه، فالكلمة عندما يكون فيها انزياح دلالي عن معانيها إلى معانٍ أخرى فإن هذا سيساعد في فهم مكنونات النص، والحفاظ على اللغة الأدبية، ومعرفة مقصد الكاتب من نصه الذي وضعه بين يدي القرّاء.[٦]


يمكن القول إنّ الانزياح هو صراع بين اللغة والإنسان وتحايل الإنسان على اللغة ليوصل فكرته بأسلوب إبداعي، ويجعل القارئ يتعمق في قراءة النص حتى يصل إلى الدلالة الكامنة وراء هذه السطور، والأمثلة على الانزياح تكثر في الشعر أكثر من النثر، وذلك لأنّ الشعر قوامه بالأصل إبعاد الدوال اللغوية عن الحقول الدلالية الخاصة به، بينما قل ذلك في النثر.[٦]


من الأمثلة التي يمكن طرحها على ظاهرة الانزياح عبارة: "لأني أحبك يجرحني الماء" وهي عبارة قالها محمود درويش في قصيدته يطير الحمام، فالانزياح هنا وقع في إسناد الفعل يجرحني إلى فاعل لا يتلاءم معه، وبقراءة أعمق على المستوى الدلالي يتّضح أن المقصود حساسية الشاعر تجاه هذا الموضوع، حتى إن الماء الرقراق الصافي قد يكون سببًا في جرحه.[٦]


إنّ المستوى الدلالي في الدراسة الأسلوبية مهم جدًا، وحتى يتوصل القارئ إلى هذا المستوى لا بد من قراءات متعددة تُمكّنه من اكتشاف العلاقات بين مفردات النص ودلالاتها.


المستوى البلاغي

ما هي العلاقة بين علم البلاغة والدراسة الأسلوبية للنصوص الأدبية؟

ثمة ترابط وثيق بين المقاربة الأسلوبية للعمل الأدبي وبين علم البلاغة، فالبلاغة تُميّز أسلوب كاتب عن آخر، ولذلك لا بد من دراسة أسلوبية على المستوى البلاغي كي تتضح الرؤيا للقارئ من جميع الجهات وعلى كافة المستويات، وإنّ هذا الترابط بين علم الأسلوب والبلاغة يعود إلى أن البلاغة في مضمونها فيها طابع التعقيد والترابط الموجود في الأسلوبية.[٧]


وبدورها تقوم الأسلوبية بتزويد علم البلاغة بالنتائج التي تصل إليها من قراءة النصوص، وذلك بعد استخلاص التحليلات النصية وقراءة ما وراء السطور، وإنّ التحليل الأسلوبي الذي يعتمد على أشكال المجاز وأنساق الصور الفنية وطريقة تكوين البنية التخيلية في النص بأكمله من أهم وجوه الدراسة الأسلوبية، وذلك لما في هذه الدراسة من تخطٍ للخصائص الجزئية للعمل الأدبي، والنظر إليه بشمولية توضح خصائصه المميزة له عن غيره من الأعمال الأدبية.[٧]


على سبيل المثال يمكن النظر إلى نص جبران خليل جبران في كتاب دمعة وابتسامة، وهو نص بعنوان بيت السعادة، فيلاحظ القارئ أنه من العنوان لجأ للمجاز، فاستعمل الاستعارة التجسيمية والتي يربط فيها بين أمر مادي وآخر مجرد، فجعل للسعادة بيتًا، وبقراءة كاملة للنص يتبين أنّ ما يريده هو أن الفقراء يظنون أن السعادة بالمال والماديات، بينما الحقيقة خلاف ذلك، واختياره للعنوان المجازي توافق مع دلالة النص.[٧]


إنّ الدراسة الأسلوبية على المستوى البلاغي تُساعد في الوصول إلى استنتاجات وترابط بين مفردات النص، وتجعل القارئ يتعمق فيما وراء السطور ليكتشف ما يريده كاتب النص.

المراجع

  1. ^ أ ب ت محمد عزّأم (2008)، اتجاهات التأويل النقدي من الكتوب إلى المكبوت (الطبعة 1)، دمشق:وزارة الثقافة، صفحة 336. بتصرّف.
  2. "أرقت لضوء برق في نشاص"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت يوسف سامي اليوسف (2011)، الأسلوب والأادب والقيمة (الطبعة 1)، دمشق:وزارة الثقافة، صفحة 62. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت وائل بركات وغسان السيد (2004)، اتجاهات نقدية حديثة ومعاصرة، صفحة 184. بتصرّف.
  5. جبران خليل جبران، دمعة وابتسامة، القاهرة:دار العرب البستاني، صفحة 44. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث أحمد علي محمد (2016)، في الشعرية (الطبعة 1)، سورية:الهيئة العامة للكتاب، صفحة 16. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت صلاح فضل، في النقد الأدبي، سورية:اتحاد كتاب العرب، صفحة 64. بتصرّف.
7266 مشاهدة
للأعلى للسفل
×