مظاهر الإعجاز التشريعي في حد السرقة

كتابة:
مظاهر الإعجاز التشريعي في حد السرقة

مظاهر الإعجاز التشريعي في حد السرقة

من مظاهر الإعجاز التشريعي في حد السرقة ما يأتي:

  • العلة الأبرز التي يمكن استنتاجها من حد السرقة -عقوبة القطع-: محاسبة الجاني بخلاف ما يريد؛ فالسارق قبل أن يُفكر بفعل جريمة السرقة إنما يُفكر في زياد كسبه من خلال الاعتداء على كسب غيره؛ وهو بذلك يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال، ويريد أن ينمي ماله عن طريق الحرام، ولا يكتفي بثمرة عمله فيطمع في ثمرة عمل غيره.[١]
عاقبت الشريعة السارق بخلاف قصده؛ لأنَّ في قطع يد السارق ما سيؤدي إلى نقصان في كسبه؛ لأنَّ اليد أداة الكسب الرئيسة، ونقص لأداة الكسب -أي اليد- سيؤدي إلى نقص ثرائه، وهذا يستتبع منه شدة الكدح وكثرة العمل والخوف الشديد على المستقبل، وبذلك تكون الشريعة قد استغلت العامل النفسي الذي أدى لارتكاب جريمة السرقة بعامل نفسي مضاد؛ صَرَفَ الجاني عن القيام بتلك الجريمة.[٢]
  • حين تنتشر جرائم السرقة بسبب العقوبة غير الرادعة، سوف يزهد العامِل عن الحركة المنتجة، وتتضرر عجلة الاقتصاد والإنتاج؛ لأنَّ حركة هذا الإنسان تفيد المجتمع سواء أكان ذلك في باله أم لم يكن، والحق -تعالى- يريد أن يحمي حركة المتحرك، وصيانة ثمرة حركة المتحرك؛ فلا يُنظر إلى شدة عقوبة السرقة مفصولةً عن ما تؤدي له الجريمة بحد ذاتها؛ كانتشار السرقة وإضرارها في المجتمع.[٣]
  • عندما يسمع اللصوص ومن يفكرون بارتكاب جريمة السرقة بأنَّ الدولة ستقطع يد السارق، لن يفكروا بأن يسرقوا أو يرتكبوا جرائمهم؛ لأنَّ المراد من تطبيق العقوبة أن يأخذ الآخرون العبرة.[٤]
وأن يتعظوا بما حصل مع غيرهم؛ لذلك عبَّر عن العقوبة بكلمة (نَكَالاً)؛[٥] أي عبرةً تمنع الآخرون من التقليد في الجرم، فكأنَّ الجزاء يُقصد منه أن يرى الإنسان مَن قُطعت يده، فيمتنع عن تقليده في ذلك مما يؤدي إلى سيادة الأمن في المجتمع.[٤]

أركان عقوبة السرقة وشروطها

المقصود بالسرقة: أن يأخذ الإنسان المُكلَّف بالخطاب الشرعي مالاً يملكه الغير، وكان المال مُحترماً مُحرَّزاً قد بلغ النصاب، بلا شبهة للسارق فيه، على وجه خِفية من المسروق منه،[٦] وقد حددت الشريعة الإسلامية عقوبة جريمة السرقة بقطع يد السارق؛ بدليل قوله -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ).[٥]

يُفهَم من تعريف السرقة أنَّه ليس كلّ من أخذ المال خِفية يعاقب بأن تُقطع يده، بل ينبغي أن تتوفر أركانٌ قبل تنفيذ العقوبة وتحت كل ركنٍ شروط، وبيان تلك الشروط والأركان ما يأتي:[٧]

  • السارق، وأبرز شروطه المتفق عليها: العقل، والبلوغ، والقصد، وعدم الحاجة الاضطرارية، وانتفاء القرابة مع المسروق منه، وعدم وجود شبهة استحقاقه للمال.
  • المال المسروق، وأبرز شروطه: أن يكون مالاً محترماً له قيمة فلا تقطَع يد سارق الخمر لإهراقه، والصنم لتكسيره، وأن يكون قد بلغ النصاب، وأن يكون محفوظاً داخل حِرز يحميه.
  • الأخذ خفية، ينبغي أن يتوفر فيه شرطان مجتمعان: الأخذ خفية والإخراج من الحِرز، وتجدر الإشارة إلى أنَّه في حال عدم تحقُّق الشروط في كل ركن؛ لا يعني العفو عن السارق، فللحاكم أن يوقِع العقوبة التعزيرية بحسب ما يراه مناسبًا لكلِّ حالة.
  • المسروق منه، وأبرز شروطه: أن يكون معلوماً، معصوم الدم، مالكاً الشيء المسروق مِلكاً حقيقياً.

حالات سقوط حد قطع اليد عن السارق

حتى لو توفرت أركان السرقة، فهنالك موانع تمنع تطبيق حد القطع، وفيما سيأتي بيانٌ لِما اتفق عليه الفقهاء بخصوصها:[٨]

  • عفو المسروق منه، إذا سامَح المسروق منه السارقَ -وتنازل عن حقه- فلا تُقطع يد السارق، بشرط عدم وصول القضية إلى الحاكم رسمياً.
  • تراجع السارق عن الإقرار، تثبت جريمة السرقة بالإقرار فقط، فإن تراجعَ عن الإقرار قبل القطع يسقط عنه الحد؛ لأنَّ تراجعه عن الإقرار يورث شبهة الإكراه على الإقرار.
  • الشفاعة
إذا شفعَ أهل الفضل الذين تُقبَل شفاعتهم في السارق، وبخاصة إذا كان السارق مِن أهل الفضل الذين لم يُعرف بفعلِ الشر، ويغلب على الظن أنَّ الستر عليه سيعينه على التوبة -بشرط أن يوافق المسروق منه، وقبل أن يصل الأمر إلى الحاكم رسمياً-، وإلا فالشفاعة تصبح محرَّمة شرعاً.

المراجع

  1. عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، صفحة 652. بتصرّف.
  2. خطأ استشهاد: وسم غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة 3f00a084_1608_4425_b94d_e482a6d46aa7
  3. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 3123. بتصرّف.
  4. خطأ استشهاد: وسم غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة de2e2053_1a1f_4c5b_981b_ec50f8465340
  5. ^ أ ب سورة المائدة، آية:38
  6. مجموعة من المؤلفين، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، صفحة 23. بتصرّف.
  7. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 162.
  8. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 135. بتصرّف.
4714 مشاهدة
للأعلى للسفل
×