مظاهر التيسير في الزكاة

كتابة:
مظاهر التيسير في الزكاة

مظاهر التيسير في الزكاة

بيَّن الله -تعالى- للإنسان في كتابه الكريم أنّ دينه كلّه يُسر، قال -سبحانه-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)،[١] كما بيّن أنّه ما مِن حرجٍ يقع على المسلم إلّا رفعه الله عنه بالرُّخَص، فقال -عز وجل-: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)،[٢] وبهذا تمامُ اليسر وكماله.[٣] وتجلّت مظاهر اليسر والتسهيل في أداء فريضة الزكاة فيما يأتي:[٤][٥]

  • كون الزكاة مفروضةً في الأموال الفائضة المتزايدة، لا في الأموال التي يحتاجها الإنسان؛ كمسكنه، ومركبه، وقوت يومه، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة)،[٦] وبهذا يتحقّق اليسر.
  • وجوب الزكاة في المال له شرط الاستطاعة، ويتحقّق هذا الشرط من وجهين:
    • أن يبلغ المالُ النصاب، وهو في الفضة مئتا درهمٍ، وفي الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب سائمة الإبل خمس، ونصاب البقر ثلاثون، والغنم أربعون، أما الحبوب والزروع والثمار فنصابها خمسة أوسق.
    • أن يحول عليه الحَوْل، أي أنها تؤدَّى مرةً واحدةً في السنة، وهذا مما لا عُسر فيه.
  • اليُسر في إخراج زكاة الزروع والثّمار، حيث أوجب الله -سبحانه- العُشرَ في ما يُسقى بماء المطر، أمّا ما يُكلّف به المُزارع بالسقي؛ ففيه نصف العشر، وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر)،[٧] فمن يُسره أنه خفَّفَ مقدار الزكاة مقابل ما يدفعه المُزارع في سقاية محصوله.
  • وجوب الزكاة في الزروع والثمار عند حصادها، لقوله -تعالى-:(وَآتوا حَقَّهُ يَومَ حَصادِهِ)،[٨] ويظهر اليُسر في هذا الأمر من وجهين:
    • سهولة إخراج الزَّرع على المالك حينها.
    • حاجة المُستحِقّ للزكاة إلى الثمار في تلك الحالة وهي في كمال نُضجها.
  • إيجاب الزكاة في بهيمة الأنعام التي تتغذّى بالمباح من الأراضي العامة، فإن كان صاحبها يعلفها فلا زكاة عليه، واليُسر بعدم الجمع بين الزكاة وتكلُفةِ العَلف.
  • التيسير بالتوسُّط في أخذ الزكاة، فيؤخذ من المزكِّى ما هو مقبولٌ وجيدٌ من أمواله، ولا يؤخَذ منه من كرائم ماله ولا الرّديء منه.
  • مقدارُ الزكاة الواجبة يسيرٌ بالنسبة للمال الواجبة فيه، فهي رُبع العشر: أي (2.5%)، يعني جزء واحد من أربعين جزء، بحيث لا يُؤثّر في المال بالنّقص، ولا يَشقّ على النّفس، فهو ضمن المَقدور عليه، وإنَّما يحثُّها على الوقاية من الشحّ والبخل، بل ويضمن مؤدّيها البركة والزيادة لهذا المال المُزكَّى، لِما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما نقصت صدقة من مال)،[٩] وهذا ليس يسراً فقط، بل هو كرمُ الكريم -سبحانه-.[٣]


خصائص الزكاة

تختصُّ الزّكاة عن غيرها بما يأتي:[١٠][١١]

  • كونها عبادةٌ ماليةٌ يقصدُ بها المسلم التقرُّب إلى الله -تعالى- الذي له مُلك كلِّ شيء، حيث إنّ إيمان العبد وإخلاصه مرتبطان بهذه العبادة وتأديتها.
  • مصادرها ومصارفُها محدّدة، فهي تؤخذ من الأغنياء ليستفيد منها أصحاب الحقّ الذين حدّدهم الله -تعالى- في القرآن الكريم.
  • هدفها تزكية وتطهير نفوس أصحاب الأموال من الشُّح، والترفُّع بهِم إلى الإحسان والبذل، وتذكيرهم بحقوق الفقراء والمساكين في أموالهم، ومشاركتهم إخوانهم في عُسرهم وتخفيفه عنهم إيماناً بعدل الله.
  • محل وجوب الزكاة في المال الطيب حلالِ المصدر، وهي حقٌ لمستحقّيها بغير مَنٍّ ولا أذى، كما يقول -جلَّ وعَلا-: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى).[١٢]
  • عدالة التشريع الإسلامي للفرد بحفظ استقلاله وحرّيته في العمل والكسب، وحفظه لحقّ الفرد على مجتمعه من المعونة والتضامن من خلال عبادة الزكاة.


منزلة الزكاة في الإسلام

شرع الله الزَّكاة كرُكنٍ ثالثٍ من أركان الإسلام، وقد ذكَرَها -عليه الصّلاة والسّلام- حيث قال: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزّكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،[١٣] فهي أحد أعمدة الإسلام، وقد ذَكرها الله -تعالى- في أكثر من موضعٍ ملازمةً لعمود الإسلام الأوّل؛ ألا وهو الصلاة، فقال -سبحانه-: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير)،[١٤] وهذا لعُلوِّ قدرها بين العبادات، وفرضيّتها من المعلوم من الدين بالضرورة، فهي عبادةٌ ماليّة شُرعت تقرّباً لله -عز وجل-؛ لتنقية مال المسلم وحفظه من الزوال وطرح البركة فيه، وتزكيةً للمُزَكِّي من حبِّه للمال حبّاً جماً، وتزكية المحتاج من النَّظر إلى رزق الآخرين.[١٥][١٦]


ويظهر أثر الزكاة على المسلم في عدّة أمورٍ، منها: فوز المسلم بأجر تحقق الطاعة والعبودية لله سبحانه، والاتباع لرسوله، قال -تعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،[١٧] وتطهير النفس وتزكيتها من الذنوب، وهو في قوله -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها).[١٨][٤] وجاءت الزكاة في القرآن الكريم بغير لفظها الصريح، حيث ذُكرت بلفظين هما:[١٩]

  • لفظ الصدقة، في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٢٠] والمراد بها الزكاة، فقوله: (فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ)؛ دلّ على ذلك، وتعني حكماً قدّره الله -سبحانه- وفرضه.
  • لفظ الإنفاق، في قوله -تعالى-: (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ)،[٢١] وأُريد به الزكاة.


المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. سورة المائدة، آية: 6.
  3. ^ أ ب ابن عثيمين (15/9/1424هـ)، كتاب شرح رياض الصالحين الرياض: دار الوطن للنشر، صفحة 223-224، جزء 2.بتصرّف.
  4. ^ أ ب حمد بن عبد الله الزهراني (1410-1413)، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 105-106. بتصرّف.
  5. فالح بن محمد الصغير الناشر، كتاب اليسر والسماحة في الإسلام، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة ص30 -31، بتصرّف.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1463، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1483، أورده في صحيحه وعلق عليه.
  8. سورة الأنعام، آية: 141
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2588، صحيح.
  10. هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، كتاب مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 142، جزء 30. بتصرّف.
  11. د نبيل السمالوطي، بناء المجتمع الإسلامي (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 237-238. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية: 264.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
  14. سورة البقرة، آية: 110.
  15. سعيد بن وهف القحطاني ( 2010)، الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 11. بتصرّف.
  16. ابن العثيمين (1410هـ)، جلسات رمضانية، السعودية: موقع المكتبة الشاملة، صفحة 3، جزء 21.بتصرّف.
  17. سورة الأحزاب، آية: 71.
  18. سورة التوبة، آية: 103.
  19. أحمد بن عبد الله الزهراني (المحرم 1410 - ذو الحجة 1413)، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 105-106. بتصرّف.
  20. سورة التوبة، آية: 60.
  21. سورة التوبة، آية: 34.
4971 مشاهدة
للأعلى للسفل
×