محتويات
مفهوم الغزو
إذا سُئِل أي إنسان عن الاستعمار، فسوف يتبادر لذهنه في بادئ الأمر، الغزو التقليدي، وهو ما يمكن تعريفه بأنه: فرض سيطرة دولة قوية على دول ضعيفة، والتحكم بمصير شعبها، اما عن الغزو التقليدي، فقد تمت معرفة هذا الشكل منذ القدم، فقد احتلت الحضارة اليونانية آسيا الصغرى، وأقامت فيها مستعمرات تابعة لها، وفي العصور الوسطى ظهرت بعض القوى الاستعمارية مثل البرتغال، وهولندا، وفيما بعد ظهرت دولتان قويتان، وكانت لهما مستعمرات شاسعة في العالم، وهما الإمبراطورية البريطانية والتي سميت بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وفرنسا وأخيرًا ظهرت أمريكا والاتحاد السوفييتي، واللتان شكلتا في العصر الحالي أهم أقطاب القوة في العالم، وسيتم تاليًا ذكر مظاهر الغزو الثقافي.[١]
مفهوم الغزو الثقافي
بعد ذكر مفهوم الغزو، والذي يمكن تسميته بالاستعمار الاستيطاني، وهو الشكل الأشهر من أشكال الغزو، وهناك أشكال عدة للاستعمار، منها: الاستعمار الاستيطاني، والذي تم تعريفه سابقًا، والوصاية والانتداب، والمعاهدات غير المتكافئة، والغزو الفكري والثقافي، وسيتم التركيز على مظاهر الغزو الثقافي وتعريفه وأسبابه، وقبل الحديث عن مظاهر الغزو الثقافي، يجب ذكر مفهوم الغزو الثقافي، فيمكن تعريفه بأبسط صورة بأنه: فرض ثقافة المستعمِر على المستعمَر، ويمكن تعريفه أيضًا بأنه: شكل من أشكال الاستعمار أو الإمبريالية وأخطرها، والذي يتم فيه سلخ المستعمَر عن هُويته، وطمس تاريخه، وقد تم تعريفه من قبل الكاتب محمد مرسي بأنه: "أن تقوم أمةٌ من الأمم بالسعي لتغيير مناهج التربية والتعليم لدولة من الدول، فتطبقها على أبنائها وأجيالها، فتشوّه بذلك فكرَهم، وتمسخ عقولَهم، وتخرج بهم إلى الحياة!".[٢]
وإن الوطن العربي بشكلٍ عام لَهو أحد أبرز ضحايا مظاهر الغزو الثقافي، فقد ركز عدد كبير من أدباء المشرق العربي والإسلامي أنظارهم بخصوص مظاهر الغزو الثقافي إلى استهداف الإسلام، إذ يرى بعضهم بأن هذا الغزو يقوم ليثبت في أفكار العرب بأنهم متخلفون وجهّال، ومتمسكون بعادات بالية، وبدين مقيّد لهم، مما يؤثر فيهم سلبًا، فيخرج منهم العلماني والليبرالي، وإلى غيره من الأشكال التي تعد نتاج إقناع العرب بذلك.[٢]
مظاهر الغزو الثقافي
بعد معرفة مفهوم الغزو الثقافي، يتم الآن ذكر مظاهر الغزو الثقافي، وهي أهم ما عرف في التاريخ القديم الحديث والمعاصر من صور للغزو الثقافي، فقد عُدّ الغزو الثقافي التي قامت به الحضارة الرومانية من أوائل مظاهر الغزو الثقافي، فعند احتلالها لإيطاليا، استقطبت شعب إتروريا عن طريق استبدال اللغة الأترورية باللاتينية، مما أدى إلى زوال هذه اللغة والعديد من جوانب الحضارة الأترورية، وليس ذلك فحسب، إنّما فرضت الإمبراطورية الرومانية ثقافتها على أجزائها المترامية، حتى وإن كان ذلك بالإجبار والإرغام، ومن ذلك، عندما احتلّت الإمبراطوريّة الرومانية الإمبراطورية اليونانية، أنستها ما كانت عليه، وأرغمتها بثقافتها.[٣]
أما في العصر الحديث فتمثل به مظهر من مظاهر الغزو الثقافي، وهو حكم الإمبراطورية البريطانية، والتي كانت تبعث بجمعيات تبشيرية، لاعتناق المسيحية الكاثوليكية، وقد كانت أيضًا تفرض مناهج دراسية على مستعمراتها بما يوافق هوها ومرادها، وقد كتب موراغ بيل: "لقد كان الترويج للإمبراطورية من خلال الكتب والمواد التوضيحية والمنهج التعليمي واسع الانتشار، وهو جزء من سياسة تعليمية موجهة إلى الإمبريالية الثقافية"، وكان ذلك من أشهر مظاهر الغزو الثقافي في العصر الحديث.[٣]
وسائل الغزو الثقافي
صحيحٌ أن الغزو الثقافي لا يعتمد على القوة العسكرية، والأدوات الحربية، ولكنه يملك وسائل تعدّ أفتك أنواع الغزو وأشكاله، إذ إنّها تنخر في عظم المجتمع المستعمَر، وتسلخ أفراده عن تاريخهم ومعتقداتهم وأفكارهم، مما يؤدي بهم إلى التبعية العمياء، وتاليًا تذكر أهم وسائل الغزو الثقافي:[٤]
- الإعلام: إذ إن الغرب يتحكم في أهم مفصل، وهو السلطة الرابعة، والناظر إلى وسائل الإعلام، يدرك مدى تحكم قوى الشر فيه، إذ يدعى فيه بصريح العبارة إلى الفسق والفجور والمجون، ويتم دس شبهات فيه، تشكك المرء في إيمانه، ويتم فيه نشر الرذيلة، وكل تلك الخطوات، ما هي إلا للقضاء على فكر المستعمَر.
- الاستشراق: وهو دراسة الغربيين للشرق وعلومه وأديانه، خاصة الإسلام، وذلك لأهداف مختلفة، من أهمها تشويه الإسلام وإضعاف المسلمين.
- العولمة الثقافية: وهي باختصار فرض الثقافة الغربية عن طريق المنظمات والمؤتمرات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة، وإن كان للعولمة وجوه مفيدة في التقنية والاتصال عمومًا، لكن لها جوانب خطيرة في الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
- التنصير: أو ما يسمّى بالتبشير، والذي تم ذكره آنفًا، وفد كان الغرب يستغلون القحل والمجاعات التي في بعض مناطق إفريقيا، ويظهرون لهم شيئًا من اللطف المزيف، وبذلك يقنعونهم بالدين النصراني، فيعتنقوه.
عوامل الغزو الثقافي
بعد الحديث عن مظاهر الغزو الثقافي ووسائله، يتم الآن ذكر أسباب ودواعي الغزو الثقافي، وبشكل خاص، بالنسبة للمسلمين، بما ان الفرد المسلم هو المستهدف الأول من قبل هذه الحركة الاستعمارية غير المباشرة، ومظاهر الغزو الثقافي خير دليل على صحة هذا القول، ومن الأسباب والدوافع ما يأتي:[٥]
الدافع الديني
وهو ما أثاره رجال الكنيسة، في شعوب أوروبا، مفترين على المسلمين أبشع الافتراءات، محرضين النصارى أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدي الكفار -أي المسلمين-، فكان ذلك أول دافع على فرض الثقافة والديانة النصرانية.
الدافع الاستعماري السياسي
بدأت حركة الغزو الثقافي من منطلق ضرب المسلمين عن طريق الكلمة، بعد هزيمة الحروب الصليبية، والعمل على ترجمة القرآن، والسنة، وعلوم المسلمين، للبحث عن الثغرات التي باستطاعتهم الدخول منها إلى إثارة الشبهات، وقد أعلنوا صراحة أن الإسلام هو عدوهم الأول، وأن أكبر غاية لهم هي ضرب وهدم قواعده، وذلك عن طريق الغزو الفكري لا الاستيطاني.
التقدم العلمي عن الغرب
لقد كان الغرب يملك تقدمًا علميًا فائقًا، مما يعني أنهم يملكون تقدمًا ماديًا كبيرًا، وروحًا من التحمل والصبر على العمل والإنتاج، وروحًا عملية في مواجهة المشكلات من ناحية الدراسة أو من ناحية التنفيذ، ولا شك أن التقدم العلمي المذهل للغرب، كان يخدم أفكارهم الاستعمارية.
الضعف الفكري والتفكك عند المسلمين
إن التفكك الاجتماعي نتيجة حتمية للضعف الفكري؛ لأن الضعف الفكري لا يكشف للإنسان مخاطر الانزلاق في الهاوية، ولهذا يعرف عن المجتمعات الإسلامية، أنها قد ابتليت بالطوائف المتعددة والمتناحرة، والمذهبية العصبية، وتعدد التوجهات وتنافسها غير الشريف، التي قامت على أساس شعوبي أو مذهبي، في هذا المجتمع أو ذاك، مما أدى إلى تسهيل عملية الغزو الثقافي.
المراجع
- ↑ "استعمار"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد عبد العليم مرسي، الثقافة والغزو الثقافي في دول الخليج العربية، الرياض: دار العبيكان للنشر، صفحة 136. بتصرّف.
- ^ أ ب "استعمار ثقافي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الغزو الفكري "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أسباب الغزو الفكري"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019. بتصرّف.