الأندلس
تُعرَف الأندلس باسم شبه الجزيرة الإيبيريّة، التي تقع غربَ القارة الأوروبيّة وهي اليوم دَوْلتا إسبانيا والبرتغال، ويحدّها من الغرب المحيط الأطلسي ومن الجنوب البحر الأبيض المتوسط، يفصل الجزيرة عن المغرب العربي مضيق عرف منذ الفتح الإسلامي مضيق جبل طارق، وأطلق المسلمون اسم الأندلس على شبة الجزيرة الإيبيرية، والذي يعني "الشيء الخفي"، بعد أن دخلوها بقيادة طارق بن زياد وبأمر من القائد موسى بن نصير الذي وليَّ بأمر من الوليد بن عبد الملك على المغرب، وبهذا أصبحت جزءًا من دولة الخلافة الأمويّة عام 92هـ -771م، واستمرّ هذا الفتح لِما يقارب 800 عام من وجود المسلمين في الأندلس، حتى سقطت مملكة غرناطة آخر ممالك الدولة الأندلسية عامَ 897هـ الموافق 1492م، وتاليًا حديث حول معركة العقاب.[١]
معركة العقاب
معركة العُقاب أو معركة لاس نافاس دي تولوسا، هي معركة وقَعَت في 16 يوليو 1212م 609هـ، عند جبال الشارات بالقرب من مدريد، حيث شكّلت نقطة تحوّل في تاريخ شبه الجزيرة الإبيرية، وقاد جيوش المسلمين الموحدين السلطان الناصر لدين الله التي جاءت من أنحاء الأندلس ومن العرب والمغاربة، وقاد القوات الصليبية الملك ألفونسو الثامن ملك قشتالة ومنافسوه السياسيّون ألفونسو الثاني ملك البرتغال وبيدرو الثاني ملك أراغون وسانتشو السابع ملك نافارة.[٢]
بعد انتصار الموحّدين على الصليبيين في معركة الأرك سنة 591هـ، خضع الصليبيون للهدنة في انتظار الفرصة للقضاء على المسلمين في الأندلس لغسل عار المعركة المُذلة، استغل ألفونسو وفاة السلطان المنصور الذي خلفة ابنه الناصر لدين الله؛ فكان منشغلًا بقمع ثورات بني غانية في المغرب منذ 595هـ حتّى 607هـ، وهي السنة التي قرر ألفونسو الثامن أنّ يرد هزيمته، فبدأ حملته الصليبية على الأندلس بإزالة الخلافات بين ممالك إسبانيا النصرانية الثلاثة "أراجون وليون وقشتالة" والتي كانت سببًا لهزيمتهم المدوية في معركة الأرك، فطلب المعونة من بابا روما إنوصان الثالث الذي يفيض بأحقاده تجاه المسلمين لإفشالهم الحملات الصليبية على الشام وتحرير القدس، فاعلن موافقته بشنّ حرب صليبية ضد المسلمين في الأندلس، فبدأ الغارات على المدن والقلاع الإسلامية، فأسر وسبى وقتل.[٣]
أرسل الناصر لدين الله كتابه إلى سائر أنحاء الأندلس وأفريقيا والمغرب وبلاد القبلة، للنفير للجهاد ضد الصليبيين في شعبان سنة 607هـ خرج الناصر بجحافل جرارة تقدّر بنصف مليون جنديّ، وهذه الضخامة كانت سببًا مباشرًا للهزيمة، وانضم لألفونسو مجموعة كبيرة من الأساقفة والرهبان وآلاف المتطوعين من هولندا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا، إضافة للفرسان الأسبتارية والداوية الذين قدموا من الشام لحرب المسلمين، وأمر بابا روما بالصوم ثلاثة أيّام لطلب انتصار الصليبيين على مسلمي الأندلس، وأقيمت الصلوات العامة وعمد وارتداء الرهبان والراهبات السواد وساروا حفاة في مواكب دينية.[٤]
حدّد الناصر الهجوم على قلعة شلبطرة التي كانت بيد فرسان المعبد، وكانت نقطة إغارة على المدن الإسلامية، فطوق الموحدون القلعة وحاصروها وضربوها بالمجانيق حتى فتحوها بعد 51 يومًا، تأثر الصليبيين للأهمية الكبيرة لهذه القلعة، فهجموا على قلعة رباح لأهميتها ولمكانتها عند المسلمين، فشدد الصليبيون عليها الحصار حتى استسلمت حاميتها الصغيرة نظير الأمان، غضب الصليبيين الفرنجة الذين أتوا من أوروبّا الذين لذبح الحامية الإسلامية لا لإعطائهم الأمان، فانشق كثير منهم وتركوا ألفونسو وعادوا إلى بلادهم.[٥]
بعد سقوط قلعة رباح وقعت حادثة سيئة كان لها الأثر الأكبر على معنويات الجيوش الإسلامية، فقد قام الناصر لدين الله بإعدام يوسف بن قادس قائد القلعة ومن معه من الفرسان، اتّقادًا منه بتفريطهم في الدفاع عن القلعة، فتأثر الأندلسيون بهذا الفعل وغضبوا وبيتوا الغدر والفرار عند الحرب، الذي أدى لكارثة في معركة العقاب، وتكملة للأخطاء الناصر لدين الله قام بوضع خطة هزيلة؛ حيث وضع في المقدمة المتطوِّعين الذين لا يملكون خبرة بالقتال، ومِنْ الخلف متطوعة الفرقة الأمامية، والمفترض أن يضع في المقدمة الجيش النظامي المدرب لصدِّ الهجمة الأولى؛ حتى يتملَّك الخطوة الأولى في معركة العقاب، لكن العكس هو الذي حدث، وكذلك جعل الأندلسيين في ميمنة الجيش، بعد قَتْل قائدهم الأندلسي أبي الحجاج يوسف بن قادس ما أضعف من معنوياتهم.[١]
اغترَّ الناصر لعِظم جيشه، بدأت معركة العقاب في 15 صفر 609هـ، وهجم الموحدون بقوة على الصليبيين الذين صمدوا، فبدأوا بالانهزام والتراجع أمام الموحدين، وكأنّ النصر قريب، ولكن هجومًا خاطفًا لألفونسو الثامن على الميمنة، وأخر للملك أراجون على الميسرة، عمل على اضطراب جناحَيْ الجيش الإسلامي، في ذلك الوقت نفذ الأندلسيون خطتهم وفروا من أرض معركة العقاب، حاول الناصر تنظيم صفوف الجيش؛ ففشل وكاد أن يقتل، انتهت المعركة بهزيمة مذله للموحدين، قتل فيها عشرات الآلاف معظمهم من المتطوعين المغاربة وقبائل العرب، هذه الهزيمة كانت أول مسمار في عرش دولة الموحدين وإنذارًا بانهيار مملكتهم الواسعة، وقلب موازين القوى بالأندلس لصالح الإسبان، واقام إنوصان الثالث بابا روما صلوات شكر مخصوصة، وعمّ الابتهاج والفرح في أنحاء أوروبا.[٤]
أسباب هزيمة معركة العقاب
هنالك عدة أسباب لهزيمة معركة العقاب الساحقة التي لحقت بالمسلمين الموحدين في الأندلس، من قبل الصليبيين في الأندلس وأوروبا، فبعد ما حصل في المعركة يمكن حصر الأخطاء التي ارتكبها الناصر لدين الله دون غيره، وهو في اتجاه معركة العقاب، وذلك على النحو الآتي:[١]
- إطالة حصار قلعة سلبطرة الذي استمرّ 51 يومًا، ما مكن النصارى من التجهيز والاستعداد لمعركة.
- الاستعانة بالبطانة والحاشية السيئة، مثل وزير السوء أبي سعيد بن جامع.
- قتل قائد محمية قلعة رباح، القائد الأندلسي المشهور لدى أهل الأندلس أبي الحجاج يوسف بن قادس.
- تقسيم الجيش وتنظيمه الخاطئ في أرض معركة العقاب.
- الغرور في قوة العدد والعدَّة، فغرور الناصر لدين الله واعتقاده بأنّه منتصر لكبر جيشه، فهو أضعاف الجيش المقابل، وهنا تبدت في الأفق سحائب غزوة حنين، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}.[٦]
المراجع
- ^ أ ب ت راغب السرجاني (2011)، قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ "معركة العقاب "، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 08-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "معركة العقاب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 08-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "معركة العقاب"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 08-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "معركة العقاب"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 08-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 25.