محتويات
الشعر العربي
للشعر عند العرب مكانةٌ ذات أهميّة كبيرة بخلاف بقيَّة الأمم والشعوب، والشعر العربي هو الشعر الذي تمَّت كتابته باللغة العربية حصرًا ويعدُّ أحد أهمِّ أشكال وأنواع الفنون الأدبية التي حظيَت باهتمام واسع بَدْءًا من العصر الجاهلي قبل الإسلام وانتهاء بالعصر الحديث، وخلال جميع العصور التي مرَّت بها الأمة العربية والإسلامية، يتميَّز الشعر عن غيره من الفنون الأدبية بالأوزان والقوافي التي يعتمدها، حيثُ يعبِّرُ الشاعر عمَّا يستعر في نفسه من مشاعر وأفكار وهواجس بكلام ساحر بديع يحرك دواخل القراء، وهذا المقال سيلقي الضوء على المعلقات العشر ومعلقة طرفة بن العبد.
المعلقات العشر
لا بُدَّ من القول بأنَّ المعلقات من أشهر ما كُتب في الشعر العربي وتحديدًا في العصر الجاهلي، وقد ورد في أسباب تسميتها أكثر من قول، فقيل: إنها سميت بذلك لأنّها تَعْلق بالأذهان فورَ سماعها، وقيل أيضًا: إنها سميت بالمعلقات لأنها كانت تكتبُ بماء الذهب على رقع يتمُّ تعليقها على أستار الكعبة قبل الإسلام، وهي من أنفس وأروع القصائد من شعر العرب القديم، لذلك أعطاها الناس أولوية خاصَّة وتناولها الأدباء بالشروح والكتابة، وغالبًا ما تبدأ المعلقات بذكر الوقوف على الأطلال والتغني بديار المحبوبة مثل معلقة طرفة بن العبد، ويعدُّ حماد الراوية أول من جمع المعلقات السبع الطوال وأسماها بالمعلقات السموط على الراجح، وكان يعتبرها أعذب ما قالته العرب.[١]
وقد قام كثير من الكتاب والأدباء بدراسة المعلقات بشكل واسع مثل ابن الكلبي وابن عبد ربه وغيرهم، وقد وُجدَ في الكتب القديمة التي تناولت المعلقات سبع قصائد تختلف عن بعضها بواحدة أحيانًا، فقد يورِدُ أحدهم قصيدة لأحد شعراء المعلقات ويهمل أخرى لشاعرٍ آخر، فوقع من بعدهم في حيرة في تحديد القصائد السبع فجعلوا المعلقات عشر وهي لكل من الشعراء الآتية أسماؤهم: امرؤ القيس، طرفة بن العبد، الحارث بن حلزة، زهير بن أبي سلمى، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، لبيد بن ربيعة، الأعشى، عبيد بن الأبرص، النابغة البياني.[١]
طرفة بن العبد
طرفة بن العبد من الطبقة الأولى من شعراء العصر الجاهلي، وهو أحد شعراء المعلقات العشر، ولد في عام 543م تقريبًا في منطقة البحرين، يرجع نسبه إلى بني قيس بن ثعلبة وهي من بكر بن وائل، فهو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد أبو عمرو، ولدَ لوالدين شريفين وكان جدُّه ووالده وخاله المتلمس وعمَّاه المرقشان كلُّهم شعراء، فكان لهذا الوسط دور كبير في نبوغه وتحقيق شاعريته الطافحة، ماتَ أبوه وهو صغير فرعاه أعمامه لكنَّهم ظلموه فهرب منهم ولجأ إلى حياة اللهو واللعب والإسراف والسكر متنقِّلًا في طول البلاد وعرضها.[٢]
وبلغَ أقصى جزيرة العرب، ثمَّ عاد وعمل في رعاية الإبل لأخيه لكنَّه لم يلبث أن ارتدَّ إلى حياة اللهو والمجون إلى أن بلغَ قصر الملك عمرو بن هند وأصبح من ندمائه، ولمَّا بلغَ الملك عمرو بن هند أن طرفة قد هجاه بأبيات قالها أرسله بكتاب إلى واليه على البحرين يأمره فيه بقتل طرفة، فقتله وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره عام 569م تقريبًا تاركًا خلفه معلقة طرفة بن العبد التي ما تزال شاهدةً على نبوغه رغم مرور مئات السنين عليها.[٢]
معلقة طرفة بن العبد
ترك طرفة بن العبد ديوانَ شعرٍ تعدُّ معلقته أشهر ما وردَ فيه، وقد وردَ أنَّه كتبها نتيجةً لسوء المعاملة التي لقيها من ابن عمِّه وبسبب الأذى والظلم والاضطهاد الذي مارسه عليه أقرب الناس إليه من قومه، فكانت معلقة طرفة بن العبد ردَّة فعلٍ على كل ما لقيه منهم، وتقسم المعلقة إلى أقسام ثلاثة: القسم الغزلي، القسم الوصفي، القسم الإخباري، وقد جعلَ بعض الأدباء لكتابتها أكثر من سبب، فكان وصف الناقة بسبب حياة التشرّد الطويلة التي عاشها، وأمَّا وصف العبث فقد نظمه قبل حياة التشرد تلك، وأمَّا عتاب ابن عمه وأقربائه فغالبًا كان بعد الخلاف الذي وقع بينه وبين أخيه معبد.[٢]
عدَّ كثير من النقَّاد معلقة طرفة بن العبد أهمَّ المعلقات وأشهرها، وفضّلوها على بقيَّة الشعر الجاهلي لما فيها من مشاعر إنسانية وأفكار عاصفة متضاربة وآراء في الحياة مختلفة مثل الموت والحياة، ولما فيها من جمال في الوصف وبراعة في التشبيهات، وفيها شروح لأحوال نفسه الشابة وقلبه المتوثب، وربما كان الشعر الإنساني أكثر ظهورًا عنده بسب انتمائه إلى إقليم البحرين، وهو أكثر إقليم متحضر في تلك المرحلة، وتعدُّ معلقة طرفة بن العبد ذات قيمة تاريخية عالية قلَّ نظيرها في الشعر العربي لما فيها من معلومات كثيرة أحاطت بجانب كبير من أخلاق العرب وبما كانت عليه بعض القبائل العربية من صناعة وملاحة وما إلى هنالك من أخبار.[٢]
بعض من أبيات معلقة طرفة بن العبد
لا بُدَّ عند الحديث عن معلقة طرفة بن العبد من المرور على بعض الأبيات من القصيدة للاطلاع على ما وردَ فيها من شاعرية عالية وسحر بلاغي منقطع النظير، حيثُ بدأ الشاعر قصيدته بالتغني بأطلال ديار المحبوبة والتي سمَّاها خولة في بداية قصيدته، فكانت بدايتها وحدها كافية لإظهار براعة الشاعر وعواطفه المتأججة، وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:
- أبيات مطلع القصيدة التي يتغنى فيها الشاعر بالأطلال ويقول:[٣]
لِخَولةَ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَد
- تلوح كباقي الوَشم في ظاهر اليدِ
وُقوفًا بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً
- خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
عدولية ٌ أو من سفين ابن يامنٍ
- يجورُ بها المَّلاح طورًا ويهتدي
يشقُّ حبابَ الماءِ حيزومها بها
- كما قسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ
- وفي الحديث عن عتابه لابن عمِّه يبالغ في عتابه قائلًا:[٣]
فما لي أراني وابنَ عمّي مالِكًا
- متى أدنُ منه ينأَ عني ويبعد
يَلومُ وَما أَدري عَلامَ يَلومُني
- كَما لامَني في الحَيِّ قُرطُ بنُ مَعبَدِ
وأيأسني من كلِّ خيرٍ طلبتُه
- كأنّا وضعناه إلى رمس مُلحَد
على غير شئٍ قلتهُ غير أنني
- نَشَدْتُ فلم أُغْفِلْ حَمُولة َ مَعبَد
وقرّبْتُ بالقُرْبى، وجَدّكَ إنّني
- متى يَكُ أمْرٌ للنَّكِيثَة ِ أشهد
- وفي الخاتمة تدور الأبيات حول بعض الحكم الخالدة التي أكثر منها طرفة بن العبد في معلقته حيثُ يقول:[٣]
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلًا
- ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّد
ويَأتِيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تَبِعْ له
- بَتاتًا، ولم تَضْرِبْ له وقْتَ مَوعد
المراجع
- ^ أ ب "المعلقات"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "طرفة بن العبد"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "لِخَولة َ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ، ( معلقة )"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-09-2019.