معلومات عن المذهب الحنبلي

كتابة:
معلومات عن المذهب الحنبلي

ما هو المذهب الحنبلي؟

هو المذهب الفقهي المنسوب للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، ويضم جملة الأحكام الفقهية التي ذهب إليها الإمام أحمد، والأحكام التي خرَّجها أصحابه وتلاميذه على قواعده وأصوله، وهو رابع المذاهب الفقهية السنية المشهورة، وآخرها من حيث الترتيب الزمني، وهو من مذاهب مدرسة الحديث التي تضم المذهب المالكي والشافعي أيضًا، وقد بدأ ظهوره في بغداد، ثم انتشر في بلاد الشام وفي بلاد المشرق الإسلامي، ثم انحسر انتشاره بعد ذلك لأسباب متعددة سيأتي ذكرها.[١]


من مؤسس المذهب الحنبلي؟

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ولد في بغداد سنة 164 هـ وتوفي فيها سنة 241 هـ، وهو عربي الأصل شيباني في نسبه لأبيه وأمه، وقد نشأت أسرته بالبصرة إلا أن جده حنبل بن هلال قد انتقل إلى خراسان، فكان واليًا على "سرخس" في العهد الأموي، ثم انضم إلى صفوف الدعوة العباسية، وانتقلت الأسرة بعد هذا إلى بغداد حيث كانت ولادة أحمد، وقد مات أبوه على الأرجح وهو طفل، فقامت أمه على تربيته مستعينة في نفقتها بما تركه أبوه من عقار ببغداد.[٢]


وقد تميز أحمد بالجد والحرص على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارا كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والمغرب والجزائر وفارس وخراسان، وتتلمذ على علماء عصره، ومنهم علي بن المديني ويحيى بن معين والشافعي، وقد أخذ عنه العلم أئمة كبار كالبخاري ومسلم وأبو داود، وقد اشتهر بإمامته في الحديث والفقه، وصنف كتبًا كثيرة تزيد على الثلاثين، ومنها المسند الذي جمع فيه ثلاثين ألف حديث.[٣]


وقد ترجم له الإمام الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام، ونقل ما يدل على علو منزلته وجلال قدره في الحفظ وسعة العلم والورع والحرص على السنة والثبات عليها،[٤] وقد ظهر ذلك جليًا عندما شاعت فتن المعتزلة وتبناها المأمون والمعتصم والواثق، حيث عذب فيها وابتلي ابتلاء شديدًا ليوافقهم في بدعتهم بالقول في خلق القرآن، فصبر وثبت على الحق، مما كان له الأثر الكبير في القضاء على فتن المعتزلة وبدعهم في العقيدة.[٥]

نشأة المذهب الحنبلي

كانت نشأة المذهب الحنبلي في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري، في عاصمة الخلافة الإسلامية وحاضرة العلم والثقافة بغداد، وكان انطلاق المذهب من مجلس الإمام أحمد بن حنبل الذي كان يجلس فيه للفتوى والتعليم، حيث كان يؤمه طلبة العلم من مختلف البلدان والأمصار، ثم يرحلون إلى بلدانهم حاملين معهم علم الإمام ومنهجه في الفقه والحديث.[٦]


وقد كان لتلاميذ أحمد دور كبير في تدوين المذهب ونشره، فقد كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد أحيانًا ما يزيد على خمسة آلاف طالب علم، أقل من خمسمائة يكتبون العلم والباقي يتعلمون منه حسن الأدب وحسن السمت، وقد كان بعض طلاب أحمد يحملون عنه الحديث والرواية والأسانيد، وهؤلاء لم يكن لهم دور كبير في نشر المذهب، ولكن الذين كانوا يحملون عنه الفقه مع الحديث هم من نشر المذهب، وقد أحصى بعض العلماء الطبقة الأولى من الذين رووا عنه وتفقهوا عليه فبلغوا خمسمائة وثمانية وسبعين.[٧]


وقد اعتنى أبناء الإمام أحمد وأحفاده بجمع علمه وترتيبه وتدقيقه ونقله، إلى أن برز من بعدهم في بغداد الفقيه البارز ذائع الصيت أحمد بن محمد الخلال، فألف كتابه "الجامع لعلوم الإمام أحمد" فلفت بهذا الكتاب أنظار أهل العلم وطلبته، ومن هنا بدأ ظهور الانتساب إلى المذهب، وتبلورت أصوله وخطوطه العريضة ومصطلحاته الدقيقة، وتتابعت الجهود بعد ذلك بالعناية بالمذهب تحقيقًا وتخريجًا ودراسة وتدريسًا.[٨]


وكما هو الحال في باقي المذاهب الفقهية الأربعة، فإن الأعمال الأساسية في تحرير وتوثيق المذهب الحنبلي أصبحت منجزة ومستكملة في حدود نهاية القرن الرابع الهجري، ولذلك لم يبق لمن جاء بعد ذلك من العلماء إلا الترتيب الفني والجمع بين الكتب والمصنفات، والموازنة بين الروايات والحكاية للخلاف، وما يشبه ذلك من الأعمال، ثم اقتصر دور العلماء بعد ذلك على وضع المختصرات والحواشي الشروح.[٩]


أين كان انتشار المذهب الحنبلي؟

نشأ المذهب الحنبلي في بغداد في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث ثم بدأ بالنمو والانتشار خارج بغداد منذ القرن الرابع الهجري، ثم توسع فدخل بلاد الشام منذ أواسط القرن الخامس الهجري، وتركز بعد ذلك شيئا فشيئا، حتى قوي وازدهر في دمشق وما حولها من القرى والضواحي التابعة لها، ثم انتشر في المدن الأخرى في الشام كعسقلان ونابلس وبعلبك وبيت المقدس، وصارت الشام منذ أواسط القرن السادس معقلا وريثا لبغداد في حمل راية المذهب الحنبلي والعناية به، بعد تراجعه في بغداد.[١٠]


وقد دخل مذهب الحنابلة إلى مصر منذ القرن السابع الهجري، وذلك عن طريق إيفاد القضاة والعلماء من بلاد الشام إلى مصر، وكذلك عن طريق الرحلات العلمية، وفي بعض الأحيان عن طريق اللجوء بسبب النزاع مع الأشاعرة، ويذكر السيوطي قائمة بأسماء ستة عشر فقيهًا حنبليًا تولوا القضاء المصري، وواحدًا وعشرين إمامًا وهذا الإحصاء ينتهي عند أوائل القرن العاشر، لأن السيوطي توفي سنة (911 هـ).[١١]


وقد انتشر المذهب الحنبلي بشكل واسع في الجزيرة العربية، من خلال الحركة التي تبناها محمد بن عبد الوهاب ورعتها السلطة السياسية، حتى أصبح هو المذهب السائد في جميع البلاد النجدية والحجاز،[١٢] ومع هذا الوجود لمذهب أحمد في العالم الإسلامي إلا أنه مع ذلك فهو قليل الانتشار، ولم يعرف تغلبه وسعة انتشاره على سواه من المذاهب في بلد إلا ما كان في بغداد في القرن الرابع الهجري، وما حصل في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري.[١٣]


لماذا لم ينتشر المذهب الحنبلي مثل بقية المذاهب؟

مع أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل قد لقي عناية فائقة من العلماء، إلا أن انتشاره في العالم الإسلامي لم يكن كبيرًا مثل باقي المذاهب، وقد علل ذلك بعض الباحثين بأن المذهب الحنبلي هو آخر المذاهب ظهورًا، وقد جاء بعد أن انتشرت المذاهب الأخرى وتلقاها الناس فلم يكن له نفس الفرصة في الانتشار، كما أن أتباعه لا يحبون المناصب.[١٤]


وقد علل ابن خلدون ذلك بقوله: "وأما أحمد بن حنبل فقلده قليل لبعد مذهبه عن الاجتهاد، وأصالته في معاضدته الرواية، وللأخبار بعضها ببعض، وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها، وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث"، ولكن قول ابن خلدون هذا لم يلق قبولًا عند بعض الباحثين مثل الشيخ أبي زهرة، حيث إن مذهب أحمد كما يرى أبو زهرة لم يكن بعيدًا عن الاجتهاد، ولكن كان هناك أسباب سياسية أخرى لعدم انتشار المذهب بشكل واسع، وذلك لأن أتباعه لا يحبون تولي القضاء والمناصب ويبتعدون عن العمل السياسي كالولاية والوزارة، وهذا قلل من فرصة انتشاره.[١٤]


أصول المذهب الحنبلي

يعدّ مذهب الحنابلة من جملة مدرسة الحديث التي تضم أيضًا المذهب المالكي والمذهب الشافعي، وهي المقابلة لمدرسة الرأي الذي يمثله مذهب الحنفية،  وقد تميز مذهب الإمام أحمد بأنه يقوم على فقه السنة والأثر، وقد برع الإمام أحمد في اقتفاء الآثار والأسانيد، وقد صنف فيها كتابه المسند الذي اشتمل على ثلاثين ألف حديث، وقد ذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين" أن فتاوى أحمد بن حنبل مبنية على خمسة أصول:[١٥]
  • النصوص: كان الإمام أحمد إذا وجد النص من القرآن والسنة أفتى بموجبه، ولا يلتفت إلى ما خالف هذا النص، ولم يكن يقدم على النص عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، ونصوص الكتاب والسنة في مرتبة واحدة عند أحمد، فإن حجية السنة ثابتة بالقرآن كما أن السنة بيان للقرآن، مما يجعل نصوص السنة بمنزلة نصوص القرآن في الاستدلال.
  • فتاوى الصحابة التي لا يعرف لها مخالف: الأصل الثاني من أصول الإمام أحمد ما أفتى به الصحابة، فإنه إذا وجد لبعض الصحابة فتوى لا يعرف لها مخالف من فتاوى الصحابة الآخرين لم يتعداها إلى غيرها، وكأنها بمنزلة الإجماع السكوتي إلا أن الإمام أحمد لم يستخدم هذا المصطلح.
  • الاختيار من فتاوى الصحابة إذا اختلفوا: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم؛ فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها ولم يجزم بقول.
  • الأخذ بالحديث المرسل والضعيف: يرى الإمام أحمد قبول المراسيل مطلقًا، سواءً في ذلك مرسل الصحابي أو مرسل غير الصحابي، وهذه هي الرواية الراجحة عنه، وهو يقدم الحديث المرسل على القياس، ولكنه يقدم عليه قول الصحابي إذا لم يعلم له مخالف، ويرى الإمام أحمد في المشهور عنه أنه يعمل بالحديث الضعيف، فإنه يقبله ويقدمه على القياس ولكنه لا يجعله في مرتبة الصحيح، بل يشترط أن لا يوجد في الباب غيره، وتكون مرتبته عنده بعد فتوى الصحابي.
  • القياس: إذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص ولا قول من أقوال الصحابة، ولا أثر مرسل أو ضعيف، أخذ بالقياس.


علماء المذهب الحنبلي

امتاز المذهب الحنبلي بوفرة علمائه، وجدهم في خدمة العلم ونشر الفقه، وهم طبقات من حيث القرب من زمن الإمام أحمد، وعلى سبيل التمثيل نذكر بعضًا

منهم:[١٦]


  • أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال (235 - 311 هـ): الفقيه المحدّث شيخ الحنابلة في عصره، قام بجمع فقه الإمام أحمد بن حنبل وترتيبه وصنفه في كتابه الذي يعد مرجعًا لعلم أحمد "الجامع لعلوم أحمد"، رحل إلى فارس وإلى الشام والجزيرة طلبا لفقه الإمام أحمد بن حنبل وفتاويه وأجوبته ثم دونها في كتابه.[١٦]
  • القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء (380 ـ 458 هـ): كان إمام الحنابلة في عصره، وقد ولي القضاء في بغداد وحران، وله تصانيف مهمة في الفقه والتفسير تفوق 50 مصنفًا.[١٧]
  • أبو الفرج بن الجوزي (509 - 597 هـ): العلامة، الحافظ، المفسر، شيخ الإسلام، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، إمام عصره في بغداد، برع في جميع علوم زمانه وصنف عددًا ضخمًا من المصنفات.[١٨]
  • موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (541 - 620 هـ): الإمام الفقيه المجاهد، ولد في جماعيل ثم هاجر إلى دمشق عندما استولى الصليبيون على فلسطين، وتفقه على مذهب أحمد وبلغ الغاية في العلم، قد خدم الموفق المقدسي المذهب الحنبلي خدمة عظيمة بمؤلفاته المفيدة، ومنها: العمدة، والمقنع، والكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، والمغني. وشارك في حملات صلاح الدين لتحرير بيت المقدس وشارك في حصار الكرك ومعركة حطين، وكان يقضي حياته بين العلم والجهاد.[١٩]
  • شمس الدين ابن مفلح (712 - 763 هـ): كان الإمام الفقية ابن مفلح شيخ الحنابلة في وقته، وقد أخذ العلم عن ابن تيمية وغيره من علماء عصره، وقد كان كتابه الفروع عمدة في الفقه الحنبلي وما زال الناس ينتفعون به، وقد عرف لابن مفلح إمامته وقدره في الفقه والتحقيق.[٢٠]


مؤلفات في المذهب الحنبلي

هناك الكثير من الكتب التي يمكن الرجوع إليها لتوثيق ومعرفة أقوال المذهب الحنبلي، ومنها على سبيل المثال:[٢١]


  • المغني لابن قدامة المقدسي.
  • كشاف القناع من متن الإقناع لمنصور البهوتي.
  • الشرح الكبير على المقنع لأبي الفرج عبد الرحمن بن قدامة.
  • الكافي في فقه أحمد لابن قدامة المقدسي.
  • الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي.
  • مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى لمصطفى السيوطي الرحيباني.
  • المقنع لابن قدامة المقدسي
  • قواعد ابن رجب الحنبلي.
  • المبدع في شرح المقنع.
  • الروض المربع للبهوتي

المراجع

  1. أحمد تيمور، نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة، صفحة 81. بتصرّف.
  2. مناع القطان، تاريخ التشريع الإسلامي، صفحة 379. بتصرّف.
  3. الزركلي، الأعلام، صفحة 203. بتصرّف.
  4. الذهبي، تاريخ الإسلام، صفحة 1010. بتصرّف.
  5. الذهبي، تاريخ الإسلام، صفحة 1036. بتصرّف.
  6. عبد الله بن عبد المحسن التركي، المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 161. بتصرّف.
  7. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 164. بتصرّف.
  8. بكر أبو زيد، المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد، صفحة 134. بتصرّف.
  9. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 229. بتصرّف.
  10. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 258. بتصرّف.
  11. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 284. بتصرّف.
  12. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 319. بتصرّف.
  13. أحمد تيمور، كتاب نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة، صفحة 83. بتصرّف.
  14. ^ أ ب مناع القطان، تاريخ التشريع الإسلامي، صفحة 393. بتصرّف.
  15. [مناع القطان]، كتاب تاريخ التشريع الإسلامي، صفحة 385-391. بتصرّف.
  16. ^ أ ب عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 205. بتصرّف.
  17. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 238. بتصرّف.
  18. بد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 245. بتصرّف.
  19. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 267. بتصرّف.
  20. عبد الله بن عبد المحسن التركي، كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته، صفحة 269. بتصرّف.
  21. [المحلي، حسين بن محمد]، كتاب مزيد النعمة لجمع أقوال الأئمة، صفحة 321-325. بتصرّف.
5732 مشاهدة
للأعلى للسفل
×