محتويات
مفهوم البيعة في الإسلام
إنّ المفهوم الفعليّ للبيعة هو ما تمّ ذكره في المعنيين اللغوي والإصطلاحيّ في اللغة العربيّة، فأمّا البيعة لغةً فهي ما يتمّ إطلاقه على صفقات البيع والشراء أو ما يكون من مبايعةٍ وسمعٍ على الطّاعة، وأمّا في الإصطلاح فهي كما عرفها ابن خلدون في مقدمته: "العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره"، ومن مواطن ذكرها القرآن الكريم جاءت في سورة الفتح قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}،[١] وسيتمّ فيما سيأتي ذكر معلومات عن بيعة الرضوان.[٢]
بيعة الرضوان
القارئ والمطّلع على سيرة وحياة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتاريخ الدّعوة سيجد أنّ أحداث هذه الدّعوة مرتبطة فيما مابينها، ولعلّ بيعة الرضوان خير دليلٍ على ذلك الأمر، وذلك للارتباط الوثيق الذي ترتبطه بصلح الحديبية والذي يرتبط بدوره بحجّة الوداع، وفي ظلّ الحديث عن بيعة الرضوان لا بُدّ من سرد القصّة التي كانت السبب الرئيس في هذه البيعة، فعندما خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه ليعتمر بلغ ذلك قريشًا، فأخذت تفكّر كيف تصدّ المسلمين عن مكّة، وعندما وصل المسلمون إلى الحديبية كلّف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عمر بن الخطّاب ليرسله إلى مكّة فيخبر أشراف قريشٍ أنّه ما جاء محاربًا وإنّما ليعتمر وأصحابه معه، فطلب عمر من رسول الله أن يستخلف عثمان بن عفان ليذهب في هذه المهمّة، وذلك لما لعثمان من المنزلة والمرتبة المرتفعة عند قومه.[٣]
فلمّا خرج عثمان بن عفان ووصل إلى مكّة أقبل عليه أبان بن سعيد بن العاص فلقيه، وحمله بين يديه وأجاره حتّى بلّغ الرّسالة التي حملها، فكان ردّ قريش لعثمان أن قالوا له: "إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلّم-"، فلمّا رأت قريش هذا الموقف من عثمان وهو موقفٌ لم يَرُقْ لها بحال، لجأت إلى أسلوب الضغط والتهديد، فاحتبست عثمان عندها، وأُشيع خبر مقتل عثمان، وحينها دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على ألّا يفروا، وبايعته جماعةٌ على الموت وكانت بيعة الرضوان.[٣]
أهل بيعة الرضوان
شهد بيعة الرضوان من الصّحابة الكرام قرابة ألف وأربع مائة أو ألف وخمس مائة، وهو ما ذكرته الأحاديث الصّحيحة، فلقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فقال: "قالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ: أنتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ وكُنَّا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ، ولو كُنْتُ أُبْصِرُ اليومَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ تَابَعَهُ الأعْمَشُ، سَمِعَ سَالِمًا، سَمِعَ جَابِرًا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ"،[٤] ولقد اختلف أئمّة الإسلام حول العدد الصّحيح لأهل هذه البيعة المباركة، ولكن ما هو مؤكد أنّ أقلّهم 1400 صحابيّ وأكثرهم 1500 -رضوان الله عليهم أجمعين-، أما من شارك في هذه البيعة من الصحابة، فقد وردت أسماء بعضهم في السنة الصحيحة، كأبي بكر وعمر وعلي وجابر بن عبد الله وابن عمر وأم سلمة، وغيرهم -رضي الله عنهم-.[٥]
مكانة المبايعين في بيعة الرضوان
بعد أن تم الحديث عن أهل بيعة الرضوان، وجب الحديث عن بعض ما ورد في الأجر والمكانة التي حظي بها أولئك الصّحابة الكرام ممّن شهد بيعة الرضوان، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدم دخول من شهد البيعة في النار، فأي فضل وطمأنينة تلقّاها الصحابة عند علمهم بهذا الأجر العظيم، بالإضافة لما قاله تعالى في سورة الفتح: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}،[٦] فالرّضا من الله -سبحانه وتعالى- لا يأتي فوقه فضل، ولقد سمّيت هذه البيعة بالرضوان لما نزل من رضا الله -سبحانه وتعالى- عن المؤمنين في تلك الموقعة.[٧]
صلح الحديبية
بعد الحديث حول بيعة الرضوان لا بدّ من ذكر نبذةٍ عمّا جاء بعدها من صلح الحديبية، حيث أرسلت قريش عروة بن مسعود ليتبيّن حال المسلمين، فرجع إلى كفّار قريشٍ وفي عينه الذّهول ممّا رآه من التنظيم والتّعظيم لأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فأشار على قومه بقبول الصلح ليكفّ القوم أنفسهم من هلاكٍ محتوم، فسارعت قريش بقبول الصّلح الذي كان مقتضاه أن يعود المسلمون أدراجهم في هذا العام على أن يؤدّوا مناسك العمرة في عامهم المقبل، وأن تكون مدّة الصّلح عشر سنين، وقد تكون شروط الصلح في ظاهرها غير منصفة، لكن كان فيها خيرٌ عظيم، فقد قويت شوكة الإسلام في ظل إتاحة الفرصة للدعوة بالنشر.[٨]
فتح مكة
بعد بيعة الرضوان عقد النبي مع قريش صلحًا لمدة عشر سنين، وخيّروا القبائل والنّاس فيه، فمن شاء أن يدخل في حلف النبي دخل، ومن شاء أن يدخل في حلف قريش فله ذلك، وفي السنة الثامنة من الهجرة النبوية هاجمت بنو بكر بمعونة قريش قبيلة خزاعة حليفة المسلمين فقتلوا منهم جماعة، وبهذا نقضت قريش وحلفاؤها صلح الحديبية، فسار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لنصرة حلفائه من خزاعة، وأخذ على نفسه والمسلمين أن يفتحوا مكّة المكرمّة بعد أن أخلف المشركون عهودهم، فحشد لهم النبيّ جمعًا عظيمًا أرعب المشركين، وهو ما أدّى إلى دخول مكّة من غير قتال، حيث دخلها رسول الله من أعلاها وهو يقرأ من سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.[٩][١٠]
المراجع
- ↑ سورة الفتح، آية: 10.
- ↑ "معنى البيعة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "بيعة الرضوان"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 4154، [صحيح].
- ↑ "أسماء الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 18.
- ↑ "من قوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ..)"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "صلح الحديبية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 1.
- ↑ "فتح مكة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 02-11-2019. بتصرّف.