محتويات
مفهوم الصحابية
إن مفهوم الصحابية يرجع إلى تعريف العلماء واصطلاحهم على معنى الصحابي، وقد وقعت بعض الاختلافات في ذلك التعريف، حيث وضع بعض العلماء قيودًا لم يلتزم بها جميعهم، وفي الحديث عن أصح أقوال العلماء في التعريف الاصطلاحي لكلمة الصحابي؛ قال ابن حجر رحمه الله: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك؛ أنّ الصحابي من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به، ومات على الإسلام؛ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يروِ، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى"، وهذا تعريفٌ يشمل الرجال والنساء وإن كانت الصيغة مُذكّرة، وسيتحدث المقال الآتي عن بعضٍ من صفات الصحابيات الجليلات.[١]
صفات الصحابيات
الصحابيات هنَّ قدوة النساء المسلمات في كلِّ زمانٍ ومكان، وقد اتصفن -رضوان الله عليهنّ- بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات، ولا غرابة في ذلك؛ فهنّ نساء المجتمع الإسلامي الأول الذي أنشأه وأرسى قواعده وزرع قيمَه النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، كما صقل الإسلام شخصيات الصحابة جميعًا رجالًا ونساءً، وفيما يأتي بيان جملة من صفات الصحابيات:[٢]
الحياء
إنّ الحياء خلق عظيم وصفةٌ مطلوبةٌ في الرجل والمرأة، ويتأكد وجودها في المرأة أكثر؛ نظرًا لطبيعتها وفطرتها، وقد سطّرت الصحابيات أروع الأمثلة في الحياء؛ فالسيدة عائشة لم تكن تدخل على قبر الرسول بعد دفن عمر بن الخطاب بجانبه إلّا بحجابها؛ حياءً من عمر وهو ميّت،[٣] أما فاطمة بنت الرسول فقد روي عنها تفكرّها بمشهد موتها، وشدّة حيائها من ظهورها حينها أمام الرجال بتلك الحالة،[٤] وكذلك الأمر بالنسبة لبقيّة الصحابيات حيث ورد عن إحداهن أنّها كانت تُصرع، وطلبت من رسول الله أن يدعو لها أن لا تتكشّف ويظهر شيء من جسدها وهي على تلك الحالة من فقدان الوعي والذهول.[٥]
الحلم
يمكن التعبير عن خُلُق الحِلْم بأنّه ضبط النفس وحُسن التصرف في المواقف الشديدة وعند ثورة الغضب وهيجانه،[٦] والحِلم هو أحد صفات الصحابيات حيث وضعن نماذج أخلاقية معبّرة عن تلك الصفة أفضل تعبيرٍ، ومن ذلك حُسن التعامل بين نساء النبي؛ فالسيدة أم حبيبة طلبت الصفح والعفو من بقيّة زوجات النبي عند اقتراب وفاتها، رغم وجود الغيرة الشديدة بين الضرائر، وإن كنّ صحابيات وزوجات للنبي الكريم، فالغيرة صفةٌ متجذرة في النساء، والإسلام لا يُطالب بمحو هذه الصفة، وإنما بحسُن التصرف حيالها.[٧]
أما عن حسن التصرف حال الغضب لدى الصحابيات فيبيّنه قول السيدة عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ: أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ"[٨] فالزوجة الصالحة تكون حليمةً واعيةً تُحسن التصرف حتى في حالة الغضب، ولا تزيد من حدّة المواقف، وإنما تتلافها بحكمةٍ وبصيرة.[٩]
حكمة الصحابيات
الحكمة خُلُق فاضلٌ وقد توسّع أهل العلم في شرح وبيان معنى الحكمة ومدلولها، فهي كلمةٌ يتغيّر معناها باختلاف السياق الواردة فيه، أما المعنى الوارد في هذا المقام فهو الحكمة بمعنى التعقّل وبُعد النظر والتصرّف وفقًا للشريعة، والحكمة بذلك المدلول هي إحدى صفات الصحابيات الكريمات، والمواقف الدالّة على تلك النقطة كثيرة، وفيما يأتي بيان بعضها:[١٠]
حكمة السيدة خديجة
السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- كانت سند الرسول وملاذه في بداية الدعوة ونزول الوحي، وقد أظهرت أعلى درجات الحكمة والرُشد في تعاملها مع الرسول، وتشجيعها له وتذكيرها له بصفاته الحسنة، وأن دعوته ستنتصر، وتسود رغم معارضة كفار مكة وحربهم الشرسة ضدّه -عليه السلام- فقد أعزّ الله -عزّ وجلّ- الإسلام ونصر نبيّه.[١١]
حكمة السيدة أم سلمة
صلح الحديبية هو حدثٌ تاريخيٌ مشهور، فعندما حزِن الصحابة ورفضوا التحللّ من العمرة، ولم يتقبلوا منع قريش لهم زيارة البيت، ورجوعهم إلى المدينة وهم لم يطوفوا بالبيت العتيق، أشارت أم سلمة على رسول الله بأن يبدأ بالحلق ونحر الهدي أمام الصحابة، فما كان منهم إلّا أن سارعوا بالامتثال لأمر الرسول الكريم، والاقتداء بتصرفه في الحلق والنحر.[١١]
شجاعة الصحابيات
الشجاعة هي سمة بارزة وصفة واضحة من صفات الصحابيات الجليلات، ومواقفهن التي عبّرت عن تلك الصفة كثيرة ومتنوعة، فالسيدة أسماء بنت أبي بكر كانت تأخذ الطعام والزاد لرسول الله وأبيها، وهم في غار ثور غير آبهةً بكفار مكة وصناديدها، وتعود وهي تحمل من رباطة الجأش وثبات الجنان ما يعجز عنه كثير من الرجال، ويُروى أنها وقفت في وجه أبي جهل عندما جاء نفرٌ من قريش يسألون عن مكان أبيها، وأجابتهم بأنّها لا تدري مكانه غير خائفة، فقام أبو جهل بلطمها لطمةً شديدة، ولكنّ ذلك لم يضعف عزيمتها وشجاعتها.[١٢]
كما شاركت الصحابيات بالجهاد ومن بينهن الصحابية أم عمارة التي قاتلت في غزوة أُحد، وجرحت عددًا من المشركين، بالإضافة إلى الهدف الرئيس من خروجها وهو سقاية الماء ومعالجة الجرحى،[١٢] فالشجاعة صفة من صفات الصحابيات المطرّدة في معظمهن؛ ومنهن أيضًا أم سُليم التي عالجت جراح المسلمين في معركة أُحد، وسقت عطاشهم مع ثلة من الصحابيات الكريمات، وأبلت بلاءً حسنًا في غزوة حنين فقد حملت خنجرًا، وكانت تذبُّ عن رسول الله وتقاتل المشركين مع زوجها؛ خشية أن يصلوا أو ينالوا من الرسول الكريم.[١٣]
صبر الصحابيات
الصبر هو أحد صفات الصحابيات، فقد صبرت الصحابيات من أوائل البعثة، وتحملّن الكثير من المشاق وأتعاب الهجرة وغيرها، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- رغم مكانتها الشريفة وانتمائها إلى أشرف بطون مكة، إلّا أنّها صبرت وتحملّت الصعاب العديدة، ودخلت مع الرسول شعب أبي طالب، وعانت ما عانت من المتاعب والآلام والجوع والحصار، إلّا أنّها لم تضعف ولم تلين، بل بقيت صابرةً محتسبةً، وكذلك كانت السيدة سميّة التي صمدت في وجه الكثير من أصناف الظلم والتعذيب الذي لاقته من كفار قريش وكبرائها، ولكنها -رضي الله عنها- لم تستسلم ولم تضعف وتترك الإسلام، ولكن ذلك الصبر عُوِّض خيرًا؛ حيث بشرّها رسول الإسلام بالجنة بمقولته الشهيرة: "صبرًا آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ"،[١٤] وأصبحت السيدة سميّة من أروع الأمثلة المضروبة في الصبر والثبات على مرِّ العصور والأزمان.[١٢]
المراجع
- ↑ "المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "لماذا نقتدي بالصحابيات"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "يا له من حياء 1"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "يا له من حياء 3"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "يا له من حياء 2"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "معنى الحِلْم لغةً واصطلاحًا"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "العفو والصفح .."، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5228، حديث صحيح.
- ↑ "التعامل في حال الغضب"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "من معاني الحِكْمَة"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب " ثمانية مواقف لا ينساها التاريخ للنساء !"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت " وقفات مضيئة مع نساء النصرة الأُوَل"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "صحابيات - [25 أم سليم بنت ملحان"]، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 103، حديث حسن صحيح.