محتويات
فقر الدم
فقر الدم هو اضطراب ينتج عن تكسّر خلايا الدم الحمراء وموتها بوتيرة أسرع من التكسّر الطبيعي بعد انتهاء عمرها الافتراضي، ومن المعروف أن خلايا الدم هي الوسيط الذي يحمل بروتين الهيموغلوبين والذي بدوره يحمل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم، وبالتالي فإنّ انخفاض مستويات كريات الدم الحمراء في الجسم ينتج عنه عدم توصيل كميات كافية من الأكسجين إلى أجزاء الجسم وبالتالي فقر الدم، وسيتم في هذا المقال تناول نقاط عدّة حول فقر الدم الانحلالي بما فيها أسباب هذا المرض وأعراضه وطرق تشخيصه وعلاجه ومضاعفاته والوسائل التي تساعد مرضى هذا الاضطراب على التخفيف من أعراضه والتعايش معه.[١]
فقر الدم الانحلالي
ينقسم اضطراب فقر الدم الانحلالي إلى نوعين اثنين؛ فقر الدم الانحلالي الخارجي وفقر الدم الانحلالي الذاتي، وسيتم الحديث عن كل منهما بشكلٍ منفصل، وذلك على النحو الآتي:[٢]
فقر الدم الانحلالي الخارجي
يحدث فقر الدم الانحلالي الخارجي نتيجة اضطرابات في الطحال بحيث يحبس ويُراكِم خلايا الدم الحمراء السليمة داخله، مما يُؤدّي إلى توليد استجابة مناعية ذاتية تُدمِّر هذه الخلايا وهذا يؤدّي إلى نقصان عددها في المجرى الدموي، وهنالكَ أسباب أخرى يُمكِن أن تؤدّي لتكسّر خلايا الدم الحمراء من مثيلات العدوى وعدد من الأورام مثل سرطان الغدد اللمفاوية والتفاعلات الدوائية أو الأعراض الجانبية لها.
فقر الدم الانحلالي الذاتي
يتمثّل فقر الدم الانحلالي الذاتي بعدم قدرة خلايا الدم الحمراء على العمل بكفائتها المعهودة، وذلك نتيجة الهيموغلوبين المشوّه داخل خلايا الدم الحمراء، وبشكلٍ عام فإنّ هذا الاضطراب وراثيّ، أي يتم انتقاله من الوالدين إلى الأبناء بحسب قوانين توريث الصفات في علم الوراثة، وذلك كما الحال في فقر الدم المنجلي وفي مرض الثلاسيميا.
أسباب فقر الدم الانحلالي
تتعدّد أسباب هذا النوع من فقر الدم، وفي أحيان كثير يصعب التشخيص المباشر لهذا الاضطراب كونه من المُمكِّن أن يحصل نتيجة الأسباب -التي سيتم ذكرها لاحقًا- بالإضافة إلى أنّه قد يحدث كمضاعفات لاضطرابات أو أمراض أخرى أو حتّى كعَرض أو أثر جانبي لعدّة أدوية، وسيتم تقسيم أسباب هذا الاضطراب على النحو الآتي:[٢]
- الأسباب الرئيسة: يتمثّل السبب الرئيس وراء حدوث فقر الدم الانحلالي الخارجي في تضخم الطحال كما تمّت الإشارة لذلك آنفًا.
- الأسباب المتعلِّقة بحدوث أمراض أخرى: تمّ التنويه أعلاه إلى أنّ هذا النوع من فقر الدم قد يحدث كشكل من أشكال المضاعفات نتيجة الإصابة بأمراض أخرى وذلك من مثيلات الإصابة بفيروس إبشتاين بار أو حمّى التيفوئيد أو سرطان الدم أو سرطان الغدد الليمفاوية أو التهاب الكبد أو اضطراب الذئبة الحمامية ومتلازمات مناعية من مثيلات متلازمة ويسكوت ألدريش وغيرها.
- الأسباب المتعلَّقة بالأدوية: في كثير من الحالات يحدث اضطراب هذا النوع من فقر الدم نتيجة بعض الآثار الجانبية لبعض الأدوية من مثيلات؛ أسيتامينوفين والمعروف بالتايلينول أو البندول وعدد لا بأس به من المضادات الحيوية من مثيلات؛ السيفاليكسين والسيفترياكسون والبنسلين والأمبيسيلين، بالإضافة إلى أدوية أخرى لا سبيلَ لحصرها هنا.
- الأسباب المتعلِّقة بعمليات نقل الدم: دراسات عديدة تُشير إلى أنّ أحد أكثر أنواع فقر الدم الانحلالي شيوعًا هو النوع الناجم عن تلقّي خلايا الدم الحمراء من فصيلة لا تتناسب مع دم المستقبل، أيّ مشاكل ناجمة عن عمليات نقل الدم واختلاف فصائل الدم، وينتج عن ذلك استجابة مناعية من الأجسام المضادة من جسم المستقبل تتمثّل في مهاجمة خلايا الدم الحمراء من دم جسم المتبرّع وبالتالي تدمير خلايا الدم الحمراء الغريبة وعدم الاستفادة من دم المتبرّع كونه يختلف بفصيلته الدموية عن دم المستقبل.
أعراض فقر الدم الانحلالي
تتعدّد أعراض هذا النوع من فقر الدم لتشمل الشعور بالضعف العام والوهن خصوصًا عند ممارسة الأعمال التي تتطلّب مجهودًا بدنيًا كبيرا من مثيلات ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى حالات من الصداع واضطرابات في التركيز، وفي حالات متقدمة قد تتفاقهم الأعراض لتشمل الدوار والمظهر الشاحب للوجه بالإضافة إلى ضيق في التنفس وتضخّم في الطحال والتهابات في اللسان.[٣]
مضاعفات فقر الدم الانحلالي
يلعب الهيموغلوبين دورًا حيويًا وهامًا في توصيل الأكسجين لجميع أنحاء الجسم كما تمّ التنويه لذلك سابقًا، ويُعيد فضلات الخلايا وغاز ثاني أكسيد الكربون إلى الرئة عبر الدورة الدموية الصغرى ليخرج عبر الزفير، وبالتالي فإنّ انخفاض مستويات الهيموغلوبين في الدم يجعل عملية توصيل الأكسجين وطرح الفضلات أقل كفاءةً، وهذا ما يؤدّي لحدوث هذا النوع من فقر الدم، وفي حالات التشخيص المبكِّر لهذا الاضطراب والبدء بخطة علاجية متكاملة -كما سيتم التنويه لذلك لاحقًا- فإنّه ما من مضاعفات كبيرة يمكن أن تحدث على المدى الطويل. [٤]
آلية حدوث فقر الدم الانحلالي
تتمثّل آلية حدوث هذا النوع من فقر الدم بدايةً بوراثة لجين المرض أو نتيجة سبب مُكتَسب، وهذا ما يستدعي موت خلايا الدم الحمراء بشكل مُبكِّر من العُمر الافتراضي لها، وكما التنويه سابقًا فإن موت الخلايا أو عدم عملها بكفائتها الطبيعية ينتج عن تشوّهات في مركّب الهيموغلوبين فيها، وهنالك أسباب أخرى تتمثّل في اضطرابات في تكوّن غشاء الخلية الحمراء نفسها أو اضطرابات في الإنزيمات فيها أو اضطرابات مناعية عديدة أو السبب الرئيس الذي تمّ ذكره سابقًا وهو اضطراب في الطحال وحبسه لخلايا الدم الحمراء السليمة وتدميرها، ويجدر التنويه إلى أنّ فقر الدم الانحلالي قد يحدث خارج الأوعية الدموية أو داخلها، وينتج فقر الدم خارج الأوعية الدموية عن اضطرابات وراثية أو مناعية في الجسم، حيث أنّ خلايا الدم الحمراء يتم تدميرها في الطحال، أما أسباب فقر الدم الانحلالي الداخلي فتتمثّل في الآتي:[٥]
- صمّامات القلب: حيث أنّ تركيب صمّامات القلب التعويضية -نتيجة لخَراب أحد الصمامات- يُمكن أن يؤدّي لحدوث انحلال في الدم وفقر عام.
- إنزيم "G6PD": إن نقصان هذا الإنزيم يُؤدّي لتكسّر خلايا الدم الحمراء قبل نضوجها، وهذا ما يُسبّب فقر الدم الانحلالي.
- الصفحيات الدموية: يترافق نقصان الصفيحات الدموية عادةً مع فقر الدم الانحلالي.
- التخثّر: حدوث اضطرابات في التخثّر داخل الأوعية الدموية قد يترافق مع حالات من فقر الدم الانحلالي.
- نقل الدم: إن أي عدم تطابق في فصيلة دم المتبرّع مع فصيلة دم المستقبل قد ينتج عنه تكسّر في خلايا الدم الحمراء مما يُؤدّي إلى فقر الدم الانحلالي كما تمّ التنويه لذلك سابقًا.
معدلات حدوث فقر الدم الانحلالي
تُشير الدراسات الإحصائية حول هذا الاضطراب إلى أنّ نسبة حدوثه من بين جميع أنواع فقر الدم الأخرى تُقدَّر بحوالي 5 بالمئة، وبشكلٍ عام فإنّ حالة إلى 3 حالات قد تحدث سنويًا لكل مئة ألف شخص، وتُشير الدراسات أيضًا إلى أنّ هذا النوع من فقر الدم لا يقتصر حدوثه على عِرق دونما آخر، فنِسب انتشاره متساوية تقريبًا، وذلك على عكس فقر الدم المنجلي والذي يحدث على نحوٍ أساسي في الأفارقة والأميريكيين المنحدرين من أصول أفريقيا بالإضافة إلى بعض الشعوب العربية وسكّان الهند، وتُشير دراسات أخرى إلى أنّ فقر الدم الانحلالي الناتج عن نقصان إنزيم "G6PD" ينتشر في سُكّان غرب أفريقيا والأميريكيين المنحدرين من أصول أفريقية أيضًا، حيث أنّ 10 بالمئة تقريبًا من هؤلاء يحملون جين المرض دون أن يكونوا مُصابين به، ولكن هذا يزيد من خطورة إنجاب أطفال مُصابين بهذا الاضطراب، وفيما يتعلّق بالدراسات الجندرية حول هذا الاضطراب، فإنّه -رغمَ أن نوع الجنس ليس له علاقة بهذا الاضطراب- يُشار أحيانًا إلى أنّ الإناث أكثر إصابة بنِسب قليلة من الذكور، أمّا فيما يتعلّق بالدراسات الإحصائية الخاصة بهذا الاضطراب والتي تتعلّق بالعُمر، فإنّه من المُرجَّح أن فقر الدم الانحلالي الناجم عن أسباب وراثية يظهر على صِغار السن، إلّا أنّ هذا لا ينفي وجود حالات تظهر عليها أعراض المرض في منتصف العمر أو حتّى في كبار السن.[٥]
تشخيص فقر الدم الانحلالي
إن تشخيص هذا النوع من فقر الدم يعتمد على عدّة وسائل سيتم ذكرها لاحقًا، ويساعد التشخيص السليم لهذا الاضطراب على وضع خطّة علاجية تُساعد المريض في التخفيف من أعراض الاضطراب وممارسة حياته على نحوٍ طبيعي، وفيما يأتي استعراض لهذه الوسائل:[٦]
اختبارات الدم
إن اختبارات الدم النسيجية؛ أي فحص شكل خلايا الدم -من العيّنة المأخوذة من الشخص المشتبه به المرض- تحت الميكروسكوب هو بمثابة أهم خطوة في تقييم أوتشخيص أي نوع من أنواع فقر الدم، وذلك كما الحال في الفحص النسيجي لخلايا الدم البيضاء في حالات الكشف عن أيّة اضطرابات وراثية أو أورام في الدم.
الاختبارات الكيميائية
تعتمد الاختبارات الكيميائية أو المخبرية على قياس مستويات مادة البيليروبين التي تتراكم في المجرى الدموي بعد تكسّر وتدمير خلايا الدم الحمراء، وتحدث هذه الزيادة - في البيليروبين- بالترافق مع زيادة في مادة هيدروجين اللاكتات بالإضافة إلى انخفاض في مادة أخرى تُسمَّى الهيبتوغلوبين، ويجدر التنويه إلى أنّ مادة البيليروبين لا تظهر بمعدّلات مرتفعة على نحوٍ مفاجِئ، حيث أنّ تكوّنها يعتمد على الهيموغلوبين الذي يتحرّر وينتشر في المجرى الدموي بعد تكسّر خلايا الدم الحمراء، ثم يتم تكسير هذا الهيموغلوبين في الطحال وتحويله لمادة البيليروبين، وغالبًا ما تعتمد هذه الاختبارات الكيميائية -كوسيلة من وسائل تشخيص هذا النوع من فقر الدم- على قياس مستويات هذه المواد آنفة الذكر من أجل التشخيص السليم والبدء بخطة علاجية سليمة.
اختبارات البول
ينتقل الهيموغلوبين المُتراكِم في المجرى الدموي -نتيجة تكسّر خلايا الدم الحمراء في هذا النوع من فقر الدم- إلى مناطق الكبيبات في الكلى ليتم ترشيح الحديد منه ليتم بعد ذلك تخزين الحديد على شكل مركّب يُسمَّى الهيموسيديرين، أحيانًا تنطرح بقايا من الحديد مع البول مما يُعطي للبول لونًا أحمرًا أو بُنيًا، وتكون هذه إشارة -أثناء الفحوصات البولية- على وجود انحلال في الدم أو اضطرابات أخرى في الدم تشترك مع فقر الدم الانحلالي بتكسّر خلايا الدم الحمراء، لكن يجدر التنويه إلى أنّ المذكور هنا لا يتنافى مع ما تمّ ذكره في فقرة الاختبارات الكيميائية أعلاه في كون الهيموغلوبين يتم تكسيره في الطحال وتحويله لمادة البيليروبين، حيث أنّ غالبية العمليات تحدث معًا أو على مراحل وبمعدّلات مختلفة، وهذا يُعطي للأطباء طُرقًا مختلفة لتشخيص المرض.
علاج فقر الدم الانحلالي
يعتمد علاج هذا النوع من فقر الدم بشكلٍ أساسي على تقديم الأدوية التي تُساعِد على تحفيز نخاع العظم أو نقي العظام في إنتاج خلايا دم حمراء جديدة وسليمة بالإضافة إلى مكونات أخرى من مكونات الدم من مثيلات كريات الدم البيضاء والصفائح الدموية، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الأدوية التي تعمل على منع الجسم من تشكيل أجسام مضادة مناعية تُهاجم نخاع العظم، وهذا بدوره يُساعد نخاع العظم على إنتاج خلايا الدم وتعويض المُستنزَف منها بشكلٍ طبيعي، وأحيانًا يكون هنالك حاجة لنقل وحدات من الدم لتعويض كميات الدم المفقودة، وذلك من أجل التسريع في معدلات عودة الدورة الدموية للعمل بكفاءة عالية، وبالإضافة إلى ما تمّ ذكره، ففي حالات معينة، يُمكن أن يلجأ الأطباء إلى زراعة نقي عظام أو زراعة خلايا جذعية كإجراء لاستبدال الخلايا التالفة خلايا سليمة وقادرة على الانقسام والتمايز، حيث أنّ الخلايا الجذعية المزروعة تستقر في نخاع العظم وتبدأ عملها في الانقسام وإنتاج خلايا دم حمراء وخلايا دم بيضاء بالإضافة إلى الصفائح الدموية، وفي حالات أخرى يُمكن أن يتم اللجوء للتدخّل الجراحي من أجل استئصال الطحال في حالات تضخّمه، وذلك تجنّبًا لتكسير المزيد من خلايا الدم الحمراء السليمة فيه.[٧]
وسائل تساعد مرضى فقر الدم الانحلالي
بعد استعراض وسائل تشخيص فقر الدم الانحلالي ومناقشة سُبل علاجه، لا بُدّ من التعريج على أبرز الوسائل التي تتعلّق بالنظام الحياتي اليومي للمريض والتي يُمكن أن تُساعده في إدارة أعراض هذا الاضطراب، وفيما يأتي نبذة عن هذه الوسائل:[٧]
- الراحة قدر الإمكان: إن هذا النوع من فقر الدم يترافق غالبًا مع حالات من الوهن والتعب العام كما تمّ التنويه لذلك سابقًا، لذلك ينبغي للمريض المحافظة على الراحة وعدم إجهاد الجسم قدرَ الإمكان.
- الغذاء المتوازن: ينبغي أن يكون النظام الغذائي غنيًا بالأطعمة الصحية للحصول على الطاقة اللازمة وتعويض ما يتم استتزافه من خلايا الدم الحمراء والفيتامينات والمعادن في الجسم، وتأتي الفواكه والخضراوات على رأس المحتوى الغذائي الواجب تناوله يوميًا، بالإضافة إلى الحبوب الكاملة ومنتجات الألبان قليلة الدسم والفاصولياء واللحوم الخالية من الدهون بالإضافة إلى الأسماك بمختلف أنواعها.
- شرب السوائل: ينبغي أن يُضاف إلى النظام الغذائي اليومي لمرضى هذا الاضطراب كميات كبيرة من السوائل، وذلك من مثيلات الماء والعصائر الطبيعية والحليب.
- التمارين الرياضية: ينبغي على مرضى هذا الاضطراب ممارسة التمارين الرياضية -التي ينصح بها مقدمو الرعاية الصحية وأخصائيو التغذية- وذلك من أجل تقليل ضغط الدم وتحسين كفاءة الدورة الدموية في جميع أجزاء الجسم.
المراجع
- ↑ "Hemolytic Anemia", www.hopkinsmedicine.org, Retrieved 30-09-2019. Edited.
- ^ أ ب "Hemolytic Anemia: What It Is and How to Treat It", www.healthline.com, Retrieved 30-09-2019. Edited.
- ↑ "Hemolytic anemia", www.medlineplus.gov, Retrieved 30-09-2019. Edited.
- ↑ "Medical Definition of Hemolytic anemia", www.medicinenet.com, Retrieved 30-09-2019. Edited.
- ^ أ ب "Hemolytic Anemia", www.emedicine.medscape.com, Retrieved 30-09-2019. Edited.
- ↑ "Hemolytic Anemia", www.aafp.org, Retrieved 30-09-2019. Edited.
- ^ أ ب "Hemolytic Anemia", www.drugs.com, Retrieved 30-09-2019. Edited.