محتويات
سورة الأنبياء
سورة الأنبياء إحدى سور القرآن الكريم المكية التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وهي آخر سورة في حزب المئين وهي السور التي تلي سور السبع الطوال والتي يكون عدد آياتها قريبًا من 100 آية، تقع سورة الأنبياء في الجزء السابع عشر من كتاب الله تعالى و رقم ترتيبها في المصحف 21 وعدد آياتها 112 آية، كانت بعد سورة إبراهيم نزولًا، سمِّيَت بسورة الأنبياء لأنها ذكرَت في آياتها أسماء معظم الأنبياء والرسل عليهم السلام أجمعين، بدأت السورة بفعل ماضٍ محذرةً من اقتراب الساعة، حيث قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}،[١] وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، بالشرح التفصيلي
في سياق الحديث عن معنى آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، بالشرح التفصيلي، لا بدَّ من المرور على بعض المعلومات التي تتعلَّق بهذه الآية الكريمة، حيثُ تقع الآية في سورة الأنبياء وهي الآية رقم 78 منها، حيثُ أوردَها الله تعالى في قصة الحرث الذي حكم فيه داود وسليمان -عليهما السلام-، قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ* وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ* وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}،[٣] وردَ في القصة التي تشيرُ إليها الآية الكريمة السابقة أنَّ رجلًا يملك قطيعًا من الغنم، ودخلَ القطيع على كرم كانت عناقيده قد أنبتت وتدلَّت، فأفسدت الغنم الكرم وأكلت عناقيده وأوراقه ولم تبقِ شيئًا منها، فجاء صاحب الكرم يشكو أمره إلى داود -عليه السلام- ليحكم له بالحق، فقضى بالغنم لصاحب الكرم، أي أن يأخذ صاحب الكرمِ الغنمَ مقابل خسارته في الكرم، لكنَّ سليمان -عليه السلام- كان له رأي آخر في القضية فقال: غير هذا يا نبيَّ الله، فقال داود: وما ذاك؟، فقال سليمان: تعطي الكرم لصاحب الغنم، فيقوم برعايته ويهتمُّ به حتى يعود كما كان قبل أن يفسد، وتعطي الغنم لصاحب الكرم حتى يستفيد منها حتى يعود الكرم كما كان، وعندها يأخذ صاحب الكرم كرمه، وتعود الغنم إلى صاحبها، ومن هنا جاء قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}،[٤] وكان هذا الحكم الأقرب للصواب مع العلم أنَّ الله آتى داود وسليمان العلم والحكمة كما قال تعالى، وهكذا رويت القصة عن ابن مسعود وعن ابن عباس رضي الله عنهما، ومعنى آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، أي إذا رعَت الغنم في الكرم الذي نضجت عناقيده، والنفش هو الرعي كما قال ابن عباس، وأشار الزهري وقتادة إلى أنَّ النفش هو الرعي في الليل والهمل هو الرعي في النهار.[٥]
وقد ذهب بعض المفسرين من العلماء إلى أنَّ النفش هو الرعي في الليل ولكن من دون راعٍ يرعى الغنم، وكذلك الهمل في النهار، لذلك قال تعالى: {فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}،[٦] في إشارة إلى أنَّ الغنم رعت الكرم ليلًا وأفسدته من دون راعٍ، ورغم أنَّ ابن عباس وابن مسعود وأكثر المفسرين ذهبوا إلى أنَّ الحرث كان كرمًا قد نضجت وتدلَّت عناقيده، إلّا أنَّ قتادة رآى بأنَّ الحرث كان زرعًا.[٧]
وفي تفسير السعدي -رحمه الله- أنَّ الغنم رعت ليلًا الحرث فأكلت أشجاره ورعت زرعه، في إشارة إلى الحرث كان شجرًا وزرعًا، وتحاكم صاحب الغنم وصاحب الحرث إلى داود عليه السلام، فقضى بأن يأخذ صاحب الكرم الغنمَ مقابل الحرث الذي أفسدته الغنم، ولكنَّ سليمان رآى أنَّ الأقرب إلى الصواب أن يُعطى البستان إلى صاحب الغنم حتى يعود كما كان قبل أن يفسد، ويأخذ صاحب الحرث الغنمَ خلال تلك الفترة ويستفيد منها، حتى إذا عاد الحرث كما كان أخذ صاحب الغنم غنمه وأخذ صاحب الحرث حرثه كما كان، وهذا يدلُّ على كمال فطنة وفهم سليمان كما سبقَ في قوله تعالى، وهذا لا يعني أنَّ داود لم يفهم القضية، ولكنَّ الله له حكمة في ذلك في اكتمال حكمها على يد نبي الله سليمان -عليه السلام، وقد أشار تعالى بعد ذلك إلى أنَّ كليهما قد آتاه الحكمة والعلم، حيث قال تعالى: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}، والله تعالى أعلم.[٨]
معاني المفردات في آية: إذ نفشت فيه غنم القوم
إنَّ تفسير معنى الآية الكريمة السابقة يوجبُ على المرء أن يبحث في معاني المفردات قبل ذلك وهذا في جميع آيات كتاب الله تعالى، لأنَّ معرفة معاني الكلمات والمفردات يساعد على فهم المقصود من الآية أكثر، ومن أجل ذلك سيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، فيما يأتي:
- نفشت: من الفعل الماضي نفَشَ يَنفُش وينفِشُ، نفشًا ونفوشًا، والفاعل نافش وجمعه نفَّاش، والمفعول منفوش، ونفش الصوفَ: ندفه وشقَّه وفرَّق بعضه عن بعض، ونفش القوم بمعنى أخصبوا، ونفش على الطعام: أقبل عليه، ونفشَ الغنم: رعى ليلًا.[٩]
- غنم: جمعه أغنام وغنوم، وهو القطيع من الضأن أو الماعز، ومفرده شاة.[١٠]
- القوم: تشيرُ كلمة قوم إلى الجماعة من الناس الذين تجمعُ ما بينهم روابط قوية ويقومون بها كجماعة واحدة، ومعنى قومُ الرجل: أقرباؤه وعشيرته وأهله، أو عشيرته الذين يجتمعون فيما بينهم بجدٍّ واحد أو تجمعهم سلالة واحدة.[١١]
إعراب آية: إذ نفشت فيه غنم القوم
بعد معرفة معنى آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، بالشرح التفصيلي والمرور على معاني مفردات الآية، يجدر بالذكر معرفة إعرابها، فقد اهتمَّ العلماء المسلمون كثيرًا بدراسة علوم القرآن لأنَّ ذلك يساعد على فهم الآيات واستلهام التشريعات العظيمة منها، وفيما يأتي إعراب آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، إعرابَ مفرداتٍ وإعراب جُمَل:[١٢]
- إذ: ظرف زمان يدلُّ على الماضي وهو بدل من المضاف المقدَّر المحذوف.
- نفشَت: فعل ماض مبني على الفتحة لاتصاله بالتاء، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "نفشت" جملة فعلية في محل جر بالإضافة.
- فيه: جار ومجرور متعلقان بالفعل نفشت.
- غنم: فاعل مرفوع وعلامة رفعم الضمة الظاهرة.
- القوم: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
الثمرات المستفادة من آية: إذ نفشت فيه غنم القوم
تحملُ آيات كتاب الله تعالى الكثير من الثمرات والكنوز الدفينة التي تشكِّل نظامًا روحانيًّا ودنيويًّا، يساعده على تنظيم أمور حياته وأداء عباداته على أكمل وجه، وإنَّ كل آية بحرٌ زاخرٌ بحدِّ ذاتها، ولم يغفل علماء المسلمين عن ذلك الأمر، فأفردوا لذلك كتبًا كثيرةً من تفسير وشرح واستنباط الأحكام والثمرات من الآيات الكريمة، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج الثمرات المستفادة من آية: إذ نفشت فيه غنم القوم، بشكل مفصل:[١٣]
- لقد حفَظَ الله تعالى مال المسلم كما حفظَ جميع حقوقه وممتلكاته، ولذلك لا يجوز الاعتداء على أملاك الغير ولا الأخذ منها ما لم يأذن صاحب المال أو المُلك، وفي الحديث عن الأشعث بن قيس أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن اقتطَعَ مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ بغيرِ حَقٍّ لَقيَ اللهَ وهو عليه غَضبانُ".[١٤]
- يجب على كل من يتولَّى الحكم في أمور الناس والخلافات التي قد تقع فيما بينهم أن يكون ذا حكمةٍ وعلمٍ، اقتداءً بأنبياء الله تعالى.
- إنَّ العدل أساس الحكم، ولا يقبل الله تعالى من الحاكمين إلّا العدل.
- يجب على من يعتقد أنَّ حكمًا ما فيه ابتعادٌ عن الحق أن لا يسكت على ذلك، بل يجب عليه أن يعترض ويقدِّم الحكم الأقرب للصواب، وفي حكم سيدنا سليمان -عليه السلام- إشارة إلى ذلك.
- تقعُ مسؤولية نفوش الغنم على الزرع نهارًا على صاحب الزرع ولا يتكفل صاحب الغنم بأي خسارة، لأن صاحب الزرع في النهار يكون مسؤولًا عن حرثه، وأمَّا إذا نفشت الغنم ليلًا فإنَّ المسؤولية تقع على صاحب الغنم، لأنَّه مسؤول عن خروجها ليلًا وإفسادها للحقول.
- كل إنسان يخطئ ويصيب، فمن اجتهد وأخطأ له أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران.
- إنَّ صلاح أحوال المسلمين وإيجاد حلول للخلافات التي تقع فيما بينهم لا يكون إلا من خلال اللجوء إلى قضاةٍ حكماء وأصحاب علمٍ ورأي يحكمون بين الناس بالعدل، فلا يمكن التوصل إلى الحلول من خلال عنف والقوة التي تثير الفتن بين المسلمين وتصل بهم إلى أن يقتل بعضهم بعضًا.
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية:1
- ↑ "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:78-81
- ↑ سورة الأنبياء، آية:79
- ↑ "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:78
- ↑ "تفسير: (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تفسير قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى نفشت في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى غنم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى قوم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "إعراب القرآن وبيانه محيي الدين درويش"، furqan.co، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "وَدَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَٰهِدِينَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن الأشعث بن قيس، الصفحة أو الرقم:21848، صحيح.