محتويات
سورة الشعراء
عُرِفَت هذه السورة عند السلف الصالح بسورة الشعراء، وكذا وردت في كتب السنّة النبويّة، ووجه تسميتها بسورة الشعراء هو تفرّدها من بين سور القرآن الكريم بذكر لفظة الشعراء، وذلك في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}،[١] وقال بعضهم كذلك إنّها تُسمّى كذلك بسورة طسم، وذكر ابن العربي المالكي أنّ من أسماء هذه السورة "الجامعة"، وقد قال ابن كثير والسيوطي إنّ هذا القول منسوب للإمام مالك رضي الله عنه وعنهم؛ وربّما مردّ ذلك إلى أنّها قد جَمَعَتْ ذكر الرسل أصحاب الشرائع المعلومة حتى مجيء رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهي مكيّة على الأغلب، وهنالك نزاع حول بعض الآيات من جهة أنّها مدنيّة، وتعدادها من حيث النزول السابع والأربعون نزلت بعد الواقعة وقبل النمل، وعدد آياتها عند أهل المدينة ومكة والبصرة 226، وعند أهل الشام والكوفة 227،[٢] وترتيبها في المصحف 26، وهي من السور المثاني، وسيقف هذا المقال مع بيان معنى آية: إلا من أتى الله بقلب سليم.[٣]
معنى آية: إلا من أتى الله بقلب سليم
تقف هذه الفِقرة فيما يأتي مع تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}،[٤] وهذه الآية قد جاءت في القرآن الكريم على لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وهي من جملة دعائه -عليه السلام- الذي قد قال فيه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ* وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ* وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ* وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}،[٥] فقوله -عليه السلام- إلا من أتى الله بقلب سليم كناية عن أنّه لن ينجو من العذاب يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم، وقال المفسّرون إنّ المقصود بالقلب السليم هو السالم من دنس الشّرك، وقيل إنّ المقصود بالقلب السليم هو الذي يوقن أنّ الله حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وكذلك يؤمن أنّ الله سيبعث الأموات إلى يوم الحساب يوم القيامة، وقيل إنّ القلب السليم هو قلب المؤمنين لأنّ الله -تعالى- وصف الكافرين والمنافقين أنّ في قلوبهم مرض كما جاء في سورة البقرة في قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا}،[٦] وهذا القول منسوب للإمام سعيد بن المسيِّب رضي الله عنه.[٧]
وقال بعض السلف إنّ المقصود بالقلب السليم هو السليم من الشرك؛ لأنّ الذنوب لا يسلم منها أحد، وقال الإمام القرطبي إنّ هذا القول عليه أكثر المفسّرين، ونقل الإمام القرطبي عن الحسن البصري أنّه قال إنّ المقصود بالقلب السليم هنا هو السليم من آفة المال والبنين، ومن لطائف التفسير ما روي عن الإمام الجنيد أنّه قال إنّ السّليم في اللغة هو اللديغ، فكأنّه تعالى يقصد أن يكون قلب المؤمن كاللديغ خوفًا من الله تعالى، وروي عن الضحّاك بن مزاحم الهلالي إمام التفسير أنّه قال إنّ القلب السليم هو الخالص، ورأى الإمام القرطبي أنّ هذا القول يجمع أشتات الأقوال السابقة؛ فهو الخالص من الأوصاف الذميمة المتّصف بالأوصاف الحسنة، وقال بعض المفسّرين إنّ القلب السليم يشبه وصفًا ورد في حديث رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوامٌ، أفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أفْئِدَةِ الطَّيْرِ"،[٨] فكأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أراد أنّ يقول إنّ هؤلاء القوم قلوبهم خالية من كلّ ذنب، والله أعلم.[٧]
معاني المفردات في آية: إلا من أتى الله بقلب سليم
بعد الوقوف مع نبذة عن سورة الشعراء وبعد الوقوف مع معنى آية: إلا من أتى الله بقلب سليم،[٩] فإنّ هذه الفقرة تقف مع بيان معاني مفردات الآية الكريمة آنفة الذكر؛ ففي ذلك -ربّما- جلاءٌ للبس قد يراود القارئ لهذه الآية الكريمة، وذلك فيما يأتي:
- أتى: الإتيان في اللغة يعني المجيء، فيقولون: أتاه يأتيه إتيانًا وإتيًّا ومأتاةً، وقد يحمل الإتيان معنًا آخر على المجاز كقولهم: آتى الشيء إذا ساقه، وقد أوَّلَ العلماء قوله تعالى في سورة طه: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}[١٠] بأنّ المعنى هو حيث كان، والله أعلم.[١١]
- قلب: القلب في اللغة هو مضغة في الفؤاد تتعلّق بنياطه، وقال بعض أهل اللغة إنّ القلب هو الفؤاد نفسه، وجمعه أقلُب وقُلُوب، وقد تقول العرب القلب وتقصد به العقل، والله أعلم.[١٢]
- سليم: السلامة في اللغة تعني البراءة من العيوب والسليم هو البريء من الأمراض والأسقام والعيوب، وقد يكون السليم هو اللديغ تفاؤلًا ببراءته من المرض.[١٣]
إعراب آية: إلا من أتى الله بقلب سليم
بعد الوقوف مع معنى آية: إلا من أتى الله بقلب سليم من سورة الشعراء فإنّ هذه الفقرة -قبل الختام- تقف مع إعراب قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}؛[١٤] ففي الإعراب زيادة في البيان والإيضاح، وقد يجلو الإعراب غموضًا قد يراود القارئ غير المتمكّن من اللغة، وإعراب الآية كاملًا فيما يأتي:[١٥]
- إلّا: أداة استثناء.
- مَن: اسم موصول مبني في محل نصب على الاستثناء.
- أتى: فعل ماضٍ مبني على النصب المقدّر على الألف للتّعذّر، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو، وجملة {أَتَى} صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
- اللهَ: اسم الجلالة في محل نصب مفعول به، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- بقلبٍ: الباء حرف جر، وقلب اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل أتى.
- سليمٍ: صفة لقلب مجرورة مثلها وعلامة جرّها الكسرة الظاهرة على آخرها.
الثمرات المستفادة من آية: إلا من أتى الله بقلب سليم
ختامًا تقف هذه الفقرة مع الثمرات التي يمكن إفادتها من قوله تعالى في سورة الشعراء: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}،[١٦] فالقرآن الكريم إذا قُرِئ منه آية أو آيات فإنّ القارئ لهذه الآيات لا يعدم الوقوف على ثمرات يستفيدها ممّا قد يفتحه الله -تعالى- عليه من خلال قراءته لآي الذكر الحكيم، وفيما يأتي بعض الثمرات المستفادة من الآية السابقة ومن سورة الشعراء كاملة:
- بيان أنّ سلامة الصدر من الآفات والآثام والشّرك ودواعيه وأسبابه؛ هو سببٌ في دخول العبد الجنة والنجاة من النار.[١٧]
- بيان أنّ المال والبنين مع أنّ الله -تعالى- قد وصفها بأنّها زينة الحياة الدنيا إلّا أنّها قد تكون سببًا في دخول صاحبها الجنّة إن أحسن التصرّف بهما وصرف الأموال بما يرضي الله تعالى، وقد استنبط هذا التوجيه الإمام الشعراوي رحمه الله.[١٨]
- بيان أنّ الإنسان إنّما يولد على الفطرة الصالحة، والإنسان هو الذي يحافظ عليها أو يلوّثها.[١٨]
المراجع
- ↑ سورة الشعراء، آية:224
- ↑ "التحرير والتنوير - سورة الشعراء"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ "سورة الشعراء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية:89
- ↑ سورة الشعراء، آية:83-89
- ↑ سورة البقرة، آية:10
- ^ أ ب "تفاسير الآية 89 من سورة الشعراء"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2840، حديث صحيح.
- ↑ سورة الشعراء، آية:89
- ↑ سورة طه، آية:69
- ↑ "تعريف و معنى أتى في قاموس القاموس المحيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى القلب في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى سليم في قاموس القاموس المحيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية:89
- ↑ "إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍۢ سَلِيمٍۢ (الشعراء - 89)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية:89
- ↑ "فوائد سلامة الصَّدر"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.
- ^ أ ب "تفسير الشعراوي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.