محتويات
سورة القصص
تُعدّ سورة القصص من السور المكيّة كما ذهب إلى ذلك جمهور التابعين، وفيها آية واحدة نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو في طريقه إلى المدينة وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}،[١] وقد سُمّيت بالقَصص بسبب مجيء لفظ القصص فيها، وهو قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}،[٢] فهو القَصص الذي قد قصّه موسى على شعيب عليهما السلام، وهو الأمور التي لاقاها في مصر قبل وصوله إليه، وترتيبها من حيث النزول هو التاسع والأربعون، وقد نزلت بعد سورة النمل وقبل سورة الإسراء، وهذه السور الثلاث قد تشابهت في الافتتاح بذكر قصّة موسى عليه السلام، وسيقف المقال فيما يأتي مع آية من سورة القصص هي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} بشيء من التفسير والتدبّر.[٣]
معنى آية: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد
ما معنى هذه الآية؟ جاء في سورة القصص آية يقول فيها سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، هذه الآية نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو بالجحفة بين مكّة والمدينة في طريق هجرته العظيمة، فكانت هذه الآية مُسلّية له -عليه الصلاة والسلام- ممّا يلاقيه في طريق هجرته من دياره في مكّة إلى بلد جديد هي المدينة المنوّرة، وقد خرج -صلّى الله عليه وسلّم- من مكّة وهو يحبّها، وقال بعض السلف أنّه لمّا صار بالجحفة اشتاق لمكّة فأنزل الله -تعالى- هذه الآية تسليةً له، وقد اختلف المفسّرون في المُراد من المعاد في هذه الآية على وجه الدقّة والتحديد، فذهب جماعة منهم -ورجّح هذا القول الإمام القرطبيّ- إلى أنّ المقصود بالمعاد الذي سيردّ الله -تعالى- إليه نبيّه -عليه الصلة والسلام- هو مكة المكرّمة؛ إذ سيُعيده الله -تعالى- إليها قاهرًا لأعداء الدين وظاهرًا عليهم، وبه قال جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس ومجاهد بن جبر التابعي رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك يقول بعض علماء اللغة إنّ معاد الرجل بلده؛ لأنّه يغادرها ثمّ يعود، وذهب جماعة آخرون إلى القول أنّ المقصود بالمعاد هو الجنّة، وبه قال الحسن البصريّ -رضي الله عنه- ومرويّ كذلك عن ابن عبّاس وأبي سعيد الخدْريّ رضي الله عنهم.[٤]
وقال آخرون إنّ المعاد هو يوم القيامة، وهو مرويّ عن غير واحد من السلف منهم الزُّهري،[٥] وقال آخرون هو الموت، وهذا الوجه مرويّ عن كثير من السلف منهم سعيد بن جبير رضي الله عنه، ثمّ يختم الله -تعالى- الآية بقوله: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، وهذا التذييل يريد به تعالى أنّ يقول للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنّ خير جواب للكافرين الذين يصدّون عن الإسلام هو أن يُقال لهم إنّ الله -سبحانه- أعلم بمن اهتدى إلى طريق الصواب وهو أعلم لمن يكون النصر والعاقبة الحسنة، وهو -تعالى- أعلم -كذلك- بمن يرتع في الضلال والجَور والظّلم، وقد وصف -سبحانه- الضلال بالمُبين ليجعل المفكّر المتبصّر يرى بعينه من الذي على طريق الحقّ ومن الذي قد ضلّ ضلالًا بعيدًا بائنًا واضحًا لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، والله أعلم.[٤]
معاني المفردات في آية: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد
بعد الوقوف بشيء من التفصيل مع تفسير قوله تعالى في سورة القصص: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، فإنّ هذه الفقرة تقف مع شرح مفردات هذه الآية الكريمة بما يتّسع له المقام، ومن ذلك ما يأتي:
- الذي: هو اسم موصول لا يتمّ معناه من دون الصلة.[٦]
- فرض: الفرْض ما أوجبه الله -تعالى- على عباده، أو ما يوجبه الإنسان على نفسه، ويقولون فرَضَ فلانٌ الأمرَ إذا أوجبه وألزمه.[٧]
- القرآن: هو كلام الله -تعالى- المُعجِز المُنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والذي قد نُقل بالتواتر وجُمع في المصاحف.[٨]
- لرادّك: الردّ في اللغة صرف الشيء عن محلّه ورجعه، يقولون: ردّ فلان الأمر عن وجهه إذا صرفه، ومن معانيه كذلك الارتداد وهو الرجوع.[٩]
- معاد: المعاد هو المصير والمرجع، ومنه قولهم عن الآخرة إنّها معاد الخلق.[١٠]
- ربي: الرب السيد، ورب الأرباب هو الله تبارك وتعالى، ولا يُطلق لقب الرب على غير الله -تعالى- إلّا مُضافًا، فإذا قيل الرب مُعرّفًا بال فإنّه ينبغي ألّا يُقصد به سوى الله سبحانه وتعالى.[١١]
- أعلم: وهي صيغة مبالغة يُراد بها أنّ الذي يعلم كلّ شيء هو الله -تعالى- وحده.[١٢]
- الهدى: والهدى هو الرشاد والصراط المستقيم والطريق الواضحة وهو ضد الضلال.[١٣]
- ضلال: هو مصدر الفعل ضلّ، فيقولون: ضلّ فلانٌ يضلُّ ضلالًا، والضلال يُقصد به العدول عن طريق الحق والهدى والرشاد سواء كان ذلك عمدًا أم سهوًا، كثيرًا كان ذلك أم قليلًا، وهو كذلك الباطل والهلاك.[١٤]
- مبين: المُبيْن من الأشياء هو الأمر الواضح البالغ الوضوح.[١٥]
إعراب آية: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد
هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ بعد الوقوف مع تفسير آية {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} والوقوف على معاني مفرداتها مفردة مفردة نقف هذه الفقرة مع إعراب الآية إعراب مفردات وإعراب جمل، وذلك فيما يأتي:
- إنّ: حرف مشبّه بالفعل.[١٦]
- الذي: اسم موصول مبني في محل نصب اسم إنّ.[١٦]
- فرَضَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وجملة فرض صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]
- عليك: على حرف جر، والكاف ضمير متّصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل فرَضَ.[١٦]
- القرآنَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٦]
- لرادُّكَ: اللام مزحلقة، ورادُّكَ خبر إنّ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والكاف ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، وجملة "إنّ الذي فرض.." استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٧]
- إلى معاد: إلى حرف جر، ومعاد اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلّقان برادّك.[١٦]
- قلْ: فعل أمر مبني على السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، وجملة قل استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]
- ربّي: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلّم منع من ظهورها استغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.[١٧]
- أعلمُ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وجملة ربي أعلم هي جملة مقول القول في محل نصب مفعول به.[١٦]
- مَن: اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به لكلمة أعلم على تأويلها بـ"عالم"، أو يمكن القول إنّ "مَن" مفعول به لفعل محذوف تقديره يعلم.[١٧]
- جاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[١٧]
- بالهدى: الباء حرف جر، والهدى اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جرّه الكسرة المقدّرة على الألف للتعذر، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل جاء، وجملة جاء بالهدى صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.[١٧]
- ومَن: الواو حرف عطف، ومن معطوفة على مَن السابقة فهي مثلها في الإعراب.[١٧]
- هو: ضمير رفع منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.[١٧]
- في ضلالٍ: في حرف جر، وضلال اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلّقان بخبر محذوف للمبتدأ هو.[١٦]
- مبين: صفة ضلال مجرورة وعلامة جرّها الكسرة الظاهرة، وجملة هو في ضلال مبين صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]
الثمرات المستفادة من آية: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد
ختامًا يقف المقال مع ما يمكن أن يستنبطه المسلم من الآية القرآنيّة السابقة في سورة القصص، وربّما يمكن أن تُختصر تلك الثمرات بما قاله السعدي -رضي الله عنه- في تفسيره للقرآن الكريم، إذ قال إنّ من حكمة الله -تعالى- في عباده أنه لم يجعل الحياة هي الحياة الدنيا فقط، بل اقتضت حكمته أن تكون ثمّة حياة آخرة يعود فيها الناس إلى موعد لا يخلفه يحاسبه على ما كسبت أيديهم في الدنيا، فيجزي المحسنين خير الجزاء ويجزي الكافرين ما يستحقّون، فالثمرة التي يجنيها المسلم من هذه الآية هي ازدياد إيمانه بيوم البعث والحساب، وأنّ الدنيا دار عمل سيقطف ثمراتها في الآخرة يوم الحساب،[١٨] وكذلك من ثمرات الآية أنّ الدين سيغلب على أعدائه ويظهر مهما ظنّ أعداؤه انّهم غالبون، والله أعلم.[٤]
المراجع
- ↑ سورة القصص، آية:85
- ↑ سورة القصص، آية:25
- ↑ "التحرير والتنوير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "تفاسير الآية 85 من سورة القصص"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تفسير ابن كثير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الذي في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى فرض في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى القرآن في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الرد في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المعاد في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الرب في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أعلم في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الهدى في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الضلال في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى مبين في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر "إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "إعراب القرآن: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ "، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "مع القرآن - إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.