معنى آية إن الله فالق الحب والنوى، بالشرح التفصيلي

سورة الأنعام

سورة الأنعام إحدى السور المكية في كتاب الله تعالى وهي السور التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة عدا الآيات التالية: 20، 23، 91، 93، 114، 141، 151-153، فهي مدنية، والسورة من السبع الطوال وعدد آياتها 165 آية كريمة، نزلت سورة الأنعام بعد سورة الحجر، وتقع في المصحف الشريف بعد سورة المائدة وقبل سورة الأعراف ورقم ترتيبها فيه 6، بدأت السورة بحمد الله تعالى والثناء عليه، حيثُ يقول تعالى في مطلعها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ}،^[١] وتدور السورة حول عدة مواضيع هي صلب العقيدة الإسلامة مثل التوحيد وأصول الإيمان وغيرها، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: إن الله فالق الحب والنوى، بالشرح التفصيلي.^[٢]

معنى آية: إن الله فالق الحب والنوى، بالشرح التفصيلي

في الحديث عن معنى آية: إن الله فالق الحب والنوى، بالشرح التفصيلي، لا بدَّ من الإشارة إلى هذه الآية الكريمة، حيثُ تعدُّ هذه الآية إحدى آيات سورة الأنعام، وهي الآية رقم 95 منها، ذكرها الله تعالى في سياق الآيات التي يُذكِّر فيها عباده بخلقهم أوَّل مرة وبالبعث يوم القيامة، وكيف سيأتونه فرادى دون شفعائهم أو ما كانوا يدعون من دون الله، وكيف أنَّ أولئك سيضلُّون عنهم وتتقطع الصلات فيما بينهم، بعد ذلك يذكر الله بعضًا من آياته العظيمة في الخلق، حيثُ يقول تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ* إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ* فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}،^[٣] وفي معنى الآية يرى أهل التفسير أنَّ الله هو الذي يشقُّ الحب والنوى، والحبُّ في النبات والنوى في النخيل، أي يشق الحبة عن السنبلة والنواة عن النخلة، فيخرح تلك من هذه، وذهب الزجَّاج إلى أنَّ الله تعالى يشقُّ الحبَّة اليابسة والنواة اليابسة ويخرجُ منها ورقًا أخضر، وأمَّا مجاهد فرآى أنَّه تعالى يعني الشقين اللذين يكونان في الحبِّ والنوى، أي يشقُّ الحبَّ عن النبات ويخرجه منه ويشقُّ النوى عن النخل ويخرجها منه، والحبُّ هو جمع حبَّة ويطلق هذا الاسم على جميع بذور وحبوب النباتات من القمح والشعير والذرة، وكل ما ليس له نوى، والنَّوى لكل ما له نوى مثل الثمار كالمشمش والتمر ونحوهما، ورآى الضحاك أنَّ المقصود هو خالق الحبِّ والنوى، والله أعلم.^[٤]

يخبر الله تعالى أنَّه هو فالق الحب والنوى، أي هو الذي يشقُّ الحب والنوى في الثرى في التراب فينبُت الزرع على اختلاف أصنافه من الحبوب، والثمار على اختلاف الألوان والأشكال والطعم، ولذلك أكمل الله تعالى بقوله: يخرج الحي من الميت، فهو يخرجُ النبات الحي من النوى والحبوب التي هي كالجماد الميِّت، وأشار الله إلى هذا المعنى في غير موضع من القرآن الكريم،^[٥] وقد ورد في تفسير الطبري أقوال العديد من المفسرين، حيثُ ذهب السدي إلى أنَّ فالق الحب والنوى الذي يفلق الحب عن السنبلة والنوى عن النخلة، وذهب قتادة إلى أنَّه يفلق الحب والنوى عن النبات، وبمعنى آخر أنَّه فلق الحب والنوى وأنبت منه النبات، ففلقَ الحب وأخرج منه النبات والزرع وفلق النوى فأخرج منه النخيل، وعن ابن عباس أنَّ الله هو خالق الحب والنوى، ورآى أخرون أنَّه فلق الشقَّ الموجود في الحب وفي النوى، وعن مجاهد أنَّه الشق الذي يكون في النواة وفي حبوب الحنطة، وأمَّا القول بأنَّه خالق الحب والنوى هو ما فسَّره الكلام الذي جاء بعده بأنَّ الله يخرج الحي من الميت والميت من الحي، وبذلك أخبر الله عن نفسه أنَّه فالق الحبوب عن النباتات والنوى عن الأشجار والثمار، والله تعالى أعلم.^[٦]

معاني المفردات في آية: إن الله فالق الحب والنوى

بعد الإشارة إلى معنى الآية السابقة بشكل عام، سيتمُّ المرور على معاني المفردات في الآية، فقد تحمل كل كلمة على أكثر من معنى ويوضِّح شرح المفردات بالإضافة إلى الإحاطة بالجوانب الأخرى من علوم القرآن المعنى المقصود من الآية بشكل دقيق، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: إن الله فالق الحب والنوى، بشكل مفصَّل:

• إنَّ: حرف يستخدم في اللغة العربية للتوكيد، وينفي الشك أو الإنكار في الكلام اللاحق، ودائمًا يأتي في بداية الكلام، وفي القرآن أمثلة كثيرة على ذلك، حيثُ يقول تعالى:{إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}،^[٧][٨]
• الله: لفظ الجلالة وهو اسم علم يدلُّ على الذات الإلهية وهي واجبة الوجود، وتجمع تلك الذات جميع صفات الألوهية، ولا يجوز أي شخص أن يتَّخذ هذا الاسم بخلاف بقية أسماء الله التي يمكن التسمِّي بها، وهو أول اسم من أسمائه تعالى وهو الاسم الأعظم له، يتم ترقيق الله إذا سبقها كسر أو ياء وتفخم في غير ذلك، أصل الكلمة من كلمة إله، دخلت أل التعريف عليها وحذفت الهمزة وتمَّ إدغام اللامين معًا.^[٩]
• فالق: من فلقَ ويفلقُ فلقًا، الفاعل فالق والمفعول مفلوق، فلق الشيء: شقَّه، فلق رأسه: أحدث فيه جرحًا، فلق الله الصباح: أظهر نوره وضياءه، فلقت النخلة: تشقق طلعها عن الحب، والفالق اسم من أسماء الله تعالى، لأنه يشق الحب والنوى بقدرته ويخرج أصناف وألوان النباتات والزروع والخيل.^[١٠]
• الحبّ: جمع كلمة حبة وهي بذور الأعشاب، والحب أو الحبوب هي ما يكون في نبات في السنابل والأكمام، حب القمح: البذور التي تكون موجودة داخل السنبلة، حَبُّ المسك هي نبات من فصيلة الخبازيات تستعمل بذوره في صناعة العطورات، حبُّ الملوك الكرز، والحَبُّ بمعنى بذور النبات.^[١١]
• النوى: جمع كلمة نواة، والنواة هي الجزء الداخلي من الثمار مثل نواة المشمش أو نواة البلح، وتجمع كلمة نواة على نوى ونويات، نواة الاستثمار: بدايتها، النواة: جزء مركزي في الأرض، النواة: الجزء الذي يعدُّ أساس التطور والنماء، النواة في الخلية: جسم صغير جدًّا يشكل أساس الخلية، والنوى بذور ثمار العديد من النباتات مثل التمر.^[١٢]

إعراب آية: إن الله فالق الحب والنوى

في معرفة معنى الآية من الضروري الوقوف على إعراب كلمات الآية، حيثُ يوضِّح إعراب الكلمات مكان ووظيفة كل كلمة وبالتالي تحديد المعنى الذي تحمله تلك الكلمة، وهذا ما دفع العلماء المختصون في دراسة علوم القرآن الكريم لأعطاء الإعراب أهمية كبيرة، وأفردت كتب مستقلة كثيرة لذلك، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج إعراب آية: إن الله فالق الحب والنوى، إعراب مفردات وإعراب جُمل:^[١٣]

• إنَّ: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، وجملة "إن الله فالق" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
• الله: لفظ الجلالة اسم إنَّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
• فالق: خبر إنَّ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
• الحب: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
• والنوى: الواو حرف عطف، النوى: معطوف على مجرور فهو مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف.

الثمرات المستفادة من آية: إن الله فالق الحب والنوى

في نهاية المطاف من الضروري المرور على الثمرات المستخلصة من الآية، فلا بدَّ للمسلم استخراج تلك الثمرات من كل آية في كتاب الله والأخذ بما فيها من تعاليم وعظات، فقد أنزل الله تعالى آياته هداية للناس ودستورًا ينظِّم حياتهم ويهديهم إلى سواء السبيل، وفيما يأتي الثمرات المستفادة من آية: إن الله فالق الحب والنوى:^[١٤]

• قدرةُ الله تعالى مُطلقة وليس لها حدود تقفُ عندها سواءً في الأمور الدقيقة أو العظيمة، وهو القائل في كتابه العزيز: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.^[١٥]
• رحمةُ الله تعالى تتجلَّى في كلِّ مخلوقاته في هذا الكون، ومن صور رحمته أنَّه خلقَ الظلمات في الليل والنور في النهار للإنسان، حيثُ قال في سورة النبأ أيضًا: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}،^[١٦] ومن صور رحمته أنَّه يسَّر نموَّ النباتات بمختلف ألوانها حتى يستفيد منها الإنسان، ويشيرُ تعالى إلى ذلك في قوله: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.^[١٧]
• حكمةُ الله تعالى في القرآن الكريم تتمثَّل في إقامة الحجَّة على الكافرين والمكذبين قبل توعُّدهم بالعذاب والهلاك.

المراجع

1. ↑ سورة الأنعام، آية:1-2
2. ↑ "سورة الأنعام"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
3. ↑ سورة الأنعام، آية:94-96
4. ↑ "تفسير: (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
5. ↑ "تفسير قوله تعالى " إن الله فالق الحب والنوى ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
6. ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
7. ↑ سورة هود، آية:41
8. ↑ "تعريف و معنى إن في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
9. ↑ "تعريف و معنى الله في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
10. ↑ "تعريف و معنى فالق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
11. ↑ "تعريف و معنى الحَبُّ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
12. ↑ "تعريف و معنى النوى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
13. ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
14. ↑ "۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
15. ↑ سورة البقرة، آية:117
16. ↑ سورة النبأ، آية:10-11
17. ↑ سورة الواقعة، آية:63-64