محتويات
سورة آل عمران
إنَّ سورة آل عمران تعدُّ من سور القرآن الكريم المدنية، وتعدُّ أيضًا من السبع الطوال، حيث يبلغ عدد آياتها 200 آية، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى ذكر قصة عائلة عمران والد السيدة مريم والدة نبيِّ الله عيسى -عليه السلام- وقدرة الله -عزَّ وجلَّ- بولادتهما، وقد ورد عدة أحاديث في فضل هذه السورة منها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ"،[١] وإنَّ من الموضوعات التي تناولتها السورة الكريمة عزوة أحد وما صاحبها من أحداث،[٢] وإنَّ قول الله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،[٣] تعدُّ آية من الآيات التي نزلت عن أحداث غزوة أحد،[٤] وسيتم تخصيص هذا المقال لبيان معنى الآية الكريمة وبيان معاني مفرداتها ثمَّ سيتم إعراب مفرداتها واستخراج الثمرات المستفادة منها.
معنى آية: إن يمسسكم قرح، بالشرح التفصيلي
إنَّ في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،[٣] تسليةً ومواساةً للمسلمين بسبب ما أصابهم يوم أحد من جراحٍ وألم، فيقول الله لهم: أنَّ ما أصابكم من جراحٍ وقتلٍ يوم أحد قد أصاب المشركين مثله يوم بدر، وهكذا هي الحياة الدنيا عبارة عن أيام يتمُّ تصريفها بين النَّاس فيُنصرون تارةً ويُهزمون تارةً أخرى، وكلُّ ذلك لحكمٍ إلهية، حيث بها يُختبر الصادق في إيمانه من غيره، فلو كان النَّصر حليف المسلمين في كلِّ مرة لدخل في الإسلام من لا يريده، أمَّا في حال الاختبار والابتلاء يتبيَّن المؤمن الحقيقي الذي يرغب في الإسلام في جميع الأحوال، سواء في السرَّاء أو الضرَّاء أو في العسر واليسر، ومن الحكم في تصريف الأيَّام بين المسلمين والكافرين أيضًا أنَّ في ذلك إكرامًا من الله للمؤمنين بالشهادة، وهذا من رحمته -عزَّ وجلَّ- بعباده إذ يقيِّض لهم من الأسباب ما هو مكروهُ للنفوس، فينالوا به الدرجات العالية والنعيم المقيم في الجنة، ثمَّ تُختم الآية الكريمة في بيان بغض الله -عزَّ وجلَّ- لمن ظلم نفسه وتقاعد عن الجهاد في سبيل الله، وفي ذلك تعريض في ذمِّ المنافقين ودلالة على أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- كره انبعاثهم وأبغضهم لذلك ثبَّطهم عن القتال،[٥]
وهذا هو التفسير الإجمالي للآية المذكورة، ولا بأس في ذكر أقوال بعض المفسرين في معنى الآية الكريمة لمزيد الفائدة، وفيما يأتي ذلك:
- تفسير الواحدي: إن ما أصابكم أيُّها المسلمون يوم أحدٍ من الجراح والألم، فقد أصيب المشركين يوم بدر بمثل ما أصابكم، وهذه سنة الله -عزَّ وجلَّ- في كونه حيث جعل الأيام بين الناس دولٌ يصرفها كيفما يشاء، فيجعل النصر مرة حليف طائفة ومرة أخرى يجعله حليف طائفةٍ أخرى، وذلك ليميِّز المؤمن الصادق من الذي قد يرتدّ عن دينه عند الابتلاء، وأيضًا ليكرم بعض المؤمنين بالشهادة، وهذا هو السبب الحقيقي لما حدث في غزوة أحد وليس محبةً من الله للكافرين.[٤]
- تفسير البيضاوي: إن أصاب المشركون يوم أحد منكم أيها المسلمون، فقد أصبتم منهم أنتم يوم بدر، وإنَّ الذي أصابهم لم يكن سببًا في إضعافهم، وعلى ذلك فالأولى ألَّا تضعفوا أنتم، فإنَّ أوقات الغلبة والنصر نداولها بين الناس، لحكمٍ كثيرة منها: تمييز المؤمن الحقيقي من غيره، وإكرام فئة منكم بالشهادة، وقيل المقصود بقوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}، أي شهودًا معدَلين بالثبات والنصر، وختم الله -عزَّ وجلَّ- الآية الكريمة ببيانه بغضه للكافرين أو المنافقين.[٦]
وفي مقام بيان معنى الآية السابقة، لا بأس في الحديث حول نصر المسلمين وهزيمتهم في غزوة أحد، في الحقيقة إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُهزم في غزوة أحدٍ ولا في غيرها من الغزوات، ومن قال بهزيمته فقد خالف الصحة، بل إنَّ خطورة ادِّعاءه هذا يُوصله إلى الكفر،[٧] وإنَّ الدليل على أنَّ غزوة أحد لم تكن هزيمة للمسلمين كثيرة، وفيما يأتي بعضها:[٨]
- أنَّ نتيجة كل معركة لا تُقاس بعدد الخسائر فيها، بل تُقاس بحصول العدو على هدف القتال، والمتمثل بالقضاء على خصمه ماديًا ومعنويًا، وهذا لم يحدث في غزوة أحد، ودليل ذلك أنَّ المسلمين استطاعوا الخروج بعد الغزوة لمطاردة المشركين، فلو أنَّ قريشًا استطاعت هزيمتهم معنويًا لما استطاع الصحابة الخروج.
- إنَّ مجرد قدرة المسلمين على الخروج من الموقف الحرج وجعل خسائرهم محدودة يعدُّ نصرًا عظيمًا.
معاني المفردات في آية: إن يمسسكم قرح
هل لمفردات هذه الآية معاني؟ تتميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات بأنَّها لغة القرآن الكريم، حيث قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}،[٩] وعلى ذلك فإنَّ من أهمِّ الأمور التي لا بدَّ من مراعاتها عند بيان معنى آية من آيات كتاب الله أن يتمَّ بيان معاني مفرداتها في اللغة،[١٠] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان مفردات قول الله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، وفيما يأتي ذلك:
- قرح: لكلمة القرح في اللغة عدة معاني، منها ألم الجراح وأذى الهزيمة، ومنها الجرح بطيء الاندمال، وهذا الجرح يصيب الجلد وهذا الجرح تطول مدة شفائه بسبب تقيحه أو بسبب ضعف الدورة الدموية.[١١]
- القوم: الجماعة من الناس، الَّذين تجمع بينهم جامعة يقومون لها.[١٢]
- نداولها: أي يتمُّ تصريفها بأحوالٍ مختلفة.[١٣]
- شهداء: جمع شهيد، والشهيد هو من قُتل في سبيل الله، كما أنَّها جمعٌ للشاهد، وهو من يقوم بتأدية الشهادة.[١٤]
إعراب آية: إن يمسسكم قرح
نزل القرآن الكريم باللغة العربية -كما ذُكر سابقًا- ومن المعلوم أنَّ للغة العربية أدواتٌ تحفظها من الخطأ واللحن وتصونها من التحريف، ومن هذه الأدوات علم النحو والإعراب، ويُمكن القول أنَّ هذا العلم يساعد المفسِّر في فهم المعنى المراد من الآية الكريمة، لذلك لا بدَّ عند تفسير آيةٍ من آيات كتاب الله، أن يتمَّ النظر إلى إعرابها،[١٥] ومن هذا الباب سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان إعراب قول الله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، وفيما يأتي بيان وشرح ذلك:[١٦]
- إن: حرف شرط جازم.
- يمسسكم: الفعل "يمسس" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره، والضمير المتصل "كم" مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
- قرحٌ: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الضاهرة على آخره.
- يمسسكم قرحٌ: جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الثمرات المستفادة من آية: إن يمسسكم قرح
ما هي الثمرات المستفادة من هذه الآية؟ إنَّ القرآن الكريم عبارة عن كتاب هداية وتشريع، أنزله الله -عزَّ وجلَّ- على رسول الكريم لهداية النَّاس وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، حيث قال تعالى في سورة إبراهيم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}،[١٧] كما أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أمر المسلمين بقراءته وحسن تدبره ولأخذ العظة والعبرة من آياته ودليل ذلك قول الله تعالى في سورة ص: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}،[١٨] وعلى ذلك فإنَّه لمن الواجب عند تفسير آية من آيات كتاب الله أن يتمَّ تدبرها واستخراج الثمرات المستفادة منها،[١٩] ومن هذا المنطلق سيتم تدبر قول الله تعالى في سورة آل عمران: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، واستخراج الثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي ذلك:
- أنَّ الدنيا تُعطى للبرِّ والفاجر، وللمسلم والكافر، وهذا دليلٌ على أنَّ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.[٥]
- أنَّ الابتلاء لا يقتضي سخط الله على المبتلى، والعطاء لا يقتضي رضاه على المُعطى.[٥]
- أنَّ نصر الله للكافرين إنَّما هو نصرٌ ظاهري، أمَّا في الحقيقة فهو غلبة واستدراجًا لهم.[٦]
- أنَّ وراء كلِّ ابتلاء للمسلم خير عظيم وحكمة بالغة.[٥]
- أنَّ الأيام دولٌ بين النَّاس، وهذا يعلِّم المسلم عدم ظلم الغير وعدم الشماتة بمن أصابته مصيبة.[٥]
- أنَّ الأخذ بالأسباب من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يراعيها، فلا ينبغي له الركون إلى إيمانه وترك العمل.[٥]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم:805، حديث صحيح.
- ↑ "سورة آل عمران"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة آل عمران، آية:140
- ^ أ ب "تفسير: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ...) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "آل عمران 140"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ^ أ ب " تفسير قوله تعالى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "غزوة أحد.. انتصار أم هزيمة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "موقعة أحد.. هل حقا هزم فيها المسلمون؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة فصلت، آية:3
- ↑ "أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى قرح في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى القوم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى نداولها في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى شهداء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "أثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ ".إعراب الآية رقم (140):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة إبراهيم، آية:1
- ↑ سورة ص، آية:29
- ↑ "الهدف من القرآن الكريم وما يجب على المسلم عند قراءته"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.