معنى آية إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون

كتابة:
معنى آية إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون

سورة يس

تعدُّ سورة يس إحدى سور القرآن الكريم المكية أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة عدا الآية 45 فهي مدنية، والسورة من السور المثاني، وقد كانت بعد سورة الجن نزولًا، تقع في الجزء الثالث والعشرين ورقم ترتيبها في المصحف الشريف 36، وعدد آياتها 83 آية، بدأت السورة مثل كثير من سور القرآن الكريم بحروف مقطعة، حيث قال تعالى في مطلعها: {يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}،[١] وغالبًا ما يتمُّ إطلاق اسم ربع يس على الربع الأخير من كتاب الله تعالى رغم أنَّ الربع الاخير يبدأ من سورة الصافات التي تأتي بعد سورة يس، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، بالإضافة إلى معاني مفرداتها وإعراب كلماتها والثمرات المستفادة منها.[٢]


معنى آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون

في بداية الحديث عن معنى آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، لا بدَّ من ذكر بعض المعلومات حول الآية الكريمة، إذ تقع هذه الآية في سورة يس، وهي الآية رقم 8 منها، حيثُ وردت في بداية السورة في سياق الحديث عن أحوال المشركين، وقد أنزل الله تعالى كتابه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لينذرهم من الضلال والجهل الذي هم فيه، ثمَّ يصوِّر الله تعالى أحوال الكثير من أولئك الكافرين فيقول تعالى في محكم الننزيل: {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}،[٣] ويشير معنى الآية سابقة الذكر أنَّ الله تعالى قد جعل سبيل أولئك الذين كُتِبَ عليهم الشقاء لبلوغ عتبات الهداية مثل سبيل من وضِعَ على عنقه غلٌّ أو قيد، فجمعَت يديه مع عنقه تحت ذقنه وارتفع رأسه وصار مقمحًا كما أشارت الآية فهم محجوبون بذلك عن الإيمان، وذكر الله الغل واكتفى بها عن ذكر اليدين، وقال مجاهد: مقمحون أي رافعوا رؤوسهم وأيديهم موضوعة على أفواهمم وهم مغلولون عن كل خير.[٤]


وفي تفسير آخر أنَّ أولئك الكفَّار قد نفذَت فيهم المشيئة والقضاء في البقاء على ما هم عليه من الكفر والشرك، وقد حقَّ عليهم ذلك بسبب إعراضهم عن الحق ولأنهم رفضوه مرارًا، فعاقبهم الله بأن طبع على قلوبهم بطابع الكفر والذل والخزي، ولذلك بيَّن الله أنَّ أحد موانع وصول الإيمان إلى قلوب أولئك الكفار هو أنَّه وضعَ في أعناقهم أغلالًا وقيودًا عظيمة، وقد جمعت أيديهم إلى أعناقهم فارتفعت رؤوسهم بسببها، وكأنَّ قلوبهم محجوبةٌ عن الإيمان أيضًا كمثل أولئك المغلولين والمقيَّدين،[٥] وذهب آخرون إلى أنَّ الله تعالى جعلَ أيمان أولئك الكفار ممن كتبَ الشقاء عليهم مغلولةً وموثقةً ومقيدةً إلى أعناقهم بالأغلال، فلا تُبسط أيديهم بشيء من الخير على الإطلاق، لأنَّ الله تعالى علم سريرتهم ونواياهم فصوَّر حالتهم تلك، وبيَّن كيف أنَّ أيمانهم تكون مجموعة إلى أعناقهم بأغلال، واكتفى بذكر الأغلال عن الأيمان لمعرفتها من سياق الكلام،[٦] وفي تفسير الألوسي أنَّ ابن عطية ذهب إلى أنَّ الأغلال تكون عريضة وتبلغ بحروفها الأذقان وترتفع الرؤوس ويحصل القمح عند ذلك، أمَّا ابن الأثير فرأى أنَّ القمح يدلُّ على ضيق الأغلال، وذهب البغوي والزجاج والطبري والطبرسي إلى أنَّ الضمير عائد على الأيدي ولم تذكر لوضوح المراد والمقصود، فالأغلال تتضمن اليد والعنق، ولذلك لا يسمى ما يكون في اليد أو في العنق لوحده غلًا، فإذا ذكر مع العنق لا بدَّ من أن تكون اليد مقصودة في ذلك، والله تعالى أعلم.[٧]


معاني المفردات في آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون

إنَّ الوقوف على معنى آية كريمة من آيات كتاب الله تعالى يستوجب كذلك الوقوف على معاني مفردات تلك الآية بالتفصيل، لأنَّ ذلك من شأنه أن يساعد في الوصول إلى المعنى المقصود بشكل أقرب إلى الدقة، وفيما يأتي معاني المفردات في آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون:

  • أعناقهم: جمع كلمة عُنق، والعنق هو الرقبة، وهي الجزء الذي يصل بين جسد الإنسان ورأسه، ويمكن لكلمة عنق أن تُذكَّر أو تؤنَّث، ومعنى العنق من كل شيء: أوَّل كل شيء، اشرأبَّت عنقه: بمعنى مدَّ عنقه، أو ارتفعت عنقه لينظر.[٨]
  • أغلالًا: جمع كلمة غُلّ، والفعل منه غلَّل وغلَّلت، والمصدر تغليل، معنى غلَّل عنقه أو يده: وضع فيها الغُلَّ وهو القيد، والغُلُّ: هو الطوق الذي يصنع من الحديد ويوضع في عنق الأسير أو السجين وفي يديه أيضًا، وجمعها أغلال، ومعنى حطَّم الأغلال: تحرَّر وخلَّص نفسه من الخضوع.[٩]
  • الأذقان: جمع لكلمة ذقن، والذقن اسم يدلُّ على مكان اجتماع اللحيين من الأسفل أي أسفل الوجه وأعلى العنق، ضحكَ على ذقنه: خدعه، ومعنى ضحك في ذقن فلان: استهزأ به أمامه، ومعنى غرق في العمل حتى ذقنه: أي انهمك في العمل واستغرق فيه كثيرًا.[١٠]
  • مقمحون: وهي جمع لكلمة مُقمَح، والفعل قَمَح ويقمَح قموحًا، ومعنى قمَح الماء: أي رفعَ رأسه عنه كرامةً أو ارتواءً وريًّا، قمِحَ الحبَّ بمعنى رفعَ رأسه من أجل سفِّه، قمِحَ الشراب: امتنع وصدَّ عنه كراهيةً أو ريًّا، ومنه مقمحون أي رافعي رؤسهم من الأغلال التي في أعناقهم وأيديهم.[١١]


إعراب آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون

تتضمَّن علومُ القرآن الكثير من الفروع يشكِّل إعراب القرآن الكريم واحدًا منها، إذ يساهم في معرفة موقع ووظيفة كل كلمة وبالتالي إيضاح المعنى المُراد أن تحمله الكلمة، لذلك اهتمَّ العلماء بدراسة إعراب القرآن كثيرًا، إعراب آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون:[١٢]

  • إنا: حرف مشبَّه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، ونا: ضمير متَّصل في محل نصب اسم إنَّ، جملة "إنا جعلنا" استئناف بياني لا محل لها من الإعراب.
  • جعلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير نا، ونا: ضمير متصل في محل رفع فاعل، جملة "جعلنا" فعلية في محل رفع خبر إن.
  • في: حرف جر.
  • أعناقهم: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة والميم للجمع.
  • أغلالًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • فهي: الفاء زائدة، هي: ضمير في محل رفع مبتدأ، جملة "هي إلى الأذقان" لا محل لها من الإعراب استئناف بياني.
  • إلى: حرف جر.
  • الأذقان: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلقان بخبر هي المحذوف.
  • فهم: الفاء حرف عطف، هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.
  • مقمحون: خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو، وجملة "هم مقمحون" معطوفة لا محل لها من الإعراب.


الثمرات المستفادة من آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون

في نهاية الحديث عن معنى آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، لا بدَّ من الإشارة إلى الثمرات التي يستخلصها المسلم من الآية، ففي كلِّ آية من آيات كتاب الله تعالى ثمرات كثيرة، قد تكون عظات أو حِكم أو أحكام وتعاليم، ولا يجب على المسلم أن يغفلَ عنها فقد أنزل الله القرآن الكريم هدايةً للناس وليخرجهم من الظلمات إلى النور، وهذه الثمرات هي من النور الذي أنزله الله، وفيما يأتي الثمرات المستفادة من آية: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون:[١٣]
  • عنادُ الكفَّار وجحودهم بالله تعالى من الأمور التي يختمُ الله تعالى بسببها على قلوب أولئك المجرمين، ويشيرُ الله إلى ذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.[١٤]
  • ضلالُ الكفار والمشركين أشبه بأغلال يفرضونها على أنفسهم فتحجبهم عن الحق والخير، ولا يستطيعون بسببها الوصول إلى مرافئ الهداية والإيمان.
  • حريةُ الإنسان لا تكتمل إلا بإيمانه بالله تعالى والتصديق بآياته، فمنتهى الحرية هي العبودية الخالصة لله تعالى، لذلك شبَّه الله تعالى كفر الإنسان وضلاله بقيود تجمع يديه إلى عنقه كأنها أغلال العبودية والذل والهوان.

المراجع

  1. سورة يس، آية:1-4
  2. "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
  3. سورة يس، آية:5-9
  4. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
  5. "مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
  6. "القول في تأويل قوله تعالى " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
  7. "تفسير الألوسي"، islamweb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى عنق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى أغلال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى أذقان في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى مقمحون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
  12. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
  13. "إِنَّا جَعَلْنَا فِىٓ أَعْنَٰقِهِمْ أَغْلَٰلً"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
  14. سورة البقرة، آية:6-7
2183 مشاهدة
للأعلى للسفل
×