محتويات
سورة الصافات
سورة الصافات من السور المكيّة في القرآن الكريم، سمّيت باسم الصافات نسبة للآية التي تبدأ بها السورة والتي يقول فيها الله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}،[١] وهو وصف للملائكة الكرام عليهم السلام، ولم يثبت -فيما ورد من كلام العلماء- أنّه قد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- اسم لها، وترتيبها من حيث النزول السادسة والخمسون وقد نزلت بعد سورة الأنعام وقبل سورة لقمان، وعدد آياتها 182 عند الجمهور، وعند أهل البصرة 181 آية،[٢] وهي من السور المثاني في القرآن الكريم وترتيبها في المصحف السابعة والثلاثون تقع بين سورة يس وسورة ص، والصافات هي جموع الملائكة التي تعبد الله وهي في صفوف، وفي سورة الصافات يقول -تعالى- في آية كريمة: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}،[٣] وهذا المقال سيقف مع هذه الآية شرحًا وتفسيرًا وإعرابًا، وكذلك سيقف المقال مع أهمّ الثمرات التي يمكن استفادتها من هذه الآية الكريمة.[٤]
معنى آية: إنا خلقناهم من طين لازب، بالشرح التفصيلي
بعد الوقوف مع نبذة عن سورة الصافات فإنّ هذه الفقرة تقف مع تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}،[٥] وهذه الآية فيها خطاب لأهل مكة المكرّمة من المشركين المنكرين للبعث والحياة بعد الموت، فهنا يحاججهم الله -سبحانه وتعالى- بالعقل والدليل الدامغ الذي يقيم عليهم الحجّة، فيقول تعالى مخاطبًا نبيّه عليه الصلاة والسلام: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا}، فهو يقول له اسأل واستفتِ أولئك المنكرين للبعث والحساب في الآخرة هل خلقُهم وإماتتهم ثمّ إحياؤهم مرة أخرى بعد الموت هو أشد وأصعب أم ما خلقه الله تعالى؛ كخلق السماوات والأرض والجبال والبحار والملائكة والجن، وقال بعض المفسّرين ربّما كان القصد الأمم السابقة التي سبقت هذه الأمّة بأزمان بعيدة إذ كان خلقهم أشدّ وأعظم من أولئك الذين يكفرون بالله ويكفرون بالحياة بعد الموت.[٦]
ويرى بعض المفسّرين أنّ هذه الآية تشبه قوله تعالى في سورة غافر: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}،[٧] وكذلك قوله تعالى في سورة النازعات: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}،[٨] فهذه الآيات تدلّ بصريح العبارة على أنّ خلق الإنسان هو أهون من خلق تلك المخلوقات التي قد أوجدها الله -تعالى- بقدرته العظيمة التي لا يحدّها حد، ثمّ يوضّح الله -تعالى- أصل خلق الإنسان فيقول: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}، فالإنسان إذًا مخلوق ضعيف قد خلق من ماء وتراب، وهو الطين، وقيل طين لازب يعني لاصق؛ أي: إنّه يلتصق باليد، وهذا القول لترجمان القرآن الإمام ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه أكثر المفسّرين، ومنه قول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه:[٦]
تَعَلَّم فَإِنَّ اللَهَ زادَكَ بَسطَةً وَأَخلاقُ خَيرٍ كُلَّها لَكَ لازِبُ
وربّما قالت العرب لازم وهي تريد لازب، فالميم لغة عن العرب، ومن ذلك قول الشاعر النجاشي الحارثي:[٦]
بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّتْ عِمَادُهُ عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لَازِمِ
وكذلك سُمِعَ عن العرب أنّهم قالوا لاتب، وهي لغة في لازب، وقد ذكر صاحب لسان العرب ابن منظور الإفريقي أنّ قيس كانوا يقولون لاتب، وقال بعضهم إنّ الطين اللازب هو القوي الشديد، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الحجر: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}،[٩] وقال بعضهم المقصود باللازب هو الطين الخالص، وقال بعضهم هو المنتن، فالله أعلم.[٦]
معاني المفردات في آية: إنا خلقناهم من طين لازب
بعد الوقوف مع شيء من تفسير قوله تعالى في سورة الصافات: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}،[١٠] فبعض المفردات قد تحتاج إلى تبيين معناها من كتب المعاجم وكتب اللغة، وذلك يكون فيما يأتي:
- استفتهم: الاستفتاء هو السؤال، وفي الآية معناه السؤال التقريري، وهو كذلك سؤال أهل العلم من العلماء والمفتين، ومن ذلك الحديث الذي يرويه الإمام النووي والذي يقول فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم: "والإثمُ ما حاك في النَّفسِ وتردَّدَ في الصَّدرِ، وإن أفْتاك الناسُ وأَفْتَوْك"،[١١] والله أعلم.[١٢]
- خلقًا: والخلق هو إيجاد الشيء على غير مثال سابق، وهو كذلك التقدير، وقد قال بعض العلماء إنّ قوله تعالى في سورة المؤمنون: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}،[١٣] يعني المقدّرين، وكذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}،[١٤] يعني تقدّرون كذبًا، والله أعلم.[١٥]
- لازب: اللازب هي صفة للطين، ومعناه الطين الصلب اللاصق، وقال الفرّاء إنّ العرب تقول لازم ولاتب ولاصق، وكلّها بمعنًى واحد.[١٦]
إعراب آية: إنا خلقناهم من طين لازب
قبل الختام تقف هذه الفقرة مع إعراب الآية الكريمة من قوله تعالى في سورة الصافات: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}،[١٧]، وذلك فيما يأتي:
- فاستفتهم: الفاء استئنافيّة، واستفتِهم فعل أمر مبني على حذف حرف العلّة من آخره، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والميم للجمع، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت.[١٨]
- أهم: الهمزة حرف استفهام، وهم ضمير رفع منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.[١٨]
- أشدُّ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.[١٨]
- خلقًا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.[١٨]
- أم: حرف عطف.[١٨]
- مَن: اسم موصول معطوف على "هم" فهو مثله في محل رفع.[١٨]
- خلقنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، ونا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[١٨]
- إنّا: إنّ حرف مشبّه بالفعل، ونا ضمير متصل مبني في محل نصب اسمها.[١٨]
- خلقناهم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، ونا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والميم للجمع.[١٨]
- من طينٍ: من حرف جر، وطين اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "خلقناهم".[١٨]
- لازب: صفة لطين مجرورة مثلها وعلامة جرّها الكسرة الظاهرة.[١٨]
- جملة {اسْتَفْتِهِمْ}: جملة استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٩]
- جملة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا}: جملة استئناف بياني لا محلّ لها من الإعراب،[١٩] وقال بعضهم بل هي في محل نصب مفعول به ثانٍ للفعل استفتهم المُعلَّق عن العمل بسبب الاستفهام.[٢٠]
- جملة {خَلَقْنَا}: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[١٩]
- جملة {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}: جملة اسميّة تعليليّة لا محلّ لها من الإعراب،[١٩] وقيل استئنافيّة وكذلك لا محلّ لها من الإعراب.[٢٠]
- جملة {خَلَقْنَاهُم}: جملة فعليّة في محل رفع خبر إنّ.[١٩]
الثمرات المستفادة من آية: إنا خلقناهم من طين لازب
ختامًا تتوقّف هذه الفقرة مع ما يمكن إفادته من ثمرات مستفادة من قوله تعالى في سورة الصافات: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}،[٢١] فالذي يقرأ القرآن بتدبّر لن يعدم الإفادة بما يفتحه الله -تعالى- عليه من ومضات ربّما لم يقف عليها غيره، ومن تلك الثمرات التي يمكن إفادتها من هذه الآية الكريمة:[٦]
- ظهور عظمة خلق الله وبديع صنعه عندما ذكّر الله -تعالى- مشركي مكّة بعظيم خلقه من السماوات والأرض والجبال والبحار والأنهار والمحيطات والملائكة والجن والأقوام البائدة من العمالقة وغيرهم، وكأنّه يسألهم بتقرير وهو يعلم إجابتهم.
- وجوب حيازة قدر كبير من العلم بالإسلام والشريعة ومضامينها عند من يتولى حوار الكافرين؛ فإنّ الله -تعالى- حين حاورهم لإثبات أمر البعث والنشور فإنّه قد حاورهم من جهة المنطق والعلم لا من مكان آخر، فأقام عليهم الحجّة حين ألجمهم عن الإجابة، وبذلك قد أجمل الأسئلة كلّها بسؤال واحد ليكون الحوار بعيدًا عن الإطالة ويناقش المادة المُراد إثباتها دونما مواربة أو تورية حاشاه تعالى، وكذلك ينبغي أن يكون حوار المنكرين لئلّا يُفسَح لهم المجال لتسميم أفكار المحيطين بهم من الجاهلين وغيرهم.
- بيان حقيقة خلق الإنسان وأنّ خلق الأكوان هو أعظم من خلق الإنسان، وأنّه قد خلق ضعيفًا فلا ينبغي له أن يتكبّر على الذي خلقه من ماء وتراب ثمّ نفخ فيه الروح ليكون عبدًا له لا ليكفر به وبأنبيائه وبما افترض على عباده الإيمان بها.
المراجع
- ↑ سورة الصافات، آية:1
- ↑ "التحرير والتنوير - سورة الصافات"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:11
- ↑ "سورة الصافات"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:11
- ^ أ ب ت ث ج "تفاسير الآية 11 من سورة الصافات"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ↑ سورة غافر، آية:56-57
- ↑ سورة النازعات، آية:27-29
- ↑ سورة الحجر، آية:26
- ↑ سورة الصافات، آية:11
- ↑ رواه النووي، في الأذكار، عن وابصة بن معبد الأسدي، الصفحة أو الرقم:504، حديث حسن.
- ↑ "تعريف و معنى فتي في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:14
- ↑ سورة العنكبوت، آية:17
- ↑ "تعريف و معنى خلق في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى لازب في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:11
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز "فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ۚ إِنَّا خَلَقْنَٰهُم مِّن طِينٍۢ لَّازِبٍ (الصافات - 11)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد علي طه الدرة (2009)، تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه (الطبعة 1)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 12، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:11