معنى آية إنما النسيء زيادة في الكفر، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية إنما النسيء زيادة في الكفر، بالشرح التفصيلي

سورة التوبة

سورة التّوبة أو براءة من سور القرآن الكريم المدنية ما عدا الآيتين 128-129 فهما مكيّتان، وتعدّ سورة التّوبة السّورة الوحيدة من سور القرآن المئين المدنيّة، وهي السّورة الوحيدة من بين سور القرآن الكريم التي لم تبدأ بالبسملة كباقي سور القرآن، عدد آياتها مئة وتسع وعشرون آية، نزلت بعد سورة "المائدة"، السّنة التّاسعة للهجرة بعد غزوة تبوك، ترتيبها في المصحف العثماني الشّريف السّورة التّاسعة، وهي تبدأ في الجزء العاشر إلى الجزء الحادي عشر، ولها أسماء عدّة، ذكرها ابن عاشور في تفسيره،[١] وهي: التّوبة، براءة، الفاضحة، العذاب، المقشقشة، المنقرة، البحوث، المثيرة، المبعثرة، الحافرة، المخزية، المدمدمة، المشددة. بدأت السّورة بالبراءة من المشركين، حيث قال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}،[٢] وسُمّيت السّورة بسورة التوبة؛ لتوبة الله على الرّجال الثّلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك؛ وهم "كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية"، وفيما يأتي معنى آية: إنما النسيء زيادة في الكفر، بالشرح التفصيلي.[٣]

معنى آية: إنما النسيء زيادة في الكفر، بالشرح التفصيلي

لفهم قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ الله زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}،[٤] لا بدّ من العودة إلى كتب التّفسير المعتمدة للوقوف على ما جاء فيها من تأويل وتفسير وشرح وتبصرة بقول الله تعالى، وهي كالآتي:

جاء في تفسير الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ}، أي: تأخير حرمةِ شهرٍ حرَّمه الله إلى شهرٍ آخر لم يحرِّمه وذلك أنَّ العرب في الجاهليَّة كانت تستحلُّ شهر محرّم وهو من الأشهر الحرم وتحرِّم بدلًا منه شهر صفر وهو من الأشهر غير المحرّمة، فأخبر الله تعالى بأنَّ ذلك الفعل كلَّه: {زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}، لأنّهم أحلّوا ما حرَّم الله وحرَّموا ما أحلَّ الله {يُضَلُّ بِهِ}، بسبب تأخير شهر محرم، وتقديم صفر عليه: {الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}، هؤلاء الكفّار إذا قاتلوا في الشهر الحرام أحلُّوه، وحرَّموا مكانه صفر، وإذا لم لم يصادفوا فيه  قتال حافظوا على حرمته: {لِيُوَاطِئُوا}، أي: ليوافقوا: {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ}، أي: أنّهم إذا حرّموا شهرًا أحلّوا مكانه شهرًا وإذا أحلّوا شهرًا حرّموا مكانه شهرًا للمحافظة على عدد الأشهر الحرم الأربعة، فلا تزيد ولا تنقص، {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ}، أي: زيَّن لهم الشَّيطان أعمالهم الخبيثة فظنّوها بأنّها طيبة.[٥]

وجاء في تفسير الطّبري، في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}، أي: إنّ تأخير أهل الشّرك بالله لأحد الأشهر الحرم الأربعة، وجعله حلالًا، وجعل الحلال منهن حرامًا, إنّما هذا الفعل زيادة في كفرهم وعصيانهم وجحودهم لأحكامَ الله وآياته، قول: {يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفُرُوا}، أي: يضل بالنّسيء الذي ابتدعه وسنّه الذين كفروا الناسَ، أو الذين ابتدعوا النّسيء يضلون به الذين كفروا، قوله: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ}، أي: ليوافق ما حلَّلوا من الشّهور، وما حرموا منها, عدّة ما حرّم الله، أيّ: تبقى عدّة الأشهر الحرم أربعة، لا تزيد ولا تنقص، ولو استبدل محرّم بصفر، قوله: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ}، أي: حَسّنت شياطين الإنس والجنّ لهم وحَبّب إليهم سيئ أعمالهم وقبيحها، وما خالفوا به أمر الله وطاعته، قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، أي: والله تعالى لا يوفّق لطريق الفلاح القومَ الكفرة والجاحدين.[٦]

معاني المفردات في آية: إنما النسيء زيادة في الكفر

إنّ شرح مفردات أيّ نصٍّ من النّصوص يزيده وضوحًا، ويكشف الغموض المخيّم عليه، ولذلك إضافة للتّفسير الشّامل الذي سبق للآية الكريمة، والتي هي محور المقال، سيتمّ انتقاء بعض مفرداتها التي تحتاج إلى شرح وتوضيح لبيان معانيها، وهي:

  • النّسيء: نسأ: فعل، نُسِئَتِ المرأَةُ تُنْسَأُ نَسْأً: تأَخَّر حَيْضُها عن وقتِه، وبَدَأَ حَمْلُها، فهي نَسْءٌ ونَسِيءٌ، والجمع أَنْسَاءٌ ونُسُوءٌ،  يقال للمرأَة أَوَّلَ ما تَحْمِل: قد نُسِئَتْ، ونَسَأَ الشّيءَ يَنْسَؤُه نَسْأً وأَنْسَأَه: أَخَّره، والاسم النَّسِيئةُ والنَّسِيءُ.[٧]
  • يحلونه: حَلال: اسم، مصدر حَلَّ، يَحِلُّ هَذَا حَلاَلٌ: مَا أحَلَّهُ اللَّهُ، مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ ، جائِزٌ، مَسْمُوحٌ بِهِ، يحلونه: يجوّزونه، يبيحونه.[٨]
  • يُواطِؤُوا: واطأَ: فعل، واطأَ في يواطئ، مُواطأةً ووِطاءً، فهو مُواطِئ، واسم المفعول مُواطَأ، واطأ عدوًّا: اتَّفق معه سِرًّا، واطأ فلانًا على كذا: وافقه عليه، يواطؤوا: يوافقوا.[٩]
  • عدّة: اسم، الجمع : عِدَد العِدَّةُ: مقدار ما يُعَدُّ ومَبلَغُهُ عِدَّة مرَّات: مرارًا.[١٠]

إعراب آية: إنما النسيء زيادة في الكفر

بعد تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ ...}، وشرح بعض مفرداتها، سيتمّ إعرابها مفردات[١١] وجملًا، زيادة في الفائدة والإيضاح، لأنّ الإعراب يزيد المعنى وضوحًا، وهو كالآتي:[١٢]

إعراب المفردات

  • إنّما: مكفوفة وكافّة.
  • النّسيءُ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • زيادةٌ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • في الكفرِ: في: حرف جرّ، الكفر: اسم مجرور بفي وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ "زيادة".
  • يضلُّ: فعل مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • به: الباء: حرف جرّ، الهاء: ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بـ "الباء"، متعلّقان بـ "يضلّ".
  • الذين: اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نائب الفاعل.
  • كَفَرُوا: فعل ماض مبنيّ على الضّمّ، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع فاعلًا.
  • يُحِلُّونَهُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النّون، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محل نصبٍ مفعولًا به.
  • عاماً: ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّقان بـ "يحلّونه".
  • وَيُحَرِّمُونَهُ: الواو حرف عطف، يحرمون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النّون، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محل نصبٍ مفعولًا به.
  • عاماً: ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّقان بـ "يُحَرِّمُونَ".
  • لِيُواطِؤُا: اللّام تعليليّة، يُواطِؤُا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، وعلامة نصبه حذف النون والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا.
  • عدّةَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ما: اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضافُا إليه.
  • حرّمَ: فعل ماض مبنيّ على الفتح.
  • الله: لفظ الجلالة، فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • فَيُحِلُّوا: الفاء: عاطفة، يحلّوا: فعل مضارع منصوب بالعطف على "يواطئوا"، وعلامة نصبه حذف النّون.
  • ما: اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعولًا به.
  • حرّمَ: فعل ماض مبنيّ على الفتح.
  • الله: لفظ الجلالة، فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • زُيِّنَ: فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الفتح.
  • لَهُمْ: اللّام: حرف جرّ، هم: ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بـ "اللّام"، متعلّقان بـ "زيّن".
  • سُوءُ: نائب الفاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • أَعْمالِهِمْ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة، هم: ضمير متّصل في محلّ جرّ مضافًا إليه.
  • والمصدر المؤوّل "أن يواطئوا" في محلّ جرّ باللام متعلّقان بـ "يحرّمون".
  • وَالله: الواو: استئنافيّة، الله: لفظ الجلالة، مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • لا يَهْدِي: لا: نافية، يهدي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة على الياء.
  • القومَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • الكافرين: نعت القوم منصوب وعلامة نصبه الياء.

إعراب الجمل

  • {إنّما النسيء زيادة...}: استئنافيّة لا محلّ لها.
  • {يضلّ به الذين}: في محلّ رفع خبر ثانٍ للنسيء.
  • {كفروا}: صلة الموصول لا محلّ لها.
  • {يحلّونه...}: في محلّ نصب حال من الموصول "الذين".
  • {يحرّمونه...}: في محلّ نصب معطوفة على جملة يحلّونه.
  • {يواطئوا...}: صلة الموصول لا محلّ لها.
  • {حرّم الله}: صلة الموصول لا محلّ لها.
  • {يحلّوا...}: معطوفة على جملة يواطئوا لا محلّ لها.
  • {حرّم الله}: صلة الموصول لا محلّ لها.
  • {زيّن لهم سوء...}: استئنافيّة لا محلّ لها.
  • {اللّه لا يهدي القوم}: استئنافيّة لا محلّ لها.
  • {لا يهدي...}: في محلّ رفع خبر المبتدأ "الله".

الثمرات المستفادة من آية: إنما النسيء زيادة في الكفر

وبعد الوصول إلى نهاية المطاف لا بدّ من الوقوف على الثّمرات المستفادة من قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا..}، لتزيد المقال إغناء وفائدة، ومن هذه الثّمرات ما يأتي:[١٣]

  • حيلة بعض النّاس لفعل محرّم أو الهروب من واجب؛ إنّما هو لعب بالدّين، كلعب المشركين بتأخيرهم للأشهر الحرم ليقعوا في الحرام.
  • حسن عمل كلّ إنسان أو سوء عمله، يحدّده الشّرع ويعرف من جهته، لا من وجهة نظر الشّخص الذي قام بالعمل؛ فإنّ الشّيطان يزيّن الأعمال السّيئة للعباد.
  • الحذر من هوى النّفس، وممّا تميل إليه مع مغريات الحياة، ومحاولة زجرها وكفّها عن ذلك والتّأقلم مع الواقع المعيشي دون الوقوع فيما حرّم الله.

المراجع

  1. "مقاصد سورة التوبة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية:1
  3. "سورة التوبة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية:37
  5. "تفسير: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  6. "تفسير الطبري: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى النّسيء في قاموس المعجم الوسيط "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى يحلونه في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى واطأ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى عدة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  11. ".إعراب الآية رقم (37):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  12. "إعراب القرآن : إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ ..."، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
  13. "سورةُ التَّوبةِ"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
3060 مشاهدة
للأعلى للسفل
×