معنى آية الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

كتابة:
معنى آية الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

سورة يس

نزلت سورة يس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد سورة الجنِّ قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة لذلك فهي تعدُّ من السور المكية في كتاب الله ما عدا الآية رقم 45 منها فهي مدنية، وهي من سور القرآن الكريم المثاني،[١] عدد آياتها 83 آية، تقع سورة يس في الجزء الثالث والعشرين من المصحف الشريف ورقمها حسب الترتيب فيه 36،[٢] وفي الغالب يسمَّى الربع الأخير من القرآن بربع يس رغمَ أنَّه يبدأ عند الآية رقم 145 من سورة الصافات التي تلي سورة يس في الترتيب،[١] وتتناول السورة المواضيع التي تميَّزت بها السور المكية، وهي مواضيع الربوبية والألوهية وجزاء من يكذب بهما، وتركَّز السورة على مسألة البعث والنشور بشكل خاص، ولم يرد في فضل السورة أحاديث صحيحة تخصُّها لوحدها بالفضل، وإنَّ كل ما ورد عبارة عن أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وهذا المقال سيتحدث عن معنى آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون.[٣]

معنى آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

في بداية الحديث عن معنى آية: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}، لا بدَّ من الإشارة إلى بعض التفاصيل المتعلقة بالآية الكريمة، إذ تقع هذه الآية في سورة يس وهي الآية رقم 80 منها، حيثُ وردت الآية في سياق الآيات التي يتحدَّث فيها تعالى عن آياته في هذا الكون، ويذكِّر الإنسان بمعجزة الخلق وإعادة إحياء العظام بعد أن تبلى، حيث يقول تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ* وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ* أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}،[٤] وفي معنى الآية آنفة الذكر وردَ في تفسير ابن كثير أنَّ الله الذي خلق الشجر أوَّل مرةٍ من ماءٍ ثمَّ أنبته حتَّى صار نضرًا أخضرًا ذا ينع وثمر، وبعد ذلك أعاده شيئًا آخرًا وجعله حطبًا يابسًا توقدُ منه النار، فهو يفعل ما يشاء تعالى وقادر على أن يفعل ما يريد ولا يمكن أن يمنعه أي شيء عن ذلك، وعن قتادة أنَّه قال: إنَّ الذي أخرج من هذا الشجر نارًا قادرٌ دون شكٍّ على أن يبعثه،[٥] ووردَ أنَّ المراد بذلك هو شجر المرخ والعفار، فقد كانت هذه الأشجار تنبت في أرض الحجاز ويقوم العرب بإشعال النار منها عن طريق ضرب عودين من كل نوع فينتج عن ذلك القدح شرارة من نار، وتلك الشجرتان كانتا وسيلة لإشعال النار في الجزيرة العربية، فأشار الله تعالى إلى أهمية المرخ والعفار والمعجزة التي غفل عنها كثير من الناس.[٦]

وفي تفسير القرطبي أنَّ الآية ذكَّرت الإنسان بوحدانية الله تعالى ودلَّت على كمال قدرته في إحياء الرميم من خلال إخراج النار من العود الأخضر الرطب، فقد عاب أهل الكفر والشرك أنَّ النطفة رطبة وفيها حياة فخرجت منها الحياة، والعظم يابس بارد ميت فكيف ستخرج منه الحياة؟ فأنزل الله آياته المعجزة، فالله قادر على إخراج الضد من الضد وهو قادر على كل شيء، وذهب كثيرون إلى أنَّ المقصود كما سبقَ المرخ والعفار، وهما شجرتان كانت العرب تشعل النار من خلال احتكاك غصنين من كل نوع فتنتج شرارة من نار،[٧] وذهب آخرون إلى أنَّ المراد من الشجر الأخضر هو الشجر الرطب النديُّ، مثل شجرتي المرخ والعفار، وهما شجرتان خضراوان يضربان ببعضهما فينتجان شرارة توقَد منها النار بإذن الله تعالى، وقد وردَ مثل ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وقد قيل في المثل: لكل شجرٍ نار واستمجد المرخ والعفار، أي لكل شجر نصيب في إشعال النار لكنَّ المرخ والعفار لهما الحظ الأكبر من النار، وفي الآية يخاطب الله المنكرين والمكذبين بالبعث والنشور، ويؤكدُ أنَّه وحده القادر على إحياء الأجساد البالية والعظام المفتتة كما خلقها أول مرة ولم تكن شيئًا، وأنَّه أيضًا بقدرته ورحمته وفضله جعل من الأشجار الرطبة والخضراء نارًا توقد من خلال أغصانها، وفي هذا نعمة كبيرة من الله حتى ينتفع الناس بها في حياتهم الدنيا بالإضافة إلى كونها معجزة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والله تعالى أعلم.[٨]

معاني المفردات في آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

تتناول علوم القرآن الكثير من الجوانب التي تحيط بالآيات وتساعد في فهم كتاب الله تعالى وتفسير آياته الكريمة، ومن أهم تلك الجوانب التي يعنى بها العلماء من أهل اللغة والتفسير هي معاني المفردات لأنَّها تبسطُ المعنى أمام القارئ وتزيد من وضوح الآية، وخصوصًا عند وجود بعض المفردات التي قد تكون غامضة وغير مفهومة عند البعض، وفيما يأتي معاني المفردات في آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون:

  • جعل: جعل ويجعلُ جعلًا، وهو جاعل والمفعول مجعول، وجعل الله شيء بمعنى خلقه وسوَّاه وأنشأه، ومعنى جعله: صنعه وصيَّره وفعله، جعله يدفع كذا: أجبره على أن يدفع كذا وهنا تأتي بمعنى الانتقام والمعاملة بقسوة، وجعله: صيَّره، وجعل الدفتر على المنضدة: وضعه عليها.[٩]
  • الشجر: الواحدة منه الشجرة، ويمكن أن يجمع على شجَر وشجرات وأشجار، ويسمى ما اجتمع وكثر منه في منبته: شجراء، والشجر هو كل ما قام على ساق أو جذع من النباتات، وقيل: الشجر كلُّ ما قاوم الشتاء، أو كلُّ ما سما بنفسه وعلا.[١٠]
  • الأخضر: الأخضر هو أحد الألوان التي يتميَّز بها النبات على وجه الخصوص، ويمكن أن ينتج من مزج اللونين الأزرق والأصفر، والأخضر ما كان فيه لون الخضرة، والأخضر بمعنى رطب، الشجر الأخضر الذي لم يجف بعد.[١١]
  • نارًا: الجمع منها نيران وأنوُر، والنار هو أحد العناصر الموجودة في الطبيعة والتي لها تأثير وفعالية كبيرة جدًّا، ويمثله النور والحرارة المحرقة، ويطلق اسم النار على اللهب الذي يراه الإنسان، كما يطلق على الحرارة التي تحرقُ، وتستخدم مجازًا بكثرة مثل: استضاء بناره: أخذ رأيه واستشاره.[١٢]
  • توقدون: من أوقد يوقدُ إيقادًا، الفاعل موقِد والمفعول موقَد، أوقدَ النار: أشعل النار، يوقِد نار الحماس: يلهب نار الحماس، أوقدَ فلان النار: أشعلها وأهاجها، ومنه أوقد الناس نارَ الحرب: أشعلوا الحرب، أوقَد الله نارًا إثره: دعاء بمعنى لا رده الله ولا أرجعه.[١٣]

الإعجاز العلمي في آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

لقد جعل الله تعالى القرآن الكريم معجزةً لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى كثير من المعجزات الأخرى التي أيَّده بها، لكن ما يميَّز كتاب الله أنَّه معجزةٌ خالدة أبد الدهر بل كلمَّا تقدَّم الزمن أكثر ظهرت المزيد من الآيات والمعجزات التي ينطوي عليها، وكلما توصَّل العلم الحديث إلى مزيد من الكشوفات العلمية وجدَ العلماء كثير منها في كتاب الله، فقد عرف العلماء في العصر الحديث أنَّ النبات يقوم بدور كبير في تثبيت أكثر من 400 مليار طن من الكربون الذي يستخلصه من غاز ثاني أوكسيد الكربون في أجساد النبات سنويًا، وساعدت تلك العملية على تشكُّل بلايين من أطنان الفحم الحجري عبر التاريخ، لذلك تعدُّ النباتات من مصادر الطاقة الحيوية للإنسان والحيوان، كما تتكون من فضلاتها جميع أنواع المحروقات بعد أن تدفن وتتحلل بعيدًا عن الهواء،[١٤] كما أنَّ النبات الأخضر أو الشجر الأخضر كما وردَ في الآية الكريمة، يقوم يتحويل الطاقة الضوئية الآتية من الشمس إلى طاقة كيميائية يخزنها في الأوراق والجذوع والثمار، والتي تقوم بعد إشعالها بتحرير الطاقة الكامنة فيها على شكل نار يمكن للإنسان أن يستعملها ويستفيد منها في مختلف شؤون حياته سواءً في الأمور المنزلية والصناعية، ومن أجل ذلك ضرب الله بذلك مثالًا ماديًّا ملموسًا ومحسوسًا لبيان علمه وقدرته غير المحدودة على خلق الإنسان من العدم ثمَّ إعادة خلقه مرةً أخرى، وفي ذلك يكمن الإعجاز العلمي في آية: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}، والله أعلم.[١٥]

إعراب آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

يساعد إعراب المفردات في آيات كتاب الله على تحديد المعنى المُراد أن تحمله الكلمة، فمن خلال الإعراب يمكن معرفة موقع كل كلمة ووظيفتها وحركة إعرابها، وبالتالي المعنى الصحيح لها، وهو أحد فروع علوم القرآن التي أولاها العلماء اهتمامًا واسعًا، بالإضافة إلى أسباب النزول وغير ذلك، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج إعراب آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون:[١٦]

  • الذي: اسم موصول بدل من الموصول الأول الذي ورد في الآية السابقة فاعل يحييها.
  • جعل: فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وجملة "جعل" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • لكم: اللام حرف جر، الكاف ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والميم للجمع.
  • من: حرف جر.
  • الشجر: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
  • الأخضر: نعت للشجر مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
  • نارًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • فإذا: الفاء حرف عطف، إذا: فجائية.
  • أنتم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.
  • منه: من حرف حر، والهاء ضمير متصل في محر جر بحرف جر، وهما متعلقان بالفعل توقدون.
  • توقدون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الواو، وجملة "منه توقدون" في محل رفع خبر أنتم.

الثمرات المستفادة من آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون

في نهاية المطاف لا بدَّ من المرور على الثمرات المستفادة من آية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون، ففي كل من آيات القرآن الكريم العديد من الثمرات التي أنزلها الله إمَّا تعاليم وأحكام تنظِّم حياة المسلم، أو على شكل عظات وعِبَر تدخلُ قلب المسلم وتحركُ فيه الخوف من الله وتزيد من ثقته بربه وإيمانه به، فيجب على المسلم أن لا يغفل عن تلك الثمرات العظيمة، وأن يتمثَّلها في حياته وجميع أحواله ليكون من الفائزين في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي الثمرات المستفادة من آية: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}:

  • قدرة الله تعالى لا حدود لها وعلمه مطلق بالكلية، وفي آياته الكثيرة والعظيمة في هذا الكون أدلة دامغة على وحدانيته وقدرته تعالى، حيثُ يقول تعالى في ذلك: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.[١٧]
  • فضل الله تعالى لا يقتصر على خلق الإنسان بل يشمل ذلك ما أعطاه من نعم جليلة وما سخَّر له من مخلوقات حتى يستفيد منها ويستغلَّها لصالحه وذلك من رحمته تعالى.
  • إعجاز القرآن العلمي في تجدُّد مستمر، وكلَّما توصَّل العلم إلى اكتشافات جديدة ظهرَت معجزات جديدة في كتاب الله، ويشير تعالى إلى ذلك في قوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.[١٨]

المراجع

  1. ^ أ ب "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
  2. "سورة يس"، holyquran.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  3. "فضل سورة ( يس )"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  4. سورة يس، آية:77-81
  5. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  6. "اليخضور أساس الطاقة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  7. "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  8. "ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلْأَخْضَرِ نَارًا"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى جعل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى شجر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى أخضر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى نار في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى أوقد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  14. "وجه الإعجاز في قوله تعالى (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً..)"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  15. "مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً معجزة قرآنية"، quran-m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  16. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-21. بتصرّف.
  17. سورة الذاريات، آية:20-21
  18. سورة فصلت، آية:53
4974 مشاهدة
للأعلى للسفل
×