محتويات
سورة الأعراف
الأعراف سور عالٍ بين الجنّة والنّار، عليه أناس استوت حسناتهم وسيئاتهم، فينظرون إلى أهل الجنّة وهم في شغف إليها، وإلى أهل النّار وهم في خوف منها، ثمّ يدخلهم الله الجنّة بكرمه ورحمته بعباده،[١] وسورة الأعراف هي سورة مكيّة ما عدا الآيات من "163- 170" فهي مدنية، وسمّيت بسورة الأعراف لحديثها عن الأعراف، وهي من السّبع الطّوال، عدد آياتها مئتان وستّ آيات، نزلت بعد سورة "ص"، وترتيبها في المصحف العثماني الشّريف السّابعة، وفي الجزأين الثّامن والتّاسع، في السّورة أول سجدة في القرآن وهي في الآية 206، تبدأ السورة بحروف مقطعة، حيث قال تعالى: {المص* كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ...}،[٢] أوهي وّل سورة تحدّثت عن قصص الأنبياء بشكل موسع، منذ آدم وإلى نهاية الخلق، وكما أنّها تجسّد الصّراع بين الحقّ والباطل، وكيف بالباطل ينشر الفساد في الأرض، وفيما يأتي الحديث عن معنى آية: حتى يلج الجمل في سم الخياط، بالشرح التفصيلي[٣]
معنى آية: حتى يلج الجمل في سم الخياط، بالشرح التفصيلي
قبل البدء بالبحث في كتب التّفسير لمعرفة معنى الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }،[٤] لا بدّ من التّعريف بالآية، وهي الآية الأربعين من سورة الأعراف، تتحدّث عن تكبّر المشركين على آيات الله تعالى، وبأنّهم لن ينقبلوا عنده ولن تفتّح لأرواحهم أبواب السّماء، وسينالوا عقابه، وفيما يأتي تفسيرها:
تأويل الآية في تفسير الطّبري
جاء في تفسير الطّبري في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، أي: إنّ الذين كذّبوا بحجج الله وأدلّته، وكذّبوا الرّسل وتكبّروا عليهم ورفضوا اتّباعهم والانقياد لهم، لا تفتّح لأرواحهم عند خروجها من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم وهم أحياء إلى الله قول ولا عمل, لخبثهم وخبث أعمالهم، وإنما يرْفع الله إليه الكلم الطّيب والعمل الصّالح من المؤمنين الأتقياء, حيث قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}،[٥] قوله: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}، أي: هؤلاء الذين ترفّعوا وتعجرفوا على آيات الله وشرعه ورسله، لن يدخلوا الجنّة ولن يشمّوا رائحتها، حتّى يدخل الجمل في خرق أو ثقب الإبرة -والجمل ابن النّاقة أو ولدها-[٦] وهذا من المستحيل، لأنّ الجنّة أعدّت لعباد الله الأتقياء الأطهار الأوفياء، وهذا الجزاء لهم في الآخرة؛ بسبب إجرامهم بتكبّرهم على الحقّ، وانحرافهم عنه إلى الباطل والضّلال في الدّنيا.[٧]
تأويل الآية في التّفسير الكبير
وجاء في التّفسير الكبير في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا}، أي: كذّبوا بالدّلائل الدالة على مسائل أصول الدين، فكلّ فئة منهم تنكر قضيّة من أصول الدّين، والاستكبار هو التغطرس والتّرفّع بالباطل، ولفظ التّكبّر في حق البشر يدلّ على الذم، قال تعالى واصفًا فرعون: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}،[٨] وقوله: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، فيه خلاف: فمن العلماء من قال: لا تفتح لأعمالهم ولا لأقوالهم ولا لشيء من طاعاتهم، ومنهم من قال: لا يؤذن لهم في الوصول إلى السماء، ولا تفتح لهم ليدخلوا الجنة، وقول آخر: لا تنزل عليهم الخيرات، ولا تصعد منهم الطّاعات، قوله: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، أيضًا وقع بين علماء التّفسير خلاف حول الجمل بحسب قراءته، فقد قرأه البعض: الجَمَل، وهو زوج النّاقة، بينما قرأه آخرون: "الجُمَّل"، وقرئ: "الجُمْل"، وهو الحبل الثّخين، وهو الأقرب من الجَمَل، لشبهه بالخيط ولكنه ثخين ويصعب دخوله، قوله: {وكذلك نجزي المجرمين}، أي: وهذا الجزاء خاصّ بالمجرمين وهم أنفسهم الكافرين؛ لأنّهم كذّبوا بآيات الله وحججه ودلائله، واستكبروا وعتوا عتوًّا كبيرًا.[٩]
معاني المفردات في آية: حتى يلج الجمل في سم الخياط
إنّ الغوص في معاني مفردات الآية ضروري للحصول على المعاني الدّقيقة للآية، وتزداد وضوحًا فهمًا للقارئ، ولذلك لا بدّ من البحث في معاني بعض مفردات الآية الكريمة لتكون أكثر وضوحًا وفهمًا، وفيما يأتي معاني المفردات في آية: حتى يلج الجمل في سم الخياط:
- اسْتَكْبَرُوا: تَكَبَّر: فعل، تكبَّرَ على، تكبَّرَ عن، يتكبَّر، تكبُّرًا، فهو مُتكَبِّر، واسم المفعول مُتكبَّر، تَكَبَّر: تعظَّم وامتنع عن قبول الحقِّ معاندةٌ، قوله تعالى: {فَما يَكونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها}،[١٠] تكبَّر على صديقه: تعالى وترفّع وتعاظم عليه، استكبر: استعظم، ترفَّع.[١١]
- يَلِجَ: وَلَجَ : فعل، ولَجَ في يلِج، لِجْ، وُلوجًا، فهو والِجٌ، وهي والجةٌ، واسم المفعول مَوْلوج، وَلَجَ الْبَيْتَ: دَخَلَهُ، ولَج الشَّيءُ في غيره: دخَل فيه: ما يغيب في باطنها من ماء وكنوز ومعادن وغيرها.[١٢]
- سَمِّ: سَمّ: اسم: الجمع: سُموم، سَمّ، سُمّ، سِمّ، السَّمُّ: كلُّ مادة سامّة، السَّمُّ :شيء كالودَع يستخرج من البحر وينظمُ للزينة، السَّمُّ :أَحَدُ السَّمَّيْن، وهما عِرْقَانِ في خَيْشُومِ الفَرَس والجمع: سُمومٌ، السَّمُّ: ثُقب ضيِّق كثقب الإبرة، وثقب العين وثقب الأذن وغيره، قوله: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ}.[١٣]
- الخِياط: اسم، الخِياطُ: آلةُ الخِياطة، كالإبرة ونحوها، وسمُّ الخِياط: ثَقْبُه، وفي التّنزيل: {حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ}.[١٤]
- الْمُجْرِمِينَ: مُجرِم: اسم، اسم فاعل مِنْ أَجْرَمَ، وجمعه: مجرمون بالرّفع، ومجرمين بالنّصب والجرّ، الْمُجْرِم: الَّذِي ارْتَكَبَ جُرْماً يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ العِقَابَ.[١٥]
إعراب آية: حتى يلج الجمل في سم الخياط
اهتمّ العلماء بتفسير القرآن الكريم وإعرابه، لأنّه يعدّ كتاب العربيّة الأوّل، والإعراب جزء لا يتجزّأ من التفسير لأنّه يزيد الكلام فهمًا ووضوحًا، وسيتمّ إعراب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ...}، بشكل مفصّل مفردات وجملًا، كلآتي:[١٦]
إعراب المفردات:
- إِنَّ: حرف مشبّه بالفعل.
- الَّذِينَ: اسم موصول مبني في محلّ نصب اسم إنّ.
- كَذَّبُوا: فعل ماض مبني على الضّمّ، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفعٍ فاعل.
- بِآياتِنا: الباء: حرف جرّ، آيات: اسم مجرور بالباء، وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ "كذّبوا"، و"نا": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- وَاسْتَكْبَرُوا: الواو: حرف عطف، استكبروا: فعل ماض مبني على الضّمّ، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفعٍ فاعل.
- عَنْها: عن: حرف جرّ، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جر بـ"عن"، متعلّقان بـ "استكبروا".
- لا تُفَتَّحُ: لا: نافية لا مهملة، تفتح: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
- لَهُمْ: اللام: حرف جرّ، وهم: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جر بـ "اللّام" متعلّقان بـ "تفتح".
- أَبْوابُ: نائب الفاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
- السَّماءِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.
- وَلا يَدْخُلُونَ: الواو: حرف عطف، لا: نافية مهملة، يدخلون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النّون لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
- الْجَنَّةَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- حتّى: حرف غاية وجر.
- يَلِجَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتّى، وعلامة نصبه الفتحة.
- الْجَمَلُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
- والمصدر المؤوّل "أن يلج الجملُ" في محلّ جر بـ "حتّى" متعلّقان بـ "يدخلون".
- فِي سَمِّ: في: حرف جرّ، سمّ: اسم مجرور بـ"في" وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ "يلج".
- الْخِياطِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.
- وَكَذلِكَ: الواو: استئنافية أو اعتراضية، الكاف: حرف جرّ وتشبيه، ذا: اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ بـ"الكاف" متعلّقان بمحذوف مفعول مطلق عامله "نجزي" واللام: للبعد، والكاف: للخطاب.
- نجْزِي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة المقدّرة على الياء.
- الْمُجْرِمِينَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنّه جمع مذكّر سالم، والنّون عوض عن التّنوين في الاسم المفرد.
إعراب الجمل:
- {إن الذين كذبوا...}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
- {كذّبوا...}: صلة الموصول "الذين" لا محلّ لها من الإعراب.
- {استكبروا...}: معطوفة على جملة "كذّبوا" فهي مثلها لا محلّ لها من الإعراب.
- {لا تفتح... أبواب...}: في محلّ رفع خبر إنّ.يدخلون...: في محلّ رفع معطوفة على جملة لا تفتح.
- {يلج الجمل}: لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي "أن" المضمر.
- {نجزي المجرمين}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
الثمرات المستفادة من آية: حتى يلج الجمل في سم الخياط
إن لتدبر القرآن الكريم أهمية كبيرة، حيث قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: «ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته؛ من تدبّر القرآن وإطالة التأمّل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته»، ومن خلال تدبّر الآية -والتي هي محور المقال- وإطالة التّأمّل فيها، يمكن قطف بعض الثّمرات المستفادة منها، وهي:[١٧]
- ذمّ الله تعالىالاستِكْبارُ والمتكبّرين لأنّ الاستكبار لدى البشر هو طلَبُ التَّرفُّعِ بالباطِلِ.
- جعل الله الجزاء من جنس العمل، فكما أنّ الكفّار استكبروا عن تقبّل فتح قلوبهم لدخول الإيمان إليها، وعن تقبّل الإيمان بآيات الله في الدّنيا فسيكون جزاؤهم من الله تعالى عدم السّماح لأرواحهم بالنّفوذ من السّماء إلى الله تعالى، فستغلق دونهم أبواب السّماء لاستكبارهم وتغطرسهم.
- جعل الله جرم التّكبر على آيات الله يقترب من جرم الكفار المجرمين بحق الله وبحقّ أنفسهم، ولذلك لن تفتّح لأرواحهم ولا لأعمالهم أبواب السّماء، ولكنّها تُفَتَّحُ لأرواح المؤمنينَ، ولأعمالهم الذين كانوا مُنقادينَ لأمرِ اللهِ، مُصَدِّقينَ بآياته، متواضعين لجلاله ولعبادته، فهؤلاء تُفَتَّحُ لهم أبوابُ السَّماءِ حتّى تعرُجَ أرواحهم إلى اللهِ، وتَصِلَ إلى حيثُ أراد مِنَ العالَمِ العُلويِّ، وتبتهِجَ بالقُربِ مِن جلاله والحظوة برِضوانِه.
المراجع
- ↑ "من هم أصحاب الأعراف ؟ وما مصيرهم في آخر الأمر ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:1-2
- ↑ "سورة الأعراف"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:40
- ↑ سورة سورة فاطر، آية:10
- ↑ "ماهو تفسير قوله (حتى يلج الجمل في سم الخياط)"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الطبري: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ..."، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية:39
- ↑ "قوله تعالى إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء "، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:13
- ↑ "تعريف و معنى اسْتَكْبَرُوا في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى يَلِجَ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى سَمّ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الْخِياطِ في قاموس المعجم الوسيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المجرمين في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ ".إعراب الآيات (40- 41):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-05. بتصرّف.
- ↑ "سُورةُ الأعرافِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.