معنى آية ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، بالشرح التفصيلي

الدعاء بصلاح الأزواج والذرية

إنَّ الزوجة الصالحة والولد الصالح خير ما يكنز المرء وبهما تقرُّ عينه، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاة الدُّنْيَا}،^[١] وعن الزوجة وردَ في حديث عبدالله بن عباس أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركُ بخيرِ ما يكنزُ المرءُ؟ المرأةُ الصالحةُ، إذا نظرَ إليها سرَّتْه، وإذا أمرَها أطاعَتْه، وإذا غابَ عنها حفظَتْه"،^[٢] لذلك فإنَّ الجزء الأكبر من سعادة المؤمن لا يتحقق إلّا من خلال حصوله على زوجة صالحة تطيعه وتسُّره إذا نظرَ إليها وتحفظه في غيابه، وبامتلاكه أولادًا صالحين يطيعونه، فكان واجبًا على المؤمن أن يدعو بصلاح أزواجه وذريته على الدوام لكن مع الأخذ بالأسباب، بحُسن اختيار الزوجة أولًا ثمَّ بمراعاة التوازن في معاملة أولاده، فلا يبالغ في الشدة في تربيتهم حتى لا يسبب لهم الضرر في الدنيا والدين، ولا يتساهل معهم لدرجة كبيرة تجعل منهم فاسدين، ولكن بتعاون الأب والزوجة وقيام كل منهما بدوره يمكن أن يحققا ذلك.^[٣]

معنى آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، بالشرح التفصيلي

في الحديث عن معنى آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، بالشرح التفصيلي، يجدر بالذكر الوقوف عند بعض التفاصيل حول الآية، حيثُ تقع هذه الآية الكريمة في سورة الفرقان، وهي الآية 74 منها، ذكرها الله تعالى في جملة الآيات التي تناولت بعض صفات المسلمين الذين أعلنوا التوبة إلى الله وأطاعوه، حيثُ قال تعالى: {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا* وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا* وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا* أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا}،^[٤] بعد أن ذكر الله بعض صفات المؤمنين الذين تابوا إلى ربِّهم وأحسنوا التوبة، يشيرُ تعالى إلى صفة أخرى غاية في الأهمية في حياة المؤمن وتنطوي تحت مفهوم التضرُّع والدعاء الذي هو جوهر العبادة في الإسلام، حيثُ وردَ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدُّعاءُ مُخُّ العِبادةِ"،^[٥] (30/298) وفي هذه الآية يبيِّنُ الله تعالى أنَّ من صفات المؤمنين أنَّهم يلجؤون إلى ربِّهم بالدعاء والتضرُّع راغبين إليه في سؤالهم حتَّى يعطيَهم أزواجًا وذريةً صالحين تقرُّ عيونُهم بهم، فينظرون إليهم دائمًا وهم في طاعة الله، ويفسِّرُ ابن عباس -رضي الله عنه- هذه الآية بقوله: أي يا ربُّ هب لنا وأعطنا أزواجًا وأولادًا يعملون في طاعتك دومًا فتقرُّ أعيننا بهم في الدنيا وفي الآخرة، وذهبَ آخرون إلى أنَّ قرة العين في الدنيا فقط وهي أن يرى المؤمنُ زوجته وأولاده يطيعون الله تعالى ولا يعصونه، ونحو ذلك وردَ عن ابن جريج وابن زيد وغيرهم.^[٦]

وفي بعض التفاسير وردَ في معنى الآية أنَّ المؤمنين يدعونَ الله ويسألونه أن يهبهم من زوجاتهم وأولادهم قرة أعين أي أن يرَوهم في طاعة الله ويعبدونه ويحسنونَ عبادته، ولا يكونون سببًا لجلب المصائب، وفي قول آخر أنَّهم يسألون الله الهداية والإسلام لأزواجهم وأبنائهم، وفي الحديث عن مقداد بن الأسود -رضي الله عنه- قال: "واللهِ لقدْ بعثَ اللهُ النبيَّ على أَشَدِّ حالٍ بُعِثَ عليْها فيهِ نبِيٌّ مِنَ الأنبياءِ في فترةٍ و جاهلِيةٍ، ما يرونَ أنَّ دينًا أفضلُ من عبادةِ الأوْثانِ، فجاءَ بفرقانٍ فرقَ بهِ بين الحقِّ و الباطلِ، و فرقَ بين الوالدِ و ولدِهِ، حتى إن كان الرجلُ ليرَى والدَهُ و ولدَهُ أوْ أخاهُ كافرًا و قد فتحَ اللهُ قُفْلَ قلبِهِ للإيمانِ، يعلمُ أنَّهُ إنْ هلكَ دخلَ النارَ، فلا تقرُّ عينُهُ وهو يعلمُ أنَّ حَبيبَهُ في النارِ، و إنِّها للتي قال عزَّ و جلَّ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}"،^[٧] وفي هذا إشارة إلى أنَّ قرَّة العين تكون في الدنيا والآخرة بهدايتهم للإسلام، والله تعالى أعلم.^[٨]

معاني المفرادات في آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين

بعد معرفة معنى آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، بالشرح التفصيلي، سيُشار إلى معاني المفردات في الآية لأنَّ ذلك من شأنه أن يقرِّب المسلم من المعنى العام للآية أكثر، ويزيد من الإحاطة بجوانبها المختلفة، وسيتمُّ ذكر معاني المفردات في آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، كل على حدة فيما يأتي:

• ربنا: الربُّ بأل التعريف لا تطلق إلّا على الله تعالى، وعلم ربوبيٌّ نسبةً إلى الرب، وربُّ العمل: صاحبه ومالكه، وربُّ كل شيء: مالكه وصاحبه ومستحقه، والجمع ربوب وأرباب، وربنا: مالكنا وصاحبنا وسيدنا.^[٩]
• هب: تأتي كلمة هَبْ كفعل أمر جامد، ليس له ماضي، بمعنى الظنِّ وهو من أفعال القلوب التي تنصب مفعولين، مثل: هب طفلًا ذكيًّا، وهو فعل أمر من وهب بمعنى أعطى، ومعنى هبنا: أعطنا وامنحنا، ووهبه: أعطاه.^[١٠]
• أزواجنا: الزوج هو كل واحد ومعه أحدٌ آخر من جنسه، ويكون للزوج نقيض مثل: رطب ويابس، ذكر وأنثى وغيرهما، الزوجان: الرجل والمرأة وهكذا.^[١١]
• ذرياتنا: من الذرية وجمعها: ذراري، وذرية الرجل: نسله وولده وأبناؤه.^[١٢]
• قرة: مصدر للفعل قرَّ، والقرَّة: كلُّ ما قرَّت العين به، وقُرَّة العين: هي الأشياء التي يصادف بها الإنسان سعادة وسرورًا فلا تتطلع عينه ولا تطمح لما سوى ذلك، قرة عين الأم: سرورها وسعاتها وسكونها، قرة العيش: رغد وطيب العيش.^[١٣]
• أعين: جمع كلمة عين، والعين هي عضو الإبصار والنظر عند المخلوقات، والعين أيضًا ينبوع الماء الذي ينبع من الأرض ويجري.^[١٤]

إعراب آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين

يساعد إعراب المفردات في اللغة العربية على معرفة موضع ووظيفة كلّ كلمة، ما يعني الوصول إلى المَعنى المُراد منها، من ثمَّ إيصاله إلى ذهن القارئ، وبالتالي فإنَّ إعراب مفردات آيات كتاب الله له دور كبير في فهم المقصود منها، ولذلك تناولها العلماء بدراسات واسعة وذات أهمية كبيرة، وأفردوا كتبًا كثيرةً لإعراب القرآن متوخِّين الدقَّة في ذلك، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج إعراب آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، إعراب مفردات وجُمَل:^[١٥]

• ربنا: ربَّ: منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ونا: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
• هب: فعل أمر بمعنى الدعاء مبني على السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
• لنا: جار ومجرور متعلقان بالفعل هَبْ.
• من: حرف جر.
• أزواجنا: اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة، ونا: ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل هَبْ.
• وذرياتنا: الواو: حرف عطف، ذرياتنا: اسم معطوف على مجرور فهو مجرور، ونا ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
• قرة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
• أعين: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة، وجملة "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين" جملة مقول القول لا محل لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين

في نهاية المطاف لا بدَّ أن يتعرَّف المسلم على الثمرات التي يجب أن يستخلصها من كل آية في كتاب الله تعالى، فقد أنزل الله آياته تعاليمًا وأحكامًا وهدايةً للناس يهتدون بكنوزها، بدايةً من مواضيع العقيدة والتوحيد مرورًا بأصول الدين والتشريعات الإسلامية وغير ذلك، لذلك فإنَ القرآن الكريم عبارة عن دستور حياة، ينظِّم حياة المسلمين في الدنيا ويمهِّد لهم الطريق إلى مغفرة الله يوم القيامة، وسيتمُّ إدراج الثمرات المستفادة من آية: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، فيما يأتي:^[١٦]

• الدعاء والتضرُّع إلى الله تعالى من الصفات الهامة في المسلم، فالله يحبُّ أن يلجأ إليه العبدُ ويطلب منه ويسأله، حيثُ قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.^[١٧]
• الزوجة الصالحة التي تعينُ زوجها على طاعة الله خير ما يمتلكه المؤمن، وقد وردَ في حديثٍ عن ثوبان مولى رسول الله أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليتَّخِذْ أحدُكُم قَلبًا شاكرًا، ولِسانًا ذاكرًا وزَوجةً مُؤْمِنَةً تعينُ أحدَكُم علَى أمرِ الآخِرةِ".^[١٨]
• من سعادة المسلم امتلاكه زوجة صالحة وأولادًا صالحين، فعليه أن يسعى للحصول عليهم مع الأخذ بالأسباب والسعي من أجل ذلك، باختيار الزوجة المؤمنة التقية وتربية الأبناء وفق ما يرضي الله.
• الذرية الصالحة من نعمَ الله العظيمة على المؤمن، وعلى المؤمن أن يحافظَ عليها.

المراجع

1. ↑ سورة الكهف، آية:46
2. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1768، صحيح.
3. ↑ "الدعاء بصلاح الأزواج والذرية"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
4. ↑ سورة الفرقان، آية:71-75
5. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:298، حسن في الشواهد.
6. ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
7. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن المقداد بن الأسود، الصفحة أو الرقم:2823، إسناده صحيح.
8. ↑ "القول في تأويل قوله تعالى " والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
9. ↑ "تعريف و معنى ربنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
10. ↑ "تعريف و معنى هب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
11. ↑ "تعريف و معنى أزواجنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
12. ↑ "تعريف و معنى ذرياتنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
13. ↑ "تعريف و معنى قرة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
14. ↑ "تعريف و معنى أعين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
15. ↑ "كتاب: إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
16. ↑ "القول في تأويل قوله تعالى " والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
17. ↑ سورة غافر، آية:60
18. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم:1517، صحيح.