معنى آية سيجعل لهم الرحمن ودًّا، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية سيجعل لهم الرحمن ودًّا، بالشرح التفصيلي

سورة مريم

تُعدُ سورة مريم من السورِ المكيَةِ، التي تبلغُ عددُ آياتها 98 آية، وجميعُ آياتها مكية، ما عدا الآيتان 58 و 71، فهي آياتٌ مدنيةٌ، وترتيبها في المُصحف في الجزءِ السادس عشر، وهي السورةُ التاسعةُ عشر في ترتيب السور، ونزلت بعد سورةِ فاطر، وفي الآية 58 من السورة سجدة، وهي السورة الوحيدة في القرآن، التي سُميت باسمِ إمرأة، وهي مريم العذراء أم النبي عيسى، وابتدأت السورة بقصةِ النبي زكريا، ودعائه الخفي لله تعالى، بأن يرزُقَهُ ولدًا صالحًا، واستجابةِ الله تعالى له، بأن جعلَ لهُ خلفًا وهو النبي يحيى، وبعدها جاءت قصةُ مريم بنت عمران، وكيف بشرها الله بعيسى وجاءَ فيها بعد ذلك قصة نبي الله إبراهيم مع أبيه، ودعوته لأبيهِ بأن يتركَ عبادة الأصنام، وجاء بعدها ذكرُ عددٍ من الأنبياء، وفي آخر السورةِ جاءَ استنكارٌ للذين أشركوا بالله، وقالوا بأن لله ولدٌ، مع التأكيد في السورةِ بأن الله منزهٌ عن أقوالهم، فكل من في الأرض، هم عبادٌ لله تعالى.[١]

معنى آية: سيجعل لهم الرحمن ودًّا، بالشرح التفصيلي

وردَ في سورة مريم قول الله تباركَ وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا}،[٢] يخبر الله تعالى في هذه الآية، أن المؤمنين، االذين آمنوا بالله تعالى، وصدقدوا مع الله، سيعطيهم الله تعالى حبًا وودًا منه وسيلقي محبتهم في قلوبِ العباد، وأكد هذا رسول الله في قوله: "إذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي قد أَحببتُ فلانًا فأحبَّهُ، قالَ: فيُنادي في السَّماءِ، ثمَّ تنزلُ لَهُ المحبَّةُ في أَهْلِ الأرضِ، فذلِكَ قولُ اللَّهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا، وإذا أَبغضَ اللَّهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي أَبغضتُ فلانًا، فيُنادي في السَّماءِ ثمَّ تُنزَلُ لَهُ البَغضاءُ في الأرضِ"[٣] فالعبدُ إن أحبَهُ الله، حببَ بهِ جبريل، وملائكةُ السماء، وحببَ بهِ أهلُ الأرضِ جميعًا، وعلى عكسِ ذلك، إذا كرهَ الله العبد، وأبغضَهُ، فيُبغِضهُ أهل السماءِ والأرضِ جميعًا، وهذه الآية تبين الأجر والثواب للمؤمنين، الذين صدقوا إيمانهم لله تعالى، والذين يعملون الأعمال الصالحة ويحرصون عليها، فجزائهم الود من الله تبارك وتعالى ويعني المحبة وأعظمُ ما يحصلُ عليه العبد هو المحبةُ من الله تعالى ونيل رضاه والتبشير بجنتِهِ وهي خيرُ ما يُبشر به العبد المؤمن من ربهِ.[٤]

وتفيضُ هذه الآية بالتبشير من الله تبارك وتعالى للمؤمنين، وتدعوهم للدوام على الأعمال الصالحةِ، والتزامهم بإيمانهم الكبير بالله تعالى، سيما وأن الأعمال الصالحة والأيمان بالله تعالى، هو أمرٌ يحتاجُ الصبر والصدق والإخلاص في القول والعمل فمن يعمل الصالحات يعلمُ جيدًا قيمة هذه الأعمال ويعلم الجزاء عليه من الله تعالى، ويعلم بأن إيمانه وعدم كُفره هو طريقه للجنةِ ويعلمُ فائدة صدقهِ وعدم عصيانِه لله تعالى، ويعرفُ أنه لم يظلم نفسِهُ، فهو مؤمن بما أنزل الله، وهو ما فُطر عليه والإيمان بالله تعالى يتطلبُ من العبد أن يكون متمسكًا وصابرًا وأن يبذلَ كل ما لديه من صدقٍ ويقينٍ، ليكونً إيمانَهُ صافيًا، لا تشوبُهُ شائبةٌ ويخلو من كل ما له علاقةٍ بالظُلم أو الكفر، بل إيمانًا كله رجاء وأملٌ بالله تعالى، بأن يجزيه أحسن جزاء ويرحمه برحمتِهِ الواسعةِ، فالله تعالى يحبُ المؤمن الصادق التقي، وهذا ما أكدته الآية، أن جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ هو الجنة وفي الجنةِ كل ما يُحبهُ المؤمن ويرتضيه وكل ما صبر من أجلِهِ وقد جاءت كثيرٌ من الآياتِ في كتاب الله تعالى والتي تؤكد أن جزاء المؤمنين بالله تعالى هو الجنة، وتبشيرُ المؤمنين بالجنة يدعوهم للتمسكُ والاعتزاز والفرح بإيمانهم، وأعمالهم الصالحة التي تؤول بهم إلى خيرِ مآلٍ ويسععونَ إلى تمسكهم بإيمانهم هذا والإقبال على الله تعالى.[٥]

وقال ابن عباس أن معنى ودًا في قوله تعالى: {سيجعل لهم الرحمن ودًا}، معناها حبًا، وقالَ مجاهد معناها محبة الناس في الدنيا، وقال غيرهم معنى هذا أن الله يُحبهم ويحبِبُ عبادهُ بهم، وقيل أن الودَّ من المسلمين في الحياة الدنيا، والأرزاق الحسنة، وصدق اللسان، وقال قتادة: "{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} إي والله في قلوب أهل الإيمان، ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم"، فسِرُّ قبول الناس للعبدِ ومحبتهم لَهُ هو إقبالُ العبد على ربه وإيمانه به وورُيَ عن الحسن البصري أنه قال: ": قال رجل: والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج، فكان لا يعظم، فمكث بذلك سبعة أشهر، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا: انظروا إلى هذا المرائي، فأقبل على نفسه فقال : لا أراني أُذكرُ إلا بشر ، لأجعلن عملي كله لله - عز وجل - فلم يزد على أن قلب نيته ، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله ، فكان يمر بعد بالقوم ، فيقولون : رحم الله فلانا الآن ، وتلا الحسن : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}".[٦]

معاني المفرادات في آية: سيجعل لهم الرحمن ودًّا

وبعد بيان قول الله تعالى :{سيجعل لهم الرحمن ودًّا}، وبيان ما انطوت عليهِ من معان، وما كُتب للمؤمنين من الجزاء الحسن، وحرصهم على أن ينالوا رضا الله ومحبتِهِ، وكيف يجعل الله لهم القبول والمحبة في الأرض، بعدها سيأتي بيان المفردات في الآية، وهي ما يأتي:[٧]

  • سيجعلُ: جعَلَ يَجعَل ، فهو جاعِل ، والمفعول مَجْعول ويقال جعَل اللهُ الشَّيءَ أي خلقه وأنشأه، وجعل الشيء: وضعه، وعينه وأقامه. وجعل الشيء كذا أي صيره وأعطاه.
  • وِدًّا: هو اسم والجمع: أَوِدُّ الوِدُّ وهو:المحبُّ والوِدُّ: الكثيرُ الحبّ ويقال أَمْحَضَهُ الوُدَّ: أي أَخْلَصَ لَهُ الْمَحَبَّةَ، وأصفى فلانًا الودَّ: أي أخلصه له وصدقه المودّةَ، ويقال أصفى لفلانٍ الودَّ: أي أخلصه له وصدقه المودّةَ،ويقال حَفَش لفلان الودّ: أي أَخلصَه ولم يدَّخر منه شيئاً، ومعنى حمل الودّ أو الغضب أو نحوهما: أي أحسّ به.
  • الرحمن: :اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: ذو الرَّحمة التي لا غايةَ بعدها في الرّحمة، الذي وسعت رحمتُه كلَّ شيء، الذي يُزيح العلل ويُزيل الكروب، العطوفُ على عباده بالإيجاد أوّلاً، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السّعادة ثانيًا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثًا، المنعِمُ بما لا يُتصوَّر صدورُ جنسه من العباد.

سبب نزول آية: سيجعل لهم الرحمن ودًّا

وسبب النزول يُعدُ من العلوم المهمةِ من علومِ القرآن الكريم، ومعرفةُ أسبابِ نزولِ الآيات يُساعدُ على فهم آياتِ كتاب الله تعالى، ومعرفةُ مقصدِها، وسبب نزول آية {سيجعل لهم الرحمن ودًّا}، مُختلَفٌ فيها، فقيل أنها نزلت في علي بن أبي طالب، وأن رسول الله كانَ يقول له أن يدعوا بأن يجعل الله عهدًا ومحبةً ومودةً له في قلوب الناس، وقيل أنها نزلت في عبد الرحمن بن عوف فقد قال ابن عباس: "نزلت في عبد الرحمن بن عوف جعل الله تعالى له في قلوب العباد مودة لا يلقاه مؤمن إلا وقره ولا مشرك ولا منافق إلا عظَّمَه "، وموضوع قول الله تعالى: {سيجعل لهم الرحمن ودًّا}، هو محبة الله تعالى، فقد كان هرم بن حيان يقول: "ما أقبل أحدٌ بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم، وقيل: يجعل الله تعالى لهم مودة في قلوب المؤمنين والملائكة يوم القيامة"، فمن كانَ محبوبًا في الدنيا، فهو محبوبٌ في الآخرةِ، فالله تعالى يُحبُ المؤمن التقي، الذي أظهرَ صدقَهُ وإيمانَهُ، وإخلاصَهُ لله تعالى، فمن كان كذلك أحبَهُ الله تعالى، ووضع الله محبتَهُ في قلوب أهلِ السماءِ وأهل الأرض. [٨]

إعراب آية: سيجعل لهم الرحمن ودًّا

بعد بيان تفسير آية {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}، سيأتي بيان إعراب هذه الآية وهذا ليكتملَ الوضوحُ والبيان، فالإعراب له شأنٍ عظيمٍ في اللغة العربية، فهو يعدُ تطبيقًا لقواعد اللغة العربيةِ،، وهو الطرقِ القديمةِ عندَ، علماء اللغةِ العربية لإبراز مواقع الكَلام معتمدين على ما بُنيت عليه من قواعد، فالإعراب وسيلةُ توضحُ للمتعلّم ما يُدرك به تركيب الجمل[٩]، وأما إعراب قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}، فهو ما يأتي:[١٠]

  • سَيَجْعَلُ: السين للاستقبال، ويجعل فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمةُ على آخرِهِ.
  • لَهُمُ: جارٌ ومحجرورٌ، متعلقان بسيجعل.
  • الرَّحْمنُ: فاعل مرفوع، وعلامةُ رفعه الضمةُ على آخرهِ.
  • وُدًّا: مفعول به منصوب، بعلامةِ نصبهِ وهي الفتحة والجملة الفعلية في محل رفع خبر إن.

الثمرات المستفادة من آية: سيجعل لهم الرحمن ودًّا

القرآن الكريم كله حكمٌ ومواعظٌ ينبغي على المسلم أن يتدبرها، وأن يستشعر معاني الآيات ويقف عندها، فيقف عند آيات الاستبشار ويفرح بها، ويستعيذ بالله عند قرائته آيات العذاب، وتدبر القرآن الكريم يساعد المسلم على الامتثال لأمر الله تعالى ويعينه على تطبيق ما جاءَ فيه من أمرٍ ونهيٍ وتدبر القرآن يشحنُ النفس بالخير[١١]، وسورة مريم بتنوع القصص التي جاءت فيها وبيان إعجاز الله تعالى وكيف بيده ملكوت كل شي فهو القادر على كل شي وهو الذي وهبيحيى لزكريا، بعدما بلغ من الكبر عتيا، وفي الآية الكريمة قول الله تعالى: {سيجعل لهم الرحمن ودًّا} جاءَ في الآية عدةُ ثمراتٍ ينبغي الوقوف عليها وهي ما يأتي:[١٢]

  • ينبغي أن يحرص المؤمن على نيل رضا الله تعالى ومحبته، ليجزيه بما وعد به عباده وهي الجنة، وهذا لا يكون إلا بالقيام بالأعمال الصالحةِ، وإتيان ما أمر الله تعالى بهِ، واجتنابُ نواهيهِ، والصدق مع الله تعالى، واليقين والإيمان بأن الله تعالى يَصدُقُ عبادَهُ، ويجزيهم ما وعدهم.
  • أعظم ما يحصل عليه العبد هو محبة الله تعالى، فإذا أحب الله العبد حبَبَ بهِ أهل الأرضُ والسماءِ، وهذا سِرُّ أن يكون العبد قد أحبه الناس، بلا معرفةٍ أو سببٍ، فهو قبولٌ من الله تعالى يضعه لعبادِهِ المؤمنين، ولا يكونُ لغيرهم.
  • الإيمان بالله تعالى هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي لا تتغير ولا تتبدل، حتى وإن وجد الكفر والطغيان، فمن بقيَ على فطرتِهِ السليمةِ الخاليةِ من شوائبِ الدنيا، نالَ رضا الله ومحبتهِ.
  • المؤمنون الصادقون، هم من يحبهم الله تعالى، وهم من يحبهم الناس، ومن يكتَبُ لهم القبول في الأرض.
  • المحبة هي هبة من الله تعالى يلقيها في قلوبِ عباده، قال قتادة: "ذكر لنا أنَّ كعبًا كان يقول: إنَّما تأتي المحبَّة من السَّماء".
  • الدين الإسلامي دينُ محبةٍ وأُلفةٍ وسماحةٍ، فالجزاء من الله للمؤمن هي المحبة منهُ ومحبة العباد، وهذا يُساهم في نشرِ الأُلفةِ بينَ أفرادِ المجتمع الإسلامي.
  • كما يوجدُ عبادٌ في الأرضِ يُحبهم الله تعالى، فهناكَ عبادٌ يبغضهم الله، ويجب على المسلم أن يحذرَ من الوقوعِ في هذا، وأكدَ هذا رسول الله في الحديثِ الذي سبقَ ذكرهُ، وهو قول رسول الله: "إذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي قد أَحببتُ فلانًا فأحبَّهُ، قالَ: فيُنادي في السَّماءِ، ثمَّ تنزلُ لَهُ المحبَّةُ في أَهْلِ الأرضِ، فذلِكَ قولُ اللَّهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا، وإذا أَبغضَ اللَّهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي أَبغضتُ فلانًا، فيُنادي في السَّماءِ ثمَّ تُنزَلُ لَهُ البَغضاءُ في الأرضِ".

المراجع

  1. "سورة مريم"، ar.wikipedia.org، 2020-06-06. بتصرّف.
  2. سورة مريم، آية:96
  3. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3161، حديث صحيح.
  4. "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-06. بتصرّف.
  5. "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "، www.alukah.net، 2020-06-07. بتصرّف.
  6. " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا"، islamweb.net، 2020-06-07. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى الود في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-06-07. بتصرّف.
  8. "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا"، islamweb.net، 2020-06-07. بتصرّف.
  9. "أهمية الإعراب في اللغة"، al-maktaba.org، 2020-06-07. بتصرّف.
  10. "إعراب الآيات (93- 98)"، www.al-eman.com، 2020-06-07. بتصرّف.
  11. "أهمية التدبر في القرآن العظيم"، www.saaid.net، 2020-06-07. بتصرّف.
  12. "موسوعة الأخلاق"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 05/08/2020. بتصرّف.
4835 مشاهدة
للأعلى للسفل
×